بين تروتسکي والخميني
نزار جاف
بين تروتسکي والخميني
ليس أي شئ کالفکر والمعتقد من حيث تأثيره على الانسان وتغيير طباعه والخط والمسار العام لحياته، ولکن ليس کل فکر وکل معتقد، إذ أن هناك ثمة ملاحظة مهمة وهي إن الافکار والمعتقدات تتطلب قدرا کبيرا من قوة الاقناع ولفت النظر إليها، وذلك مايتجلى دائما فيما تقدمه هذه الافکار والمعتقدات للإنسان وتعينه في الحياة التي يعيشها لمرة واحدة.
الاديان کأقدم المعتقدات التي تعرف عليها الانسان ولجأ إليها بدافع وحشة الطبيعة وقسوة الحياة وصعوبتها ولاسيما بعد أن طرحت حياة أبدية سواء کنعيم أو کشقاء وعذاب، وکلاهما کانا جنبا الى جنب بمثابة حافزين مهمين لجر أقدام الانسان لعالم الاديان طمعا أو رهبا، والافکار الانسانية أو کما يصفها المتدينون بالافکار الوضعية، هي الاخرى وبعد التطور الذي حصل في الحضارات القديمة ووصولا الى عصر النهضة کان لها قسط کبير الى جانب الاديان من حيث التأثير على الانسان.
الاديان وإن تم نشر أهمها بالقوة وتم فرضها على الامم والشعوب المختلفة، لکن الفکر بصورة عامة، لم يتم فرضه بالاکراه، بل إن الانسان کان مخيرا فيه وليس مجبرا، فالذي ينحدر من أبوين يعتنقان أي دين سيکون بالضرورة القهرية على دينهما أو على دين أحدهما إن کانا من دينين مختلفين، لکن الانسان عندما يطلع على فکر معين ويٶخذ به فإنه يٶمن به تلقائيا وبقناعة من أعماقه ولاسيما إن کان هذا الفکر واقعيا ويرى الانسان فيه خيرا وفائدة لنفسه أو للبشرية.
الفکر الشيوعي، والذي يمکن القول بأنه أکبر إنجاز إنساني قبالة المعتقد الديني أو حتى الافکار المتداعية عن المعتقدات الدينية، وهنا لسنا نبجل الفکر الشيوعي وإنما نلفت النظر الى قوة إنتشاره وصيرورته"خلال القرن العشرين" غولا يهدد ليس الاديان فقط بل وحتى الفکر الليبرالي والدول التي تٶمن بهذا الفکر، إذ أن الشيوعية توغلت بقوة وإندفاع بين صفوف معظم الامم المعتنقة للأديان کما توغلت أيضا في البلدان الليبرالية، وهاهو الرئيس الامريکي أيزنهاور في عام 1957، وبعد الانسحاب البريطاني من البلدان العربية يلجأ الى طرح مبدئه الخاص من أجل تحصين هذه البلدان ضد الشيوعية والحرص على عدم إنتشارها.
بيد إن الخطر والتهديد الشيوعي لم يقف عند هذا الحد ولاسيما بعد أن أصبحت معظم الدول التي حررها الجيش الاحمر من النازيين أبان الحرب العالمية الثانية شيوعية بالاکراه ورغما عنها، بل إن الفکر الشيوعي ومن خلال نظرية"الثورة الدائمة"لأحد أقطاب الثورة البلشفية"ليون تروتسکي"، قد دعا الى ضرورة أن تتجاوز الثورة البلشفية التي أسقطت الحکم القيصري في روسيا عام 1917، حدود روسيا الى أنحاء العالم حتى تصبح هناك ثورة عالمية تضع البشرية کلها في السلة الشيوعية.
قبل الثورة البلشفية، کانت الثورة الفرنسية(1789 و1799)، التي إقتصرت على فرنسا ولم تکن تأثيراتها على العالم بالقوة وإنما بالاقتناع والايمان بنبل وسمو الافکار التي دعت إليها، ولکن الثورة الايرانية عام 1979، وبعد أن طغت عليها الصبغة الدينية، إرتفعت الاصوات عاليا للعمل من أجل تصدير الثورة وليس إستمرارها لتشمل العالم کله کما دعى تروتسکي، وتصدير الثورة الذي يمکن القول بأن الخميني هو من نادى وأسس له وحتى إن ترکيزه على العراق وإصراره على تجاهل مساعي نظام حزب البعث من أجل التعاون والتنسيق خصوصا وإن العراق کان من أوائل البلدان التي هنأت الخميني بإنتصار الثورة، خير مثال على ذلك.
تصدير الثورة ليس کنظرية الثورة الدائمة وإن کان کلاهما في الاساس خطين ونهجين تخريبيين غير بنائين، إذ أن الثانية کانت علنية وتسعى للعمل بصورة مکشوفة وليس على طريقة الاولى المتسمة بالاسلوب التمويهي والتآمري البحت، وثمة ملاحظة مهمة جدا الابد من أخذها بنظر الاعتبار والاهمية البالغة، وهي إن نظرية الثورة الدائمة وإن کانت تهدف في النهاية الى بناء مجتمعات شيوعية کالتي في روسيا(الاتحاد السوفياتي سابقا)، بمعنى إنها ستستقر في نهاية المطاف لکن في مبدأ تصدير الثورة فإن الامر يختلف، إذ يسعى الخمينيون الى إبقاء المناطق التي تتأثر بطروحتهم غير مستقرة وفي حالة توتر مستمر وحتى مصدر عدم إستقرار للبلدان المجاورة لها کما نجد في العراق ولبنان واليمن وسوريا خير أمثلة على ذلك.
وبطبيعة الحال فإن إبقاء عدم الاستقرار في هذه البلدان وکذلك السعي لنقلها الى بلدان أخرى ليس عملا إعتباطيا بل إنه ناجم عن تحريف مثير في واحد من أهم رکائز المعتقد الشيعي بخصوص التمهيد لظهور الامام الثاني عشر(المهدي المنتظر)، إذ کما جاء عن عبدالله أبن عمر أن النبي "ص" قال: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا "، وقد ساد ويسود في الاوساط الحاکمة في إيران وکذلك بين أتباعهم في البلدان الخاضعة لنفوذهم تصور زرعه الخمينيون مفاده إن العمل على إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في العالم من شأنه أن يعجل بظهور (الامام المهدي)، مع إن معظم الاحاديث الورادة لاتدعو الى إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار فالاسلام دين حضارة ومدنية ويحث على السلام والامن والاستقرار وحتى إن سورة "إيلاف" خير مثال على ذلك إذ جاء فيها(لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف)، وقطعا فإن المعتقد الشيعي برئ براءة الذئب من دم يوسف من هذا الذي فعله ويفعله الخمينيون.
ملاحظة أخيرة؛ کما إن الشيوعية التي فرضت بالقوة من قبل ستالين على العديد من البلدان الاوربية قد تبخر تأثيرها مع تفكك الاتحاد الاتحاد السوفياتي وقبله ذوبان وتلاشي نظرية الثورة الدائمة لعدم واقعيتها، فإن مبدأ تصدير الثورة المزعوم ومايهدف إليه سيمضي الى زوال ولاأدري هنا هل إن زواله سيکون قبل أم بعد سقوط النظام الايراني؟!