وما أدراك ما تفعل الوحدة؟
عائشة سلطان
وما أدراك ما تفعل الوحدة؟
هل تتخيلون الوحدة؟ هل تعرفون كيف هي؟ ما شكلها؟ وقع صوتها؟ رائحتها؟ ما تخلفه في المكان الذي تحتله وتجثم عليه؟ هل لديكم أدنى فكرة عن الطريقة التي تتسلل بها هذه (الوحدة) إلينا، وتندس في تفاصيلنا ومن ثم تحكم الخناق على حياتنا؟
قد تكون معرفة البعض بالوحدة مجرد قراءات طالعها على شبكة الإنترنت، وربما وقعت بين يديه روايات تتحدث عن الوحدة أجاد كتابها التعبير عن هذا المأزق الوجودي أو الحياتي الذي يعاني منه الكثيرون في الحياة، وأحياناً حولنا دون أن يشعر أحد بمعاناتهم، فالروائي الإسباني خوان خوسيه مياس مثلاً كتب عنها عملاً روائياً بديعاً بعنوان (هكذا كانت الوحدة)، والحق أنه من أعمق الأعمال الروائية التي تناولت موضوع الوحدة وتأثيراته على الفرد، وتحديداً عندما يجد الإنسان نفسه بلا أصدقاء وبلا أهل وبلا علاقات حقيقية، فيعيش توتراً عاطفياً مع من حوله؛ يدفعه لتصرفات غاية في الغرابة لكسر الرتابة وجذب الانتباه والشعور بالقيمة أو الأهمية، كما هي حالة بطلة رواية خوسيه مياس!
ومثل بطلة الرواية، كانت السيدة اليابانية هيروكو هاتاجامي، التي ألقت الشرطة القبض عليها بتهمة إشغال وعرقلة خطوط الإسعاف المحلية لأسباب زائفة؛ حيث رصدت أجهزة الشرطة قرابة 2761 اتصالاً بموظفي الإسعاف لطلب الإنقاذ بادعاء أنها تعاني آلاماً في ساقيها أو في معدتها لتناولها جرعات أدوية زائدة، وعند وصول المسعفين إلى منزلها، ترفض فتح الباب، بحجة أنها تخاف من سيارة الإسعاف!
في مركز الشرطة، اعترفت السيدة الخمسينية أنها تعيش وحيدة، بلا رفقة، كما أنها عاطلة عن العمل منذ سنين، وأنها بحاجة ماسة للحديث والشكوى والاستئناس بأحد تفضفض له وتشكو مما تعانيه، لذلك لم تجد أمامها سوى هذه الطريقة لجذب الاهتمام للخروج من مستنقع الوحدة الذي تغرق فيه!
من كان منكم قريباً لشخص يعيش وحيداً، أو يعرف صديقاً أو جاراً يسكن وحده، فليمد إليه صوته ويده ليحدثه، ليطرق بابه، فالوحدة وحش لا يمكن العيش معه في نفس المكان.