اتهامات تركية للولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٣٣
الدكتور عبدالعزيز المفتي
اتهامات تركية للولايات المتحدة الأمريكية عام 1993
تمت مناقشة تمديد قوة المطرقة المتأهبة، بعد إنقضاء ستة اشهر على وجودها في الأراضي التركية في الثاني من شباط عام 1993(1 )، وفي هذا المجال، أكد المعارضة التركية في المجلس الوطني التركي الكبير (البرلمان) أن الحكومة التركية انتهكت الدستور عندما فتحت قاعدة "انجرلك" الجوية في شرق تركيا بدون تفويض برلماني، وجعلت من تركيا طرفاً في هجمات الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق(2 ). وفيها اتهم "شوكت قازان" نائب رئيس حزب الرفاه و"الصديق" للعراق والرئيس صدام حسين أن تركيا كانت خادمة لأمريكا "بسماحها للطائرات الأمريكية بضرب الشعب العراقي وبغداد من قاعدتها في انجرلك... وأن القصف الأخير لبغداد في (17) كانون الثاني 1993 كان يستهدف اجتماع (450) أكاديمياً مسلماً من ستين بلداً في فندق الرشيد"( 3). الأمر الذي جعل من اتهام شوكت قازان لرموز الحركة التركية صدور ردود فعل شديدة ليس فقط من الحزبين المؤتلفين الحاكمين، بل من نواب حزب الوطن الأم الذين وقعوا على طلب التصويت بالثقة. وفي هذا المجال قال "تونج بيلغيت" من حزب الطريق الصحيح" أنه "إذا اتهمت تركيا بانها خادمة الأمريكان فإن أحداً ما ربما يتهم بأنه خادم لصدام وخادم للمال"، مشيراً إلى علاقات حزب الرفاه الطيبة مع بغداد( 4). وهو ما أجبر (شوكت قازان) إلى تصحيح كلماته بقوله، أنه كان يعني الحكومة، إلا أن رد الفعل لم يتوقف، وقال رئيس الوزراء "سليمان ديمرئل" أن على "شوكت قازان" أن يخجل من مقعده الذي هو بفضل تركيا الحاضرة، وأنه لم تكن هناك حكومة تركية لا في الماضي ولا في الحاضر خادمة لأمريكا... وفي هذا المجال لا بد من التأكيد على عدم مشاركة أي طائرة من قاعدة انجرلك في قصف بغداد"( 5). وقال سليمان ديمرئل( 6). أنه بين منتصف كانون الأول ومنتصف كانون الثاني اقفل الرادار العراقي المضاد للطائرات أو أضاء على طائرات قوة (توفير الراحة – المطرقة)، إحدى وعشرون مرة وتم الرد عليها أحد عشرة مرة فقط، وقال سليمان ديمرئل: "أن السلوك العراقي يعمل على إنهاء قدرة الردع لقوة التحالف، وأن الحكومة التركية لم تنتهك الدستور بتطبيقها الصلاحية من قبل البرلمان التركي...
أن فتح النار على اولئك الذين كانوا يعدّون لفتح النار عليك هو دفاع عن النفس، وهذا منصوص عليه في الترخيص البرلماني الممنوح لتمديد مدة بقاء القوة، ولا يحتاج إلى موافقة إضافية من البرلمان أو الحكومة التركية، لقد طلبنا منهم عدم تجاوز حدود الدفاع عن النفس، وقد أنجزت الطائرات واجباتها( 7).
ومن جانب آخر، اشار سليمان ديمرئل في كلمته أمام المجلس الوطني التركي الكبير بأن الحكومة الائتلافية التركية من حزبي "الطريق الصحيح والشعبي الديمقراطي الاجتماعي" لم تكن هي الداعية للقوة الدولية، بل حكومة حزب الوطن الأم هي التي فعلت ذلك لتجنب هجرة كوردية أخرى إلى البلاد/تركيا بسبب هجمات الجيش العراقي على اكراد كوردستان العراق... أن قرار حكومة حزب الوطن الأم كان صحيحاً، وأن الظروف التي أدت إلى إتخاذ ولا زال العراق يشكل تهديداً للأكراد والتركمان والعرب في كوردستان العراق القرار لا زالت قائمة، الذين هم أشقاء الشعب التركي"(8 ). وأضاف سليمان ديمرئل قائلاً: "أن وحدة وحرمة أراضي العراق مهمة وأن أي تقسيم للعراق سيسبب مشاكل كبرى في المنطقة... ان حلاً مطلقاً للمشكلة الكوردية في كوردستان يمكن إيجاده إذا واصل العراق السلام مع المجموعة الدولية ومع شعبه... لا تركيا ولا أي بلاد أخرى تريد رؤية حرب خليجية ثانية"( 9).
وافق المجلس الوطني التركي الكبير البرلمان في جلسته التي عقدها في الرابع والعشرين من حزيران عام 1993 على قرار تجديد مدة بقاء قوة المطرقة المتأهبة في تركيا لمرحلة جديدة رابعة تستغرق ستة أشهر أخرى تنتهي في أواخر شهر كانون الأول 1993، إذ صوت لصالح القرار حزبا الائتلاف الحاكم: حزب الطريق الصحيح والحزب الشعبي الديمقراطي الاجتماعي، ناهيك عن حزب العمل الشعبي الكوردي والمستقلين من مجموعة الرئيس الراحل "توركت اوزال" الذين استقالوا من حزب الوطن الأم( 10). وفي هذا المجال، رغبت "تانسو تشيللر" رئيسة الوزراء التركي في أواخر حزيران عام 1993م على إتمام التصويت قبل اعلان تشكيل الحكومة وذلك من أجل ضمان اكبر عدد ممكن من نواب حزبها لتأييد التمديد( 11)، وقد أوضح (اربكان) أن التصويت على تمديد بقاء قوة المطرقة في السابق كان قليلاً، أما الآن فقد لوحظت زيادة في التصويت وكذلك توسع الجبهة الرافضة للتمديد والمتمثلة في حزب الرفاء وبعض نواب حزب "الطريق الصحيح"، ونواب الحزب الشعبي الديمقراطي الاجتماعي والأحزاب المعارضة الأخرى( 12).
أعلن حزب الرفاه معارضته الواضحة لبقاء قوة المطرقة، وطالب بإنهاء وجودها متهماً إياها بأنها السبب في عدم الاستقرار في المنطقة( 13)، وقد اتخذ الموقف نفسه الحزب اليساري الديمقراطي إذ أكد رئيسه "بولند أجويد"، أن هذه القوات خلقت فراغاً في السلطة في جنوب شرق تركيا، وأن تجديد بقائها سيعني إنتحاراً لتركيا وتنفيذاً لرغبات الولايات المتحدة وليس رغبات الشعب التركي( 14). وفي نهاية المناقشات، تم التصويت على تجديد بقاء قوة المطرقة للمرة الخامسة ولمدة ستة أشهر أخرى، تنتهي في نهاية حزيران 1994، إذ صوت (196) نائب من مجموع (446) نائبا لصالح التجديد، فيما عارضه (160) نائباً، وتغيب (87) نائباً عن التصويت( 15). هذا ويلاحظ على مناقشات المجلس الوطني التركي الكبير، أن هناك أصواتاً رافضة لبقاء قوة المطرقة المتأهبة، بدليل أن عدداً لا يستهان به من نواب حزب الطريق الصحيح والحزب الشيوعي الديمقراطي الاجتماعي قد تغيّبوا عن التصويت والذي بلغ عددهم سبعة وعشرين نائباً، وعدد أقل منهم صوتوا ضد قرار التجديد والبالغ عددهم أحد عشر نائباً. وحقيقة الأمر أن أعضاء المجلس الوطني التركي الكبير لا يستطيعون التصرف خلافاً لما يطلبه رؤساء احزابهم، ومن جانب آخر يقول "ماهر كيناك" المستشار السابق لجهاز المخابرات التركي، "أن كثيراً من نواب المجلس هم ضد بقاء قوة المطرقة ويؤيدون طردها، إلا أنه وفي كل مرة يمدد مدة بقائها، وكأن هناك قوة خفية تتدخل في هذا الموضوع"( 16)!!
---------------------
( 1) صحيفة الصباح التركية الصادرة في 3 شباط 1993.
( 2) صحيفة الجمهورية البغدادية الصادرة في 4 آذار 1993.
( 3) شارك شوكت قـازان نفسـهُ فـي المؤتمر الإسلامي الشعبي الذي عقد في بغداد في المدة بين (15 – 17 كانون الثاني) 1993م .. وقد جرح شوكت قازان نتيجة لتناثر الزجاج من جراء القصف الأمريكي لأهداف قرب فندق الرشيد. أنظر: صحيفة الأهرام القاهرية الصادرة في 18كانون الثاني 1993.
( 4) صحيفة الأهرام القاهرية الصادرة في 22 كانون الثاني 1993م.
( 5) سالار أوسي، المصدر السابق، ص40.
(6 ) سليمان ديمرئل: ولد في قرية إسلام كوي عام 1924م. درس الهندسة وعمل مديراً لهيئة المياه التابعة للدولة. في عام 1964م انتخب زعيماً لحزب العدالة خلفاً للجنرال جومو سيالا. وفي عام 1965 شكل سليمان ديمرئل وزارة من أعضاء حزبه، وجدد انتخابه عام 1969م. استقالت وزارته عام 1970م إثر تصويت مجلس النواب ضد مشروع الميزانية، وتلا ذلك اضطرابات قادت إلى انقلاب عسكري عام 1971م. وفي عام 1977 عاد سليمان ديمرئل وشكل حكومة بعد حكومة بولند اجويد. وفي عام 1980 أطاح انقلاب عسكري بالحكم المدني وأبعد ديمرئل من كل مناصبه السياسية. وفي عام 1993 أسس ديمرئل حزب الطريق الصحيح. وبعد وفاة توركت أوزال انتخب ديمرئل رئيساً للجمهورية. تعرض الرئيس إلى محاولة اغتيال عام 1996م. الموسوعة الحرة.
( 7) وزارة الخارجية العراقية، 20 كانون الثاني، 1993.
(8 ) صحيفة ملليت التركية الصادرة في 21 حزيران، 1993.
( 9) كان سليمان ديمرئل يقصد حرب الكويت عام 1991. انظر: صحيفة الثورة البغدادية الصادرة في 22 حزيران 1993.
( 10) صحيفة الثورة البغدادية الصادرة في 25 حزيران 1993.
( 11) صحيفة التآخي الكوردية الصادرة في 26 حزيران 1993.
( 12) حديث السيد حسام الدين جندورك رئيس المجلس الوطني التركي الكبير في 28 حزيران 1993.
( 13) تمت مناقشة تجديد مدة بقاء قوة المطرقة المتأهبة في 29 كانون الأول 1993 في المجلس الوطني التركي الكبير وتحدث في الاجتماع حكمت جتين وزير الخارجية التركي السابق، مؤكداً تبني وجهة نظر الحكومة في التصويت إيجاباً لصالح التجديد، إذ قدم بعض التبريرات في هذا المجال، منها أن غياب تلك القوات قد يؤدي إلى نزوح كردي آخر في كوردستان العراق إلى كوردستان تركيا، كما حدث في نيسان 1991، وأن مثل هذا النزوح قد يخلق فوضى ومن شأنه أن يؤدي إلى زيادة في قوة حزب العمل الكوردستاني، أما فيما يخص الحزبين الحاكمين (حزب الطريق الصحيح والحزب الشعبي الديمقراطي الاجتماعي) فقد تبنيا التصويت لصالح تجديد بقاء "قوة المطرقة"، وفي هذا المجال أفاد ممثل حزب الطريق الصحيح أن وجهات نظر حزبه في تبني التجديد تستند إلى أن الاستقرار الذي تأمله تركيا لم يتحقق بعد لذلك فإن الحزب يدعو لتجديد بقاء تلك القوات من أجل تعزيز الأمن على الأرواح والممتلكات للأهالي في كوردستان العراق. انظر: صحيفة الصباح التركية الصادرة في 30 كانون الأول عام 1993م.
( 14) وزارة الخارجية العراقية، شؤون الدول المجاورة العدد 23/2/8/431 في 27/1/1993.
( 15) وزارة الخارجية العراقية، شؤون الدول المجاورة العدد 23/2/8/431 في 25/1/1994م.
( 16) أحمد نوري النعيمي، المصدر السابق، ص317.