حادثة استشهاد المرحوم فريق أول ركن طيار عدنان خير الله طلفاح وزير الدفاع الأسبق
د.حناني ميا
حادثة استشهاد المرحوم فريق أول ركن طيار عدنان خير الله طلفاح وزير الدفاع الأسبق
كلنا نعرف بان وسائل الاعلام اختلفت فيها القصص حول حادث سقوط طائرة السيد وزير الدفاع العراقي الفريق الاول الطيار الركن عدنان خير الله طلفاح رحمه الله وكثرت التكهنات بصدده ولكن المقال أدناه يؤكد الحقيقة كما هي ويبدد كل الشائعات حوله .
بسم الله الرحمن الرحيم
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )-( صدق الله العظيم )
* لقد ترددت كثيرا قبل أن ابدأ بكتابة هذا الموضوع حول حادثة استشهاد المرحوم وزير الدفاع ولكني وجدت من المناسب أن اكشف الحقيقة كما هي لقربي من الحادثة ولكوني كنت في ذلك اليوم ضابط خفر ديوان وزارة الدفاع والذي صادف أخر يوم من شهر رمضان المبارك والمصادف يوم الجمعة 5/5/1989 , لذا تقتضي الأمانة التاريخية والوظيفية والمسؤولية الأخلاقية أن أوضح الحقيقة كما عرفتها ليطلع عليها العراقيون والعرب والعالم اجمع على هذه الحادثة بكل أمانة وصدق وكل ما سيأتي ذكره قد شاهدته بعيني وسمعته بأذني والله على ما أقول شهيد .
* بالساعة 1600 ( الرابعة عصرا ) من يوم الجمعة المصادف 5/5/1989 اتصل بي المرافق الشخصي للسيد وزير الدفاع الملازم ( ه. ع . ط ) من مطار المثنى الموجود فيه السرب الخاص للسيد وزير الدفاع والواقع في العاصمة بغداد من جانب الكرخ والذي كان سابقا مطار بغداد الدولي والذي أصبح لاحقا مطار خاص لرئاسة الجمهورية واخبرني وقال لي (سيدي إن طائرة السيد الوزير قد تأخرت عن الوصول إلى مطار المثنى عن الموعد المحدد لوصولها بحدود ثلاث ساعات تقريبا ) حيث وصلت الطائرتان السمتيتان المرافقة لسيادته إلى المطار واخبرني قائدا الطائرتين بان السيد الوزير قد أمرهم بالعودة إلى بغداد من المنطقة الشمالية ( انشكي ) حيث كان متواجد هناك وقال لهم سوف الحق بكم بعد ساعتين إلا انه قد تأخر عن الوصول أكثر من ثلاث ساعات واني لا اعرف سبب هذا التأخير علما بأنني قد اتصلت بمنطقة انشكي واخبروني بان السيد الوزير قد اقلع بطائرته قبل أكثر من ثلاث ساعات فأرجو منك سيدي الاتصال والتحري عن مصير الطائرة وسوف اتصل بك لاحقا .
*انشكي :- مصيف يقع في المنطقة الشمالية بين مصيفي سرسنك وسو لاف تابعة إلى قضاء العمادية وإداريا إلى محافظة دهوك حيث يوجد في هذا المصيف دار استراحة للسيد الوزير ومهبط للطائرات السمتية وكذلك توجد فيها مغارة كبيرة استعملت في حركات الشمال كمستشفى ميداني للبشمركة .
* اتصلت شخصيا بقاطع الدفاع الجوي الرابع المسئول عن تامين طيران الطائرات في المنطقة الشمالية وقاعدتي
( صدام . وفرناس ) الجويتين وقد اخبروني بعدم توفر أي معلومات عن طائرة السيد الوزير , اتصلت بالمرافق وأخبرته بعدم توفر أي معلومات عن الطائرة من قبل القاطع والقاعدتين المذكورتين أعلاه فقال لي إنني قادم إلى ديوان الوزارة .
*في هذا الوقت رفع أذان المغرب والإفطار فتناولت كوبا من الشوربة ولم أتناول أي شيء غيره كوني كنت قلقا جدا على مصير السيد الوزير , وفي هذه الأثناء وصل مرافق السيد الوزير وبرفقته بعض رجال حماية السيد الوزير وكانت حالته النفسية قلقة جدا ولا يعرف أي معلومة تخص السيد الوزير هل هو على قيد الحياة أم ماذا ؟
* عاودت الاتصال بآمر قاعدة فرناس الجوية العميد الطيار ( ف . س . ح ) وآمر جناح السمتيات المقدم الطيار ( أ . ع)
وطلبت منهما التحري عن مصير طائرة السيد وزير الدفاع وتزويدي بالمعلومات التي يحصلون عليها إضافة لذلك اتصلت بمستشفى اربيل والموصل العسكري وكان جوابهما بعدم معرفتهم أي معلومة عن الموضوع . كنا ننتظر أي معلومات عن مصير طائرة السيد الوزير وطاقمها المؤلف من ستة أشخاص وهم ( السيد الوزير/ اثنين من الطيارين/ فني / مصور / مراسل )
*بالساعة 2210 ( العاشرة وعشرة دقائق مساءا ) دق جرس الهاتف وإذا بالمقدم الطيار ( ا . ع ) اخبرني بان السيد وزير الدفاع قد استشهد وقال لي سيدي البقاء في حياتكم فأجبته البقاء لله ووضعت سماعة الهاتف وبكيت فقال لي مرافق السيد الوزير والذي كان متواجد في غرفتي ( ها سيدي توفى السيد الوزير ) فأجبته (نعم) فاخذ يبكي مع أفراد الحماية وغادروا المكان . اتصلت على الفور بأمين السر العام لوزارة الدفاع اللواء الركن ناطق داود الجبوري وضباط ركن الديوان جميعا وطلبت منهم الالتحاق فورا فالتحقوا جميعا .
* في هذا الوقت عرض تلفزيون بغداد فلما عن زيارة السيد رئيس الجمهورية وعائلته والسيد وزير الدفاع والسيد حسين كامل للمنطقة الشمالية ولم يتطرق تلفزيون بغداد عن ذكر أي شيء عن حادثة السيد الوزير لعدم معرفتهم أي معلومة وبعد مشاهدتنا هذا الفلم الخاص بالزيارة وعرضه على شاشة التلفزيون استنتجت بان ديوان الرئاسة لا يملك أي معلومات عن حادثة استشهاد السيد الوزير وطلبت من أمين السر العام لوزارة الدفاع أن يتصل بديوان الرئاسة وتبليغهم بالحادثة وبالفعل اتصل السيد أمين السر بأحد مرافقي السيد الرئيس الرائد (شبيب سليمان المجيد) والذي كان خفر في ديوان الرئاسة لذلك اليوم وابلغه بالحادثة وقد كان جواب مرافق الرئيس (بعدم معرفته بالحادثة وسوف يخبر السيد الرئيس بذلك فورا) .
*بالساعة 0300 ( الثالثة فجرا ) من يوم 6/5/1989 المصادف أول أيام عيد الفطر المبارك اخبرني أمين السر العام (بان اذهب أنا ومعي احد ضباط ركن الديوان العميد الركن ( ب . ك ) إلى مستشفى ابن سينا الواقعة داخل القصر الجمهوري لاستقبال جثمان السيد الوزير) نفذت الأمر ووصلنا إلى استعلامات القصر الجمهوري والتقينا مع أفراد حرس الباب النظامي للقصر وتحدثت معهم عن سبب مجيئي لمستشفى ابن سينا ودخولي إليها لاستقبال جثمان السيد وزير الدفاع في هذا الوقت وصلت مجموعة سيارات مسرعة باتجاه الباب النظامي للقصر الجمهوري وقال احد حرس الباب انه موكب السيد الرئيس فدخلت سيارات المرسيدس والتي يقدر عددها بحدود من ( 15 – 20 ) سيارة وعليها أثار غبار وأتربة يدل على إنها جاءت من منطقة فيها عواصف ترابية .
دخلنا إلى المستشفى وجلسنا ننتظر وبعد مضي حوالي ( 5) دقائق وصلت سيارة مرسيدس ( ستيشن ) للساحة الخلفية للمستشفى وفي داخلها جثمان السيد الوزير ولم يجري إطفاء محرك السيارة لغرض استمرار تشغيل جهاز التبريد فيها .
*نحن أول المستقبلين للجثمان بعد ذلك حضر الأطباء والسيد فاضل البراك ومعهم أشخاص لا اعرفهم وقفوا بجانبنا .
وفي الساعة 0430 ( الرابعة والنصف فجرا ) وصل السيد الرئيس صدام حسين ومعه السيد حسين كامل وبعض الأطباء من الباب الرئيسي للمستشفى متوجها إلى السيارة التي تحمل جثمان السيد الوزير وقد توجه السيد الرئيس إلى الباب الخلفي للسيارة التي تحمل الجثمان وفتحه بيده وكان الجثمان ملفوفا بشرشف ابيض وقد حاول السيد الرئيس رفع الشرشف عن الجثمان فلم يتمكن وأمر حمايته بإنزال الجثمان على نقالة وعند وضع الجثمان على الأرض اخذ السيد لرئيس سكينا من احد مرافقيه وشق الشرشف ليظهر وجه السيد الوزير وكان وجهه اصفر وعليه أثار غبار وشعر رأسه مرتب وعلى رقبته أثار دم وكأنه نائم . انحنى السيد الرئيس وقبل رأس ويد السيد الوزير وأجهش في البكاء وبكى من كان حاضرا وشاهد هذا الموقف . وأثناء هذا الموقف تقدم السيد حسين كامل من السيد الرئيس وامسك به وسحبه للخلف واعتدل سيادته ومسح دموعه وقال( مخ اطبا الأطباء ما العمل) فأجابه احدهم (سيدي نذهب بالجثمان للطب العدلي في مدينة الطب) فقال السيد الرئيس (فلنتوكل على الله) .
*انطلق موكب السيد الرئيس ومن معه ومعهم الجثمان إلى مدينة الطب بحيث وصلوا إلى الباب الخلفي لمدينة الطب وكان الباب مغلقا ولا يوجد احد من منتسبي مدينة الطب . كنا واقفين بحدود (10)أمتار من السيد الرئيس ومعه السيد حسين كامل وقسم من المرافقين وفي هذه اللحظات جاءني احدهم وقد أرسله السيد الرئيس وقال لي (إن السيد الرئيس يقول فليذهب الضباط إلى دائرتهم) وقد أدينا التحية العسكرية وانصرفنا باتجاه سيارتنا وبعد لحظات جاءنا نفس الشخص وقال إن السيد الرئيس يقول ( خلي يجي الضباط ) علما بان السيد الرئيس وحسين كامل قد توجها باتجاه الباب الخلفي لمدينة الطب . وصلنا قرب السيد الرئيس وادينا التحية العسكرية وقال أهلا ثم قال لي (ماذا عملتم بخصوص التشييع) فأجبته( سيدي تم تبليغ المراسيم والانضباط العسكري وكل شيء جاهز إلا إن هناك شيء لم نعرفه) فقال (ما هو) فأجبته (سيدي وقت ال تشييع) فقال(اتصلوا بالسكرتير وهو يخبركم بوقت التشييع) . بعدها أرسل على مرافقيه ارشد ياسين وشبيب سليمان المجيد وفاضل البراك وأمرهم بالبقاء مع الجثمان لحين إتمام عملية تثبيت أسباب الوفاة من قبل أخصائي الطب العدلي ومن ثم غادر السيد الرئيس مع السيد حسين كامل بسيارته المرسيدس والتي كان يقودها . بعد ذلك غادرنا المكان وذهبنا إلى مقر ديوان وزارة الدفاع . وفي اليوم التالي وهو اليوم الأول من أيام عيد الفطر استيقظ الناس على سماعهم آيات قرآنية من الإذاعة والتلفزيون ولم يعرفوا ما سبب هذا البث وفي الساعة الثامنة صباحا أذيع في نشرة الإخبار (خبر استشهاد المرحوم وزير الدفاع) .
بعد ذلك أعلنت وسائل الإعلام نعي السيد رئيس الجمهورية صدام حسين على العراقيين وكان (مضمون النعي)
( هوى احد النجوم المتلألئة في سمائكم أيها العراقيون انه الفريق أول الركن الطيار عدنان خير الله وزير الدفاع عندما كان بزيارة تفقدية للمنطقة الشمالية حيث قامت ثلاث طائرات سمتيه بالإقلاع من المنطقة الشمالية إلى بغداد وصلت اثنتان منها وكبت طائرة الوزير بسبب عاصفة هوجاء أدت إلى تحطمها واستشهاد الوزير ومن معه ) كان هذاهو (مضمون النعي) إلا انه ليس صحيحا كما ذكر في النعي والذي لم يصل الخبر اليقين بالشكل الصحيح كما ذكرت أنفا ولم نعرف من هو الذي أوصل الخبر إلى السيد الرئيس بهذا الشكل والمضمون .
شيع جثمان المرحوم وزير الدفاع تشييع رسمي وكان على رأس المشيعين السيد الرئيس صدام حسين وأعضاء القيادتين القومية والقطرية ولقيادة العامة للقوات المسلحة والهيئات الدبلوماسية العربية والأجنبية وكبار رجال الدولة من المدنيين والعسكريين وقد خرج الناس في بغداد على جانبي الطريق المؤدي قرب الجندي المجهول باتجاه مطار المثنى والى مثواه الأخير في مدينة تكريت حيث دفن هناك وقد امن جثمانه ونقل رفاته الطاهر بعد فترة إلى ساحة نصب الشهيد في مكان لائق بمكانته ....
*لقد حزن ضباط ومراتب وزارة الدفاع حزنا شديدا على هذا المصاب الجلل الذي فقد فيه رجل من خيرة الرجال الشجعان الذي يتسم بالشجاعة والإقدام والأخلاق الرفيعة العالية الإنسان المتواضع الكريم العادل الهادئ الذكي المحبوب من قبل كل من يعرفه وسمع به رحمه الله واسكنه فسيح جناته .
* شكلت هيئة تحقيقيه بالحادثة من قبل السيد الرئيس صدام حسين من اختصاصيين لهذا الغرض وقد ذهبت الهيئة إلى مكان الحادثة قرب مدينة (الكوير ) التابعة لمحافظة نينوى وبعد استطلاع المكان وشهادة الشهود ومن له علاقة تم التوصل إلى الحقائق التالية :-
1. أقلعت ثلاث طائرات سمتيه نوع (ST) أمريكية الصنع من مطار المثنى بتشكيل بقيادة وزير الدفاع متوجه إلى المنطقة الشمالية (انشكي ) وقد وصل التشكيل إلى المنطقة المذكورة والنزول فيها بسلام .
2. بعد مضي ساعات عدة أمر السيد الوزير الطائرتين المرافقتين له بالعودة إلى مطار المثنى وابلغهم (بأنه سوف يلحق بهم بعد ساعتين) وقد وصلتا الطائرتين إلى مطار المثنى بسلام .
3. إن سرعة الريح السطحي في منطقة الحادثة عالية جدا بحدود (20-25 )عقدة وهنالك تحذير جوي بمنع الطيران بسبب العواصف الترابية حيث كان مدى الرؤيا صفر ولم ترى الغيوم بسبب العاصفة الترابية .
4. اضطرت طائرة السيد الوزير بالنزول اضطراريا بسبب رداءة الجو وقد شوهد بيت شعر لأحد الرعاة الذي نزل عنده
وقد استقبله راعي الغنم وبقي في ضيافة الراعي أكثر من ساعة ونصف الساعة .
5. بعد أن شعر السيد الوزير بتحسن الجو قرر الإقلاع بعد أن تم توديعه من قبل راعي الغنم حيث أقلعت الطائرة وبعد
دقائق قليلة تردى الجو بسرعة مما اضطر قائد الطائرة بالرجوع إلى نفس المكان الذي غادره قبل قليل . في هذه الأثناء
*سمع راعي الغنم دوي قوي إلا انه لم يشاهد شيء بسبب العاصفة الترابية . وبعد انقشاع التراب شاهد الراعي الطائرة التي أقلعت قبل قليل مصطدمة بالأرض فأسرع هو ومن معه من أهل بيته لإنقاذ طاقم الطائرة وقد شاهد أربعة من الطاقم وقد توفوا واثنان منهم لا يزالا على قيد الحياة فأسرع بإسعافهم ونقلهم بسيارته (بيك أب ) إلى مستشفى الموصل العسكري إلا انه قد توفى احدهم في الطريق المؤدي إلى المستشفى وهو (ن.ض. مصور عاصم ) وقد وصل الأخر وهو (ج . م . عزيز ججو ) على قيد الحياة .
هذه هي الحقيقة أردت إيضاحها لكم وللأجيال القادمة فابرأ البريء والله من وراء القصد )
صقر من أبناء الرافدين
5/5/2009
بحث واعداد
حناني ميا
ميونيخ / المانيا