اعترافات مثيرة لأبو رغيف بشأن اللجنة ٢٩
إيلاف: لطالما اعتاد العراقيون على أن كبار الضباط والمسؤولين هم الى حد كبير خارج المساءلة حتى بعد خروجهم من الخدمة، لكن مصادقة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على تقرير لجنة التحقيق في انتهاكات اللجنة 29 الملغاة برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف مثلت رسالة واضحة بأن لا أحد فوق القانون، وان إنفاذه سيتم على تلك اللجنة ومن ورائها.
فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في 21 كانون الأول\ ديسمبر 2021 تحقيقاً خاصاً عن انتهاكات حقوق الإنسان وممارسة التعذيب والابتزاز ارتكبتها الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي في حق موقوفين من قبل اللجنة 29.
وقالت الصحيفة إن حملة مكافحة الفساد المزعومة التي أطلقها الكاظمي عمدت الى احتجاز الأفراد واستخدام التعذيب والعنف الجنسي لانتزاع اعترافات من كبار المسؤولين ورجال الأعمال.
وذكرت الصحيفة الأميركية أيضا وقتها أنها تحدثت مع مستشار سابق للكاظمي والذي "نفى بشكل قاطع" مزاعم الانتهاكات. وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، مدعياً أن القضية حساسة للغاية بحيث لا يمكن مناقشتها بشكلٍ رسمي، قائلاً إن الحكومة السابقة التزمت بأعلى معايير حقوق الإنسان.
وأضاف المستشار السابق، إن تشويه سجل الوقائع سيمنح الإفلات من العقاب لبعض المجرمين الأكثر عنفًا وفاسدًا في العراق، مشيرًا إلى أن اللجنة استهدفت أيضًا أفرادًا لهم صلات بالميليشيات. أما أبو رغيف فرفض التعليق على هذه القصة، وفقًا للصحيفة.
وما إن نشرت واشنطن بوست تقريرها حتى أمر السوداني بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في مزاعم الصحيفة والتي تشكلت بعد أسبوع واحد من التقرير. وقد عملت اللجنة على مدى 6 اشهر واجتمعت 38 مرة، واستضافت عددا من المشتكين والشهود، وحققت مع عدد من المشتكى عليهم وخاطبت الجهات ذات العلاقة وعلى رأسهم قاضي التحقيق وجهاز مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية وجهاز مخابرات الوطني العراقي وهيئة النزاهة الاتحادية ومجلس النواب العراقي.
تنافس وتبادل الاتهامات
كشف مصدر مطلع لـ"إيلاف" بأن أبو رغيف أقرّ في أقواله أمام اللجنة التي كانت تعمل وفقًا لأوامر رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وأشار المصدر الى أن بعض أعضاء اللجنة الملغاة كانوا في تنافس شديد فيما بينهم، إذ أن رئيس اللجنة أحمد أبو رغيف يصبّ جام غضبه ويُحمل المسؤولية لضابط المخابرات والمقرّب الأول لمصطفى الكاظمي ضياء الموسوي المتهم أيضاً بممارسة الابتزاز. فيما يتهم الموسوي رئيس اللجنة الملغاة أبو رغيف بأنه قد استلم مبالغ طائلة من ذوي الموقوفين.
فيما أضاف المصدر أن بعض المشتكين قد سجلوا دعاوى ضد رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ومدير مكتبه رائد جوحي. في حين نقلت وكالة شفق نيوز يوم أمس الخميس عن مصدر مطلع، قوله إنه صدر أمر قضائي بحجز أموال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بعد رصد تضخم مالي فيها.
إكمال التحقيق والتوصيات
إن تقرير لجنة التحقيق التي شكلها السوداني جاء مفصلاً واتفق في بعض أجزائه مع ما ذكرته واشنطن بوست خصوصاً فيما يتعلق بممارسة اعضاء اللجنة الملغاة أساليب التعذيب والابتزاز بحق الموقوفين وذويهم.
وجاءت توصيات اللجنة لتشفي صدور من تم انتهاك حقوقهم وتعرضوا للضيم على يد "زائر الليل" وهو الاسم الذي اطلقه العراقيون على رئيس اللجنة الملغاة أبو رغيف وفرقته.
إذ أوصت اللجنة التحقيقية بإحالة الملفات الجنائية الى القضاء لملاحقة من مارس جرائم التعذيب أو الابتزاز قضائياً، بالإضافة الى التوصية بإحالة كل من لا يزال في الخدمة الى التقاعد الإجباري حسب قانون خدمة القوى الأمنية النافذ وأوصى بأن لا يتولوا أي مناصب رسمية مستقبلاً وكذلك بالتحقيق في ممتلكاتهم وأموالهم.
"إن حرص حكومتنا على إنجاز هذا العمل وتقصي الحقيقة يستهدف أولاً ضمان الالتزام بالمادة 37/ اولا/ ج من الدستور العراقي، التي تحظر التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية، وانتزاع الاعتراف بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، كما أننا بهذا الجهد نؤسس لعدم الإفلات من العقاب، مهما كان منصب مرتكب الجريمة أو صلاحياته، وأن المعتدي سينال جزاءه العادل، طالما كان بيننا رجال يضعون الوطن والقانون نصب أعينهم."
باسم العوادي، المتحدث باسم الحكومة العراقية
وحتى لا يذهب البعض إلى القول أن تحقيق اللجنة جاء من باب تصفية الحسابات، فإن التحقيق في الانتهاكات تم كليا تحت اشراف القضاء واستند الى شهادات من قدموا شكاوى حتى قبل ان تنشر الصحيفة الاميركية تحقيقها.
ولا يخفى على أحد أن الفساد هو واحد من ابرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية إذ انه يضرب بجذور عميقة في المجتمعات العراقية لكن مكافحته لا بد وأن تتم وفق القانون ومن خلال القنوات الشرعية حتى لا يتم استغلال تلك المكافحة لتصفية حسابات سياسية أو للحصول على الأموال بطرق غير شرعية.
وهنا لا بد من التساؤل لماذا تم تشكيل لجنة الامر الديواني 29 برئاسة أبو رغيف وهي غير مختصة وخارج المؤسسات الدستورية المكلفة بمحاربة الفساد لتقوم بانتزاع اعترافات من مسؤولين ورجال أعمال؟
فيما اتبعت الحكومة الجديدة سياق الدستور لمكافحة الفساد، واوكلت المهام الى الجهة المختصة لمحاربة الفساد وهي هيئة النزاهة، وقد كتب فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الحكومة العراقية للشؤون الخارجية مقال نشرته في جريدة الشرق الأوسط عن نشاطات الهيئة بأنها أحالت "الآلاف من موظفي القطاع العام بالفعل إلى المحاكم للمقاضاة. ومن بين هؤلاء مسؤولون رفيعو المستوى، بمن فيهم أعضاء حاليون في البرلمان ووزراء سابقون. في الأشهر الستة الماضية وحدها، تم إصدار 4518 أمر استقدام، شمل ذلك 32 وزيراً و160 من الدرجات الخاصة من مدير عام وما فوق. كما صدرت 1702 مذكرة توقيف، شملت بينهم 93 مسؤولاً رفيع المستوى".
وهذه الإجراءات تمت بما يتماشى مع الدستور والقانون اللذين ينصان على احترام حقوق الإنسان حتى لو كان مجرماً. وهذا ما أكده المستشار السياسي لرئيس الوزراء فادي الشمري، اذ قال " إنجاز التحقيق في هذا الملف يؤكد على التزام حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بمعالجة الملفات المهمة، وذلك على الرغم من التحديات والضغوط التي تواجهها مع الالتزام بالسياقات القانونية والدستورية".
إن ما جاء في تقرير اللجنة التحقيقية هو نتاج تحقيق استمر لستة أشهر ويدلل على أن الفساد الذي ظل سنوات ينهش في خيرات العراق لا يمكن مكافحته إلا من خلال الإجراءات القانونية السليمة والرقابة الصارمة المدعومة بقوة الدستور والقانون وبدونهما سيعود زائر الليل تحت مسمى آخر لممارسة الترهيب والترويع والابتزاز دون لجان تحقق او حكومة تحمي وتحاسب.