المُتَداوَل عن خيمةِ سفوان
الدكتور رعد البيدر
المُتَداوَل عن خيمةِ سفوان
إطلالات ...مُغالطات... تَصحيحات
استاءَ العراقيون مِما شاهَدوه ، و مِما سمَعوه ، و مما قَرأوه في الأيام القَليلة الماضية بِسَبب كُثرة المُحاورات والمُناظرات التلفازية – التي يَعلو فيها ( ضَجيج و صراخ ) الباطل على صَوت الحَق ، وتكاثرَت فيها المَنشورات( المَكسوَّة ) بالجَهالَة والبُهتان( المُتعَريان )عن الحُجج المُقنعِة والتاريخية و العلمية الصائبة ، المُشخَّصَة بتفريغ شحنات الأحقاد عِبرَ وسائل التواصل الاجتماعي .
من بين ما اطَّلَعتُ عليهِ في أزمة الحدود العراقية – الكويتية التي اتَّسَعَ الحَديثُ عنها في الأيام القَليلة الماضية - مقالاً للسيد " صفوة فاهم كامل " سَبقَ أن قرأتهُ قبل أربع سنوات من موقع الحوار المُتمَدِن - العدد 6309 في 3 آب 2019 . المقال مُصاغ بحرفية كتابية واضحة و بترابط منطقي و أسلوب إقناعي بديع و بمشاعر انتماء عراقي أصيل.
أُعيدَ تداول المقال هذا الشهر على أثر مطالبات التمَدُد الكويتي لقَضم أراضي ومياه عراقية . أوضحَ الكاتب في مقالهِ - أنه استمعَ إلى محاضرة في عَمّان القاها الخبير القانوني " هاشم الشبلي " الذي شَغلَ و استقالَ من منصب وزير العدل في حكومة عراقية سابقة عام 2007 .
القى المُحاضر باللائمة على نتائج محادثات خيمة سفوان التي حدثت التي جَرَّت يوم 3 آذار 1991 – مُشيراً إلى عدد من القرارات القاسية التي قد أتُخِذَّت ضد العراق على طاولة (التفاوض) – منها: ترسيم الحدود ، نزع أسلحة الدمار الشامل ، دفع تعويضات مالية ، وغيرها من القرارات المُجحِفَة ( التي وافق عليها العراق مُرغمًا لا بطـــــل ) ... وفق مَزاعِم المُحاضر.
يبدو أن ملامة " الأستاذ هاشم الشبلي " لنتائج محادثات سفوان قد استندت على ما أُذيعَ من إذاعة "مونتي كارلو" حين أعلنَ مُراسلها الحربي آنذاك ( السعودي ) عبد الله الشهري ( أجير) تلك الإذاعة المعادية و الموجهة - تقريره الصوتي المُشَبَّع بالافتراء و المُبالَغة الإعلامية ؛ لمغالطة و إيهام المُتابع العربي و الأجنبي - حينَ تَجَّنى بالقول :
(( انتهت قبل قليل في مدينة سفوان الحدودية العراقية مفاوضات وقف اطلاق النار بين قوات التحالف و وفد الحكومة العراقية ، وتَمَخَّضَ عنها عدد من القرارات المُلزمة على العراق ، فيما كان أعضاء الوفد العراقي يُصغون إليها وهم مُخفِقون، ولم يردّوا على تلك القرارات سوى بكلمة نعم ... ثمَّ نعم ... ثمَّ نعم ...! وانتهى الاجتماع وغادر الوفدان الخيمة ...! ))
وفقاً لما استنتجناهُ من مشاعر السطور الأولى لمقال السيد " صفوة فاهم كامل " عن المحاضرة - الذي كَظَمَ غَيضَهُ عَمَّا سَمِع َمن المحاضر ، لكنه لم يعفو عنه ، وانتظر بكياسة المُثقف المُدرِك لحقيقة ما جرى . ولكونهِ يُجيد التَهَّذُب و اسلوب المناقشة المَنطقية ... فقد انتظرَ حتى حانت فترة الأسئلة والأستفسارات ؛ فأثار تساؤلاته مُلَمِحاً ( بانحراف ) المحاضر عن جادة الصواب ؛ إذ استندَ على ( مغالطات ) و تجاهُل وغَفَلَ الحقائق ، موكداً وجود ما يُدحضُ ادعاء المحاضر من قِبَل قائدين (خصمين ) اشتركا في القتال و المحادثات ، وكَتبَ كلٍ منهما ما حدثَ و ما جرى منذ دخول الخيمة حتى مغادرتها ، ولم يختلفا إلا بجزئيات وشكليات بسيطة ذات بُعد ( أمني ) تتعلق بفترة تواجد المفاوضين العراقيين في داخل الخيمة - ذكرها الفريق خالد بن سلطان قائد القوات المشتركة و مسرح العمليات في كتابه " مقاتل من الصحراء " وتَكبَر عليها و تجاوزها الفريق الركن الفريق الركن صلاح عبود في الفصل الثامن من كتابه " أم المعارك حرب الخليج عام 1991 الحقيقة على الأرض " كونها جُزئية ( عديمة الأهمية ) لا ترتبط ولا تؤثر على سير و نتائج محادثات خيمة سفوان .
احتَكَمَ المُعتَرض السيد " صفوة فاهم كامل " على المُحاضر باستشارة مُعايش للواقعة و قائد من كبار قادة الجيش العراقي ، فقام بزيارة الفريق الركن البطل صلاح عبود محمود في منزله بالعاصمة الأردنية عمان ، وبيَّنَ له ما حصل في المحاضرة ، وما أختُلِفَ عليه مع المحاضر حول ما حصل في خيمة سفوان ، و وجه له دعوة للحضور صباح يوم 16 تموز2019 في نفس مكان المحاضرة السابقة " مجلس الثلاثاء الثقافي الأسبوعي المُلتئم " في صالون دار " الأستاذ الدكتور شوقي ناجي الساعاتي" بعمان ؛ للاحتكام بوجوده لتصحيح و توضيح ما حصل فعلاً ... فوعَدَهُ خيراً ؛ وحضر الفريق الركن صلاح عبود إلى المكان المُتفق عليه ، بوجود حضور غير قليل من العسكرين و المدنيين .
قبل الشروع بالمحاضرة وزعَ الفريق الركن صلاح نُسَخ من محضر مباحثات الخيمة على الحاضرين ... ثُمَ ألقى مُحاضرة الضَليع المُتَمَرِس بفن التدَّرُج في بناء التصورات ، مُركزاً على تتابُع ما جرى في خيمة سفوان بتعاقُبهِ الحَدثي و الزمني ؛ فكان حضوره ربيعاً - فَصَلَ فيه بَرد الشتاء عن قَيظ الصيف بحُجج دامغة ، وحقائق مُثبَّتة على صفحات كتاب ، و من ذاكرته المُتوَّقِدة بالفِطنة و التصور... و بمصداقية المعهودة بدقة تدوين المذكرات اليومية ، وفق ما عُرِف عنه في أوساط الجيش العراقي . يُقال بانَ المعروف لا يُعَّرَف ؛ لذا لَن اتطرق الى السيرة الذاتية للبطل الفريق الركن صلاح عبود محمود قائد الفيلق الثالث في الحرب العراقية – الإيرانية ، و مُنازلة أم لمعارك ( حرب الخليج الثانية ) 1991 ؛ وأكتفي بوصفهِ سارية عالية و راية خفاقة من المؤسسة العسكرية العراقية قبل احتلال العراق ، يَجمَعُ بين الاقتدارين الأكاديمي و القيادي بتوازنٍ لا اختِلالَ فيه . وبما أن المُحاضر رجل قانون فيُفتَرضُ أن يَعلمَ علم اليقين بأنَ الوفد المُكلف بأيةِ ( مفاوضات ) ذات بُعد دولي له حدود من الصلاحية يتصرف ضمن مساحتها، وخطوط يتوقف عندها ولا يتخطاها، مع مرونة نسبية لخفض سقف المطالب وفقاً لمهاراته ( التفاوضية ) لضمان تجنب تعثر ( المفاوضات ) وقد يستفيد رئيس الوفد (التفاوضي ) من مشورة خبراء الاختصاص المرافقين له ؛ فما بالك إذا كان رئيس الوفد مُختصاً ؟
دورة العلاقات بين الدول هي : سلام ، تأزم ، مفاوضات - الدور فيها للدبلوماسي . فأن نجحت الدبلوماسية بنزع فتيل الانفجار ... عادت حالة السلام ، وبخلافة سيعلن احد الأطراف الحرب على الآخر ، وسيتنحى الدبلوماسي و يقتحم الجندي بإرادة سياسية ... حتى يقنع المتحاربون بوقف إطلاق النار بصيغٍ ( تحاور) يُدرها قادة عسكر لوضع ضوابط تنظم الكَف عن القتال ؛ فينسحب الجندي عن ميادين القتال ، ويتجدد دور الدبلوماسي على طاولة التفاوض لتصفية آثار الحرب ... وصولاً إلى سلام جديد ... قد يمتد ، وقد ينهار .
تكامُلاً مع الفقرة السابقة ففي المفاوضات الدولية ذات المستوى الحساس قد تطلبت نهاية المفاوضات المُصادقة و التواقيع على ما يتم الاتفاق عليه فالضرورة تستوجب ان يكون بحوزة رئيس الوفد التفاوضي تخويل تحريري موَّقَع من قبل اعلى سلطه في الدولة، وفق القوانين و الأعراف الدولية ، وهذا لم يحصل لعدم وجود محضر مكتوب آنياً . وكل ما نُشِرَ لاحقاً عن محادثات خيمة سفوان لا يتعدى كونهِ تبادل مطالب شفوية مُوثقة بتسجيل صوتي ، نُقِلَت من اشرطة التسجيل إلى نصوص مكتوبة ، وفق ما تبَيَّن لاحقا بموجب ما مُثبَّت في كُتُب ( خصمين ) رئيسيين من أطراف المحادثات و تسجيل مصوَّر ( فديوي ) لرئيس الوفد العراقي المرحوم الفريق الركن البطل سلطان هاشم احمد الطائي معاون رئيس أركان للعمليات ( آنذاك )... الفريق الأول الركن رئيس أركان الجيش ... ثُمَ آخر وزيراً للدفاع – قبل الاحتلال .
جعلَ الله مأواه في الفردوس الأعلى . الفيديو مُتاح على الرابط التالي :
https://www.youtube.com/watch?v=gLFWGbHjtus
لم تكن محادثات سفوان أكثر من اتفاقات مبدأيه لتفعيل الموافقة على قرار وقف اطلاق النار بين من يمثل طرفي الحرب وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم (686) الصادر يوم 2 آذار 1991 ؛ فهي ليست بصيغة معاهدةُ ڤرساي أو « معاهدةُ السلامِ – التي استمرَّت ستةَ أشهرٍ في أعقاب الحرب العالمية الأولى بينَ الحلفاءِ من جانب وبينَ ألمانيا والدول المتحالفة معها من جانب آخر. ومن ناحية أخرى فأنها لا تقترب من ، ولا تتشابه مع استسلام اليابان في 2 أيلول 1945 ، على متن السفينة يو إس إس ميسوري – كما يُحاول أن يُظهرها ( خُبَثاء ) النوايا .
أختَتِمُ بتذكير و سؤال مُتعدِد المطالب لا أبحثُ له عن جواب – إذا كان " عبد الله الشهري" مُراسل إذاعة مونتي كارلو قد تقصَّدَ بالإساءة الإعلامية بتقريره الصوتي في نهاية محادثات خيمة سفوان ذات البُعد العسكري ؛ فهل تقصَّدَ " الأستاذ الشبلي " بإثارة ما يُضعِفُ دور الوفد العراقي الذي حضر للتباحث - عندما القى محاضرته في عَمَّان ؟ و لمصلحة مَن تلك الإشارة المُبصِرة بعينٍ واحدة ؟ وهل ما زال "الاستاذ الشبلي" مُصِّراً على تقصير الوفد العسكري العراقي الذي حضرَ و تناقشَ مع الغُرباء و ( الأشقاء ) الأعداء ... بعد ما نافَ عن ( 32 ) عاماً ؟ أمْ أعترفَ بخطئهِ ؟ كان ومازال وسيبقى الاعترافُ بالخطأ فضيلة كُبرى ، وليس ( لَويَّة ) ذِراع.
لا أنسبُ المقولة لنفسي" لَيسَ للكَذِبِ أرجُل ... لكنَّ للحقيقة أجنحة " و لا اعرِفُ مَن قالها .
تضمَّن المقال تكرار مفردتي ( المفاوضات ، المحادثات ) بقصد و ليس اعتباطاً ؛ سيفهما ذوي الألباب بعلمهم ، و سيساوي بينهما ذوي الجهالة .
سأعودُ لكُم من جديد ؛ لأُطلِعَكُم على المَزيد... بإذن الله – إذا تطلبت الضرورة ذلك .