التحشيد الأميركي العسكري رؤيا وتحليل
د. وائل القيسي
التحشيد الأميركي العسكري رؤيا وتحليل
ان ما يجري من تحشيد عسكري أميركي في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في الخليج العربي والشرق السوري، ينطوي على مضامين متعددة ومختلفة في آن واحد معا ، وقبل الخوض في هذه المضامين، لا بد من تذكير الناس بالسياسة التي درج عليها أغلب الرؤساء الأميركان في العقود الأخيرة خاصة، وهي أن أي رئيس أميركي، من كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي، غالبا ما يلجأ إلى القيام بعمل دعائي كبير في نهاية حقبته الرئاسية ليحقق مكاسب انتخابية له ولحزبه.
_ الرئيس الأسود باراك أوباما ، قام في نهاية حقبته الرئاسية بعملية عسكرية، ادعى من خلالها، قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، فجر الإثنين 14 جمادى الأولى الموافق 2 مايو 2011 في ( أبوة آباد) الواقعة على بعد 120 كم عن إسلام أباد في باكستان، في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفذها الجيش الأمريكي، واستغرقت 40 دقيقة، وقد تابعها أوباما وفريقه الخاص عبر الأقمار الصناعية في مكتبه البيضاوي ، مع العرض أن أميركا لم تقدم أو تعرض ما يؤكد مقتله، كعرض جثته مثلا.
_ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن عن مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو بكر البغدادي في عملية عسكرية أمريكية شمالي سوريا بأطراف مدينة( إدلب) في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ولم تعرض جثته أيضا.
_ أما الرئيس الأميركي الحالي جوزيف بايدن فهو يحث الخطى ايضا، للقيام بعملية يتم التحشيد لها عبر بربوغاندا كبيرة، من خلال تجييش الجيوش والبوارج والغواصات وحاملات الطائرات والجنود، تسندها حملات إعلامية مبهمة وغير معروفة، خصوصا أنه مقبل على مغادرة البيت الأبيض قريبا، وهو بحاجة ماسة لنصر مزعوم، إعلاميا على الأقل، لذلك يجد الناس صعوبة بالغة في تفسير ظهور قوافل وأرتال القوات الأميركية بكل مكان في العراق، وكذلك في الخليج العربي، وشرق سوريا.
أما المضامين التي ينطوي عليها هذا التكثيف والتحشيد العسكري الأميركي، الذي اختلفت الآراء والتكهنات للساسة والمحللين حوله، فهي لا تخرج عن كونها اجتهادات تخمينية احيانا، وبالونات اختبار لجس النبض احيانا أخرى ، وتتوزع بين رأي يتوقع القيام بهجوم عسكري على إيران يتناغم مع رغبة إسرائيلية بذلك، وبين رأي يعتقد بوجود رغبة أميركية لتغيير نظام الحكم في العراق والقضاء على الميليشيات المسلحة التي تتحكم بالمشهد العراقي واقعيا وفعليا، ورأي ثالث يتوقع الضغط على روسيا في الشمال السوري وكذلك محاولة تقليم أظافر التمدد الإيراني نحو سوريا ولبنان بعد ان ابتلعت العراق ، والعمل على إيجاد منطقة عازلة، لتحجيم التواجد العسكري الروسي وإنهاء دور الميليشيات هناك، والخوض في هذا الرأي صعب ومعقد جدا، نتيجة لتداخل الأمور بين وجود مفاعيل متعددة ومختلفة على الأرض، وهذه المفاعيل هي روسية_أمريكية_تركية_إيرانية بالإضافة إلى وجود أدوات يصعب السيطرة عليها، كالميليشيات التابعة لإيران، وميليشيا قسد وال PKK وغيرها.
والأخطر من هذا كله هو وجود داعش التي تطل برأسها بين الفينة والأخرى، رغم الادعاء بالقضاء عليها، ومما لا شك فيه أنها ستكون الشماعة التي ترتكز عليها أو تحاول أن تستثمرها بطريقة أو بأخرى جميع تلك المفاعيل الماسكة للأرض، بين المنطقة الممتدة من شرق الفرات السوري وحتى غرب الفرات العراقي، وربما ستظهر داعش أخرى، أخطر وأصلب وأكثر إجراما من داعش الأم، مثلما ظهرت داعش على أنقاض تنظيم القاعدة، حسب حاجة ومصلحة هذه المفاعيل سواء اكانت منفردة او مجتمعة.
وهنا سيعمل الجميع على الانتفاع والاستثمار في هذا الوضع المعقد، لكن هذه المرة ربما ستفلت الأمور، وان من يبدؤها لا يملك قرار إنهائها.
إن أميركا وكل دول العالم ذات الميول الاستعمارية، هي ليست منظمات او جمعيات خيرية، ولا تعنيها مصلحة الشعوب مطلقا، وأن ما يجري في أفريقيا الآن من تكالب محموم للسيطرة عليها ونهب ثرواتها هو خير دليل حي ومعاصر على سيادة المصالح على حساب القيم والمبادئ الإنسانية.
وهناك نقطة جوهرية لا بد من استيعابها عاجلا ليس آجلا، وقبل فوات الأوان، من قبل الشعب العراقي وقواه وأحزابه وشخصياته الوطنية وأحرار ثورة تشرين الذين يؤمنون بقضية العراق، ويناضلون من أجل تخليص وطنهم العراق العظيم مما هو فيه ، عليهم أن يعرفوا بلا مواربة، ودون تأتأة، وبعيدا عن التنظير والبيانات الرنانة، إن عالم الأمس واليوم ومستقبلا هو عالم قائم على المصالح أولا وثانيا وعاشرا، أما السلام والديموقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان وحقوق تقرير المصير فهي مجرد ضحك على ذقون الأغبياء من قبل أميركا والغرب وما يسمى بالعالم المتقدم.
إن أميركا وكل العالم الاستعماري سوف لن تتعامل مع دعاة السلام والفكر وحقوق الإنسان المجردين من القوة، بل تتعامل وتتحالف مع القوى التي لديها قوة على الأرض، حتى لو كانت مجرمة وفاسدة، لأنها ستكون الأقدر على تلبية مصالح المستعمر بحكم امتلاكها للقوة والنفوذ والسيطرة.
أما دعاة الحوار وحقوق الإنسان والقيم الإنسانية سيشربون ماء البحر.
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾
[ الأنفال: 60]