مجتمعات ما بعد الذكاء!
عائشة سلطان
مجتمعات ما بعد الذكاء!
لا أعلم إن كانت جملة «مدن ما بعد الذكاء الاصطناعي»، تصلح أن تكون مصطلحاً نبني عليه بعض الأفكار في ما يخص السلوك الإنساني المعاصر في مجتمعات اليوم، التي تجاوزت مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة، فمجتمعات اليوم أقرب شيء إلى أن تكون مجتمعات فائقة الذكاء، مجتمعات لا يتحرك الإنسان فيها ليتلقى خدمة معينة، أو يتصرف تصرفاً ما خلال يومه، إلا بحضور التقنية!
الهاتف الذكي هو الصديق الدائم الحضور في يوميات الإنسان المعاصر، لأنه الجهاز الذي يقود ويوجه ويحقق 99 % من طلباته في أقل من ساعة، فإذا سألت نفسك، مثلاً، كم كانت تستغرق منك عملية التسوق التقليدية سابقاً؟ ستفاجأ أنك كنت تقضي النهار بكامله!
اليوم: الطعام له تطبيق يوفر ما لذ وطاب من مطاعم ومقاهي المدينة، البقالة أصبحت أسهل عبر الهاتف، دفع كافة الفواتير، شراء تذاكر السفر، حجز الفنادق، التخطيط للإجازة، متابعة الأبناء، شراء الكتب، مقابلة الأصدقاء، طلب سيارة الأجرة، حجز شركات التنظيف، شراء تذاكر زيارة المتاحف والمسارح والقصور التاريخية في البلاد التي ستزورها.... وآلاف الخدمات التي يوفرها هذا الجهاز الصغير، الذي لا يغادر يدك!
وبالرغم من أن الإنسانية تتفاوت في اعتمادها على التقنية بحسب المستوى الاقتصادي، ومستوى اهتمام الحكومات بترقية الخدمات الحكومية وآليات تقديمها للمواطن، حيث إن الغاية لا تنحصر في إدارة شؤون الفرد الحياتية باستخدام التقنية، بقدر ما تستلزم سعي الحكومات لتقديم الخدمات الحكومية بأكثر الأساليب سرعة وتوفيراً للوقت، وإلا فنحن أمام توظيف مفرط للتقنية، من أجل خدمة السوق ونظام الاستهلاك لا أكثر!
من هنا، فقد عملت الحكومات الذكية على ربط الفرد بكافة المؤسسات الخدمية عبر تطبيقات سريعة وذكية جداً، سهلت عليه الحصول على كافة الخدمات في مدة لا تتجاوز نصف الساعة: استخراج رخصة القيادة، تجديد جواز السفر، عبور بوابات المطار، الحصول على خدمات المحاكم، البلدية، المرور والشرطة، الضمان الاجتماعي..، ما يعني أننا في عمق مُدن ما بعد الذكاء الاصطناعي في الحقيقة!