الاستبشار بتقرير عن النزوح الداخلي في بلداننا ولكن…
هيفاء زنكنة
الاستبشار بتقرير عن النزوح الداخلي في بلداننا ولكن…
«شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في 2022، للعام الثالث على التوالي، انخفاضا في عدد حالات النزوح الداخلي المرتبطة بالنزاع والعنف». كان هذا أحد الأخبار الإيجابية النادرة عن بلداننا التي باتت بؤرة لكل ما يركز عليه تقرير مركز رصد النزوح الداخلي العالمي، الصادر أخيرا، من الكوارث والنزاع والعنف والأمن الغذائي والنزوح الداخلي. إلا أن وهلة الاستبشار بخبر انخفاض حالات النزوح الداخلي سرعان ما تضمحل حالما ندرك أن إلاحصائيات التي يقدمها التقرير لا تشمل كارثة الاقتتال الدائرة في السودان وما سببته من نزوح قسري وهجرة جماعية بأعداد قدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها أكثر من 800 ألف شخ،. كما لم يشمل آلاف النازحين جراء كارثة الزلزال في تركيا وسوريا. الأمر الذي سيؤدي إلى وجوب وضع خارطة نزوح جديدة للمنطقة، ويُغّير من إمكانية إيجاد أفضل الحلول حيث انضم السودانيون إلى عشرات الملايين من النازحين، من أرجاء العالم، الذين يعيشون حالة نزوح مطول نتيجة أسباب عدة من بينها الصراع العنيف الذي طال أمده والكوارث الطبيعية بالاضافة إلى عدم وجود حلول دائمة.
عالميا، تم تسجيل حوالي 61 مليون حالة نزوح داخلي خلال عام 2022 عبر 151 دولة وإقليم بنسبة زيادة 60 في المئة من عام 2021 وهو، أيضا، أعلى رقم على الإطلاق. حيث سُجل رقم قياسي بلغ 32.6 مليون بسبب الكوارث البيئية و 28.3 مليون جراء الصراع والعنف. وبلغ نصيب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حوالي 12.8 مليون نازح، 98 في المئة منهم نتيجة للحرب والعنف في سوريا واليمن والعراق وليبيا، لتعطينا البلدان الأربعة حصيلة مخيفة عن واقع الحياة فيها كونها تشكل، فيما بينها، 20 في المئة من جميع النازحين داخليا نتيجة للصراع والعنف في جميع أنحاء العالم.
وإذا كانت حالات النزوح الداخلي المرتبطة بالنزاع والعنف في المنطقة قد انخفضت فإن حالات النزوح بسبب الكوارث (الجفاف، والحرائق البرية، والفيضانات، والأمراض المستشرية) قد إزدادت بنسبة 25 في المئة عن العام السابق. ماتجدر الأشارة إليه هو أنه تم تسجيل معظمها في البلدان المتضررة بالفعل من النزاعات، وذلك للحالة الهشة التي تعاني منها البنية التحتية والخدمات في المناطق المتضررة، مما يوضح ترابط العلاقة بين الاثنين وانعكاساتها على المنطقة. ففي اليمن، مثلا، على الرغم من الانخفاض الكبير في حدة النزاع والنزوح الجديد بعد التوصل إلى الهدنة في أبريل/ نيسان، إلا أن الأزمة الإنسانية في البلاد لم تختف. وبحلول نهاية العام، كانت لا تزال موطنا لـ 4.5 مليون نازح. حاول البعض العودة، لكن آفاقهم محدودة بسبب التهديد المستمر بتجدد العنف ونقص فرص كسب العيش وانعدام الأمن الغذائي الحاد ولا يزال وصول المساعدات الإنسانية مقيدا بشدة، حسب التقرير.
لايختلف الحال كثيرا في العراق على الرغم من انتهاء الاقتتال مع تنظيم (الدولة» الإسلامية (داعش) منذ عام 2017. ويعود ذلك إلى عدة أسباب من بينها الوضع الأمني الهش وانتشار المليشيات. يشير التقرير إلى أن هناك أكثر من نصف مليون عائد يعيشون في ظروف يسودها الفقر، ويتعرضون لمخاطر الاستغلال وسوء المعاملة والعنف القائم على النوع الاجتماعي والاتجار بالبشر مما يدفع بعض النازحين إلى اختيار البقاء في الخيام على العودة إلى ديارهم، ويرجع ذلك أيضا إلى الافتقار إلى فرص كسب العيش، والتأخير في التعويض عن المساكن المتضررة، وصدمة النزوح المتكرر.
ويخبرنا التقرير بأن معدلات البطالة بين النازحين أعلى بنسبة 10٪ على الأقل من نظرائهم غير النازحين، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي لديهم. وقد دفع هذا الكثيرين إلى تبني استراتيجيات سلبية للتكيف، بما في ذلك إخراج أطفالهم من المدرسة، وبيع الأصول الإنتاجية، والتورط في الجريمة، والزواج المبكر. ونصف النازحين، تقريبا، هم من غرب البلاد، حيث تضررت المنازل والبنية التحتية بشدة وتفتقر إلى الخدمات الأساسية في مناطق العودة.
وتبقى فلسطين حاضنة لأقدم النازحين واستمرارية في العالم، جراء الاستعمار الصهيوني الاستيطاني وسياسته الإجرامية في هدم المنازل وإجبار السكان على تركها. ففي عام 2022، تم تسجيل ما يقرب من 1800 حالة نزوح. ويعاني قطاع غزة المحاصر من العقاب الجماعي المتمثل بالقصف والغارات الجوية الصهيونية في عمليات تستهدف في حصيلتها الجميع. ففي أغسطس/ آب الماضي، مثلا، تم تهديم أكثر من 1700 منزل مما تسبب في نزوح أكثر من 640 شخصا. كما تجلت الآثار المتداخلة للنزاع والكوارث في فلسطين في عام 2022، حيث أدت الفيضانات إلى 220 عملية إخلاء مؤقتة في قطاع غزة. وفي العراق، تم تسجيل 51 ألف نازح، وهو ما يمثل حوالي سدس جميع حالات النزوح الناجمة عن الكوارث في جميع أنحاء المنطقة ككل، بسبب الجفاف وسوء إدارة المياه وبناء تركيا وإيران السدود، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الغذاء وارتفاع الأسعار وتقويض سبل عيش المزارعين والرعاة على نطاق واسع، لا سيما في الجنوب.
نستخلص من قراءة التقرير المهم بإحصائياته ومعلوماته، ومنها المتعلق ببلداننا، أن انخفاض مستوى العنف أو انتهاء الاقتتال أو الحروب، لا يُترجم بالضرورة إلى إنهاء مأساة النازحين وإنقاذهم من أعماق الظلمات، خاصة إذا ما صاحبتها الكوارث الطبيعية أو الناتجة عن سوء إدارة الأمور في البلاد، بل إن هناك ما يدل على إمكانية ديمومتها وتحولها إلى قنبلة موقوتة تهدد البلد كله إذا لم توفر الحكومة حلولا دائمة لأعادة توطين النازحين، وتوفير فرص الاستقرار والأمان لهم، والاستثمار طويل الأجل لإعمار البنية التحتية وتوفير أساسيات الحياة الكريمة، في الوقت الذي تعمل فيه على الحد من مخاطر الكوارث والقدرة على التكيف مع تغير المناخ والأمن الغذائي والحد من الفقر.