حين تُعلن بريطانيا عن حاجتها لجواسيس روس
منذ 3 ساعات
مثنى عبد الله
حجم الخط
0
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d9%8f%d8%b9%d9%84%d9%86-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%b9%d9%86-%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%b3-%d8%b1%2F&title=%D8%AD%D9%8A%D9%86 %D8%AA%D9%8F%D8%B9%D9%84%D9%86 %D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7 %D8%B9%D9%86 %D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%87%D8%A7 %D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%B3 %D8%B1%D9%88%D8%B3][/url]
في ظهور علني مُقرر لمرة واحدة في السنة لرئيس جهاز المخابرات البريطانية، ومن مقر سفارة بلاده في براغ. وجّه ريتشارد مور الرئيس الحالي للجهاز المعروف بأسم (إم آي 6) الأسبوع الماضي خطابا تحدث فيه عن الوضع في روسيا والحرب على أوكرانيا، والذكاء الاصطناعي، ومواضيع أخرى مهمة، لكن ما جلب الانتباه في خطابه هو دعوته المواطنين الروس للتطوع كجواسيس لدى جهازه. مشجّعا إياهم (إلى فعل ما فعله آخرون خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية) حسب قوله، ومؤكدا أن حماية الجواسيس (مُقدّسة) لديه، وأن تجنيدهم سيتم (بتكتم ومهنية). فما هي الظروف المحيطة بهذه التصريحات؟
تاريخيا هنالك حرب سرية بين المخابرات البريطانية والمخابرات الروسية، سواء في عهد الاتحاد السوفييتي السابق أو ما بعده. كانت فيها اختراقات متبادلة كلا في ساحة الآخر. ولعل من أشهرها تلك التي فعلتها المخابرات السوفييتية (كي جي بي) في الساحة البريطانية، حيث تمكنت من الوصول إلى أماكن حساسة جدا في الكيان السياسي والتشريعي البريطاني، كما أن آخر نجاحات جهاز المخابرات الروسية الحالي، كان حصولهم على معلومة تفيد، بأن بريطانيا تعد العُدة لإرسال مجموعة مسلحة خاصة للمساعدة بإطاحة الرئيس السوري، فما كان من روسيا إلا أن أرسلت قواتها إلى سوريا وأفشلت الخطة البريطانية، حسبما صرّح به رئيس جهاز المخابرات السابق.
يقابل ذلك قيام المخابرات البريطانية بتجنيد عملاء مهمين في الساحة الروسية، انتهى الامر ببعضهم قتلا بالسُم على الأراضي البريطانية. قيل إن جهاز المخابرات الروسي تمكن من الوصول إليهم، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن أهم بضاعة تُصدّرها المملكة المتحدة، إلى أوروبا والولايات المتحدة وحلفائهما في العالم هي المعلومة الاستخباراتية، تتضح لنا أهمية أن تُعلن المخابرات البريطانية عن انتصارات، سواء كانت حقيقية، أم وهمية في الساحة الروسية، خاصة في ظل ظروف الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية، كي تعزز من قيمة بضاعتها وتجعلها مطلوبة لدى الآخرين، أيضا هنالك خلفية لخطاب رئيس جهاز المخابرات البريطانية ريتشارد مور، وهي أنه في بداية الشهر الجاري حصل اجتماع في بريطانيا بينه وبين نظيره مدير المخابرات الأمريكية «سي آي أيه» وتحدث هذا الاخير بعد الاجتماع قائلا، إن هنالك فرصة ذهبية قد تحققت للولايات المتحدة ولأجهزتها الاستخباراتية في تجنيد العديد من القيادات المخابراتية والأمنية الروسية، وبذلك تقع تصريحات ريتشارد مور في السياق نفسه، كي يقول هو أيضا بأن المخابرات البريطانية قد فعلت الشيء نفسه ونجحت فيه. وهنا لا بد من القول بأن هذه التصريحات هي عبارة عن رسائل مباشرة إلى الجمهور الغربي وغير الغربي، خاصة إلى المواطنين الروس والأوكرانيين، كما أنها محاولة واضحة لاستغلال بعض الفجوات التي سببتها سلسلة من الأحداث في روسيا. فعلى سبيل المثال، العملية العسكرية لم تتطور كما كان يريدها بوتين، أولا، وثانيا، التمرد الذي أعلنه رئيس مجموعة فاغنر، وبهذا يمكن القول بأن ريتشارد مور يحاول استغلال نقاط ضعف بوتين التي سببتها هاتان النقطتان. طبعا لا أحد يمكنه الجزم تحديدا بعدد الأشخاص الذين يتجسسون، أو يحاولون استغلال النظام الداخلي الروسي لصالح الأمريكيين والبريطانيين، لكن الحقيقة هي أنه يجري استغلال هذا الوضع بما يخدم مصالح الاستخبارات الغربية، وهذا أمر منطقي حيث تنشط أجهزة المخابرات في ظروف كهذه. كما يبدو أنها عملية مبرمجة ومركزية من قبل المخابرات البريطانية والأمريكية، إلى التعاطي مباشرة مع العملاء الروس، خاصة في القيادات الأمنية والعسكرية، من أجل ترجمة هذه الفوضى التي تحدث عنها ريتشارد مور، إلى فعل يصب في خدمة العمل العسكري الجاري على الأرض الأوكرانية. وهذا جزء لا يتجزأ من حملة أمنية وعسكرية. - اقتباس :
- الحرب لا تكون فقط في ميدان المعركة، بل أيضا في فبركة المعلومات، وأحيانا تكون على المستوى نفسه من الأهمية
واليوم وبعد مرور عام ونصف العام تقريبا على الحرب الدائرة في أوكرانيا، يمكن القول بأن أجهزة المخابرات الغربية، لعبت دورا أساسيا في الديناميات السياسية والعسكرية الراهنة للحرب الروسية الأوكرانية، وأن هذا الدور قد تعزز أكثر خاصة بالنسبة للأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والبريطانية، فهاتان الأخيرتان هما اليوم أكثر انخراطا في تقديم الدعم الاستخباراتي لكييف، ناهيك عن ضلوع واشنطن ولندن في تنفيذ خطط هدفت في الأساس إلى زعزعة النظام السياسي الروسي، وهذا يتطلب القيام بعلميات تجنيد واسعة في الداخل، فهم يعتقدون أن فوضى الحرب في أوكرانيا، تسللت إلى البُنى السياسية في روسيا، وهذا يعطي الاستخبارات الغربية فرصة كبيرة لتجنيد مواطنين خاب أملهم من الحرب، كما أوضح ذلك ريتشارد مور، كما أن أجهزة الاستخبارات الغربية بشكل عام، والبريطانية بشكل خاص، بات لديها بصمة واضحة في تفعيل جهوزية الجيش والأجهزة الأمنية الأوكرانية، من خلال توظيف المعلومة الاستخباراتية حول الانشطة الروسية المتوقعة في أوكرانيا. لكن على البعض أن لا يتوهم بأن كل ما تتحدث به أجهزة الاستخبارات هو مؤكد، ربما هم يكونون قد وظفوا عددا من الاشخاص كجواسيس لهم، لكنهم يصورون الأمور بطريقة فاقعة ومثيرة، لأن ذلك جزء من الحرب النفسية، أو حرب المعلومات المظللة، فالحرب لا تكون فقط في ميدان المعركة، بل أيضا في فبركة المعلومات، وأحيانا تكون على المستوى نفسه من الأهمية.
ما يجدر الانتباه إليه هو أن هذه التصريحات الصادرة عن قمة الهرم الأمني في واشنطن ولندن، قد أتت بعد تمرد زعيم قوات فاغنر، ما يعطي انطباعا بأنهما قد فكرا بأن هناك نقاط ضعف في محيط الرئيس الروسي، وحان وقت التأثير في هذه النقاط واستغلالها، لكن يبدو أن هنالك مبالغة وتضخيما لنقاط الضعف هذه، والرهان عليها يمكن أن يكون خاطئا. فمحاولة إضعاف بوتين ليست دائما مُراهنة صائبة، كما تظن واشنطن ولندن، فقد تأتي قوى متشددة أكثر إلى قمة الهرم السياسي الروسي، ومؤيدة لهذه المواجهة بشكل أكبر، كما أن التهويل بالمعلومات الاستخباراتية ليس بالضرورة معناه أنهم قادرون على شق الصف الروسي، فعلى الرغم من كل الحملات الإعلامية الغربية لمحاولة دق أسفين بين الرأي العام الروسي وقيادته السياسية، فإنها لحد الآن فشلت. طبعا هنالك خلافات داخل الجهاز الأمني والجهاز العسكري الروسي في ما يخص الحرب، لكن ليس هناك تأثير محسوس على الكيان السياسي الروسي.
أخيرا، يبدو أن رئيس جهاز المخابرات البريطانية ريتشارد مور، يحاول أن يُضفي مسحة أخلاقية عالية النبرة على طبيعة النظام السياسي البريطاني حين يقول، (إن هناك العديد من الروس الذين خاب أملهم وأصيبوا بالذهول لرؤية قواتهم المسلحة تُدمّر المدن الأوكرانية، وتطرد العائلات من منازلها، وتخطف آلاف الأطفال.. إنهم يشاهدون في رعب، جنودهم وهم يدمرون بلدا). السؤال هو، وماذا بشأن القوات المسلحة البريطانية التي دمرت المدن في العراق وأفغانستان، وطردت العائلات من منازلها وقتلت الأبرياء بحجج واهية وأكاذيب مفتعلة؟ هل مرّ ريشارد مور، باعتباره مواطنا بريطانيا، بالشعور نفسه الذي يتحدث عنه لدى المواطن الروسي؟ هل خاب ظنه هو أيضا وأصابه الرعب، من جرائم القوات المسلحة البريطانية في العراق وأفغانستان؟ هل خالطه شعور بأن عليه أن يعمل كجاسوس ضد بلاده، كما يدعو اليوم المواطنين الروس إلى فعل ذلك؟ أم أن المعايير الأوروبية مختلفة هنا، ما بين شعوب شرق أوسطية وشعوب أوروبية؟كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية