الاميرة هيام زوجة ولي العهد الامير عبد الاله الناجية الوحيدة من مجزرة قصر الرحاب
الاميرة هيام زوجة ولي العهد الامير عبد الاله الناجية الوحيدة من مجزرة قصر الرحاب
سيف الدين الدوري
في رسالة المحامي شاكر جميل بخطه وتوقيعه بعثها الى الاستاذ والمؤرخ العميد خليل ابراهيم الزوبعي معاون المرحوم رفعت الحاج سري مدير الاستخبارات العراقية يتحدث فيها عن مصير الاميرة هيام الناجية الوحيدة من مجزرة قصر الرحاب فيتحدث المحامي شاكر جميل عن دوره في إنقاذها من الموت ، ولوضع حد للروايات والاشاعات التي قيلت بهذا الخصوص ، فيقول :أبين للناس وللتاريخ ما يأتي:
في صبيحة يوم الاثنين الموافق 14 تموز 1958 استيقظتُ على صوت إطلاقات نارية ورشقات الرشاشة ، وعلى صيحات مذيع لم نألف صوته من قبل ،كان ينبعث من جهاز الراديو وهو يبشر بقيام الثورة المباركة ويدعو الجماهير الى التوجه نحو قصر الرحاب للقضاء على الدكتاتورية والفوضى والفساد.
وبدافع خفي هرعتُ مع شقيقي بسيارتي الى حي الحارثية في الجهة المقابلة لقصر الرحاب، وفي مكان ما وقفنا كبقية المتفرجين نشاهد مجريات الحصار العسكري الذي كان مضروباً على القصر الملكي والساكنين فيه. وبعد حوالي نصف ساعة من القصف المدفعي ورشقات الرشاشة شاهدنا من العسكريين يساعدون جريحاً وهم يغادرون القصر بإتجاه الشارع العام ، وعلى الرصيف راح احدهم ينادي على سيارة لنقل المصاب الى المستشفى ، ولكن دون جدوى، فقد كان الشارع خالياً من المشاة والسيارات وكانت حركة السير قد توقفت تماماً. وتكررت صيحات الاستعانة وطلب النجدة ، ولما لم يكن هناك من مجيب توجهتُ بسيارتي نحوهم، وتحت وابل من الرصاص صعد الشخص المصاب ، وكانت إمرأة تحت حراسة إثنين من العرفاء بكامل سلاحهما ولباسهما الميداني وجلسوا ثلاثتهم في الحوض الخلفي وجلس الى جانبي شقيقي وقد تخلف العسكري الثالث وهو برتبة نقيب عن مصاحبتنا بعد أن طلب منا إيصال الجريحة الى اقرب مستشفى وموافاته بالنتيجة.
إنطلقتُ بسيارتي اقودها بسرعة فائقة قاصداً مستشفى الكرخ وكانت حينذاك على مقربة من البوابة الرئيسة لمعسكر الوشاش ( حاليا متنزه الزوراء. ) ضاق الطريق وكاد السير ينعدم بسبب الحشود البشرية التي كانت متوجهة نحو قصر الرحاب . وفي واحدة من هذه الحشود كانت الجماهير تحيط بسيارة (فان) ويتدافع الناس من حولها لمشاهدة ما بداخلها، ولدى معرفتي سبب ذلك غادرتُ سيارتي وشقيتُ طريقي نحو تلك السيارة بصعوبة بالغة واذا بي وجهاً لوجه أمام جثتي الملك والوصي وهما ما زالا بملابسهما. عدتُ ثانية الى سيارتي وإستأنفتُ السير نحو المستشفى التي كانت ابوابها ما زالت مغلقة ولم تكن مستعدة لاستقبال المرضى ولا الحالات الطارئة مما اضطرني للذهاب الى مستشفى الشعب ( مير الياس سابقا) وتوجهنا نحو جسر الصرافية الحديدي الذي وجدناه مقفلاً بوجه السيارات بسبب الكتل البشرية الهائلة التي كانت تروم العبور من جانب الرصافة والاعظمية نحو الكرخ في طريقها الى قصر الرحاب، وسرنا وكأننا بسيارة اسعاف نلوح بأيدينا تارة وبمنبه السيارة تارة اخرى لافساح الطريق امامنا حتى تمكنا من اجتياز الجسر بشق الانفس.. وفيما نحن نقترب من المستشفى تعرضنا الى هجمات كلامية وتهديدات أطلقها علينا نفر من المواطنين الغاضبين والمتحمسين للثورة..
بعد أن تعرّف هذا النفر على هوية الجريحة وشخصيتها انها ( هيام ) زوجة الوصي. يا لهول المفاجأة كادت الجماهير تطبق علينا وتمزقنا شر تمزق ولولا الحماية العسكرية التي كانت معنا في السيارة وإطلاقها الرصاص في الهواء لاصبحنا في خبر كان.
لقد كان الموقف رهيباً يهدد حياتنا بخطر الاموت بابشع صورة خصوصاً بعد أن شاهدنا وعرفنا الطريقة التي مات عليها كل من الوصي ، فكان الافلات من هذا الطوق الذي احاط بسيارتي يعتمد على الشجاعة والثبات وعلى شيء من حسن التصرف فانطلقتُ سريعاً بالسيارة نحو الشارع المؤدي الى مقبرة الاتراك ثم غيرتُ مساري يمينا وشمالاً داخل الشوارع الفرعية الضيقة حتى تمكنتُ من دخول المستشفى من الجهة المعاكسة.
عرضت على الطبيب الخفر أمر معالجة المصابة وبينتث له انها كانت واقفة مع جمهور المتفرجين في الحارثية واصيبت برصاصة طائشة ، ولم اقل له كونها من سكنة القصر الملكي ، فقرر الطبيب بعد فحصها إبقاءها في المستشفى تحت المعالجة والمشاهدة المستمرة وخصصت لها غرفة بإحدى الردهات فتركناها في المستشفى تحت اسم مستعار هو اسم( سعاد نافع)
عدتُ بالعريفين الى قصر الرحاب بعد دعوتهما وتناولهما طعام الغداء في داري الكائنة بالمنصور.؟
رجعتُ الى المستشفى وحدي لمواصلة المهمة فدخلتُ غرفتها وكانت نصف نائمة فإنتبهت لمجيئي وباردرتني بكلمة شكر ودعاء فأجبتها بأن ما قمتث به ما هو الا واجب إنساني وأنا مستعد لكل مساعدة ، فقالت أنا دخيلك، ويظهر عليك ابن حلال فارجوك ساعدني على الخروج من المستشفى فحياتي الان في خطر وكل ما ارجوه منك الان ان تذهب الى بيت صديقتي (ن) في محلة البتاوين وستدلك على بيت اهلي في محلة السعدون وتخبرهم بقصتي ، ثم تدبروا الامر فيما بينكم لاخراجي من المستشفى.
فبأقل من نصف ساعة وصلتُ دار صديقتها (ن) في البتاوين ثم إنتقلنا الى دار اهل( هيام) فوجدنا والدتها وهي تهم بمغادرة المنزل بسيارتها مع سائقها فاستوقفتها واخبرتها بقصة ابنتها هيام وكيف تمّ نقلها من القصر الى المستشفى بأمان، وطلبتُ منها ان ترافقنا الى المستشفى لاخراج ابنتها، ثم توجهنا جميعاً الى المستشفى كل بسيارته، وعلى بعد بضعة امتار منها تركت سيارتي خارجا وانتقلتُ الى سيارتهم فدخلنا معاً ثم طلبتُ من ام هيام ان تعطيني عباءتها وتبقى داخل السيارة واستصحبتُ معي (ن) الى غرفة هيام والقيتُ عليها العباءة لتلبسها ولتنتظرني مع صديقتها (ن) في الغرفة ريثما استكمل الاجراءات اللازمة لاخراجها . ثم ذهبتُ الى إدارة المستشفى وبينتُ للطبيب الخفر بأن المريضة سعاد نافع تريد مغادرة المستشفى فلم يوافق في باديء الامر على الطلب الا انه وبعد الحاح مني وافق بشرط أن تكون مغادرتها علاى مسؤوليتنا فكنتُ عند المسؤولية الانسانية وغادرت هيام المستشفى بسلام وأمان وهي ما زالت حية ترزق ومعافاة حتى كتابة هذه السطور في 15/1/1980
المحامي شاكر جميل
معلوماتي انها توجهت الى الاردن وبقيت ضيفا على عائلة العاهل الاردني الملك حسين رحمه الله حتى وفاتها.