ما لا يعرفه العراقيون عن "هيئة رعاية الخالدين"
ما لا يعرفه العراقيون عن "هيئة رعاية الخالدين"
مصطفى كامل: وجهات نظر:ونحن نستعيد ذكرى يوم الشهيد العراقي الخالد، ربما هناك الكثير مما لا يعرفه العراقيون والعرب عن اهتمام ورعاية اسر وذوي الشهداء الخالدين، يرحمهم الله، وسنعرض اليوم لواحدة من أوجه الرعاية تلك.
فمع بداية السنة الاولى من الحرب العراقية الايرانية، قررت القيادة الوطنية العراقية تشكيل لجنة خاصة برئاسة وزير الشباب، حينها، ورئيس ديون الرئاسة، لاحقاً، السيد احمد حسين خضير السامرائي، فك الله اسره، وبمتابعة ميدانية لاعمال اللجنة الخاصة من قبل الرئيس صدام حسين، يرحمه الله، الذي تشكلت اللجنة بأمر منه.
ولهذا الغرض التقينا بالدكتور عبدالسلام الطائي، أحد أعضاء اللجنة والمستشار في هيئة رعاية الخالدين، ليحدثنا عنها، حيث بدأ حديثه قائلا:لقد سميت الهيئة ب"هيئة الخالدين" تيمنا بقوله تعالى(والاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون)فالهيئة عبارة عن جهة تخصصية، وكانت بمثابة الجندي المجهول والظهيرالامين للمقاتلين الاحياء ولذوي الشهداء، كما تعد الذخيرة الحية المستدامة والقوة الخفية في التعبئة والسوق على صعيد الحرب النفسية.وكان هدفنا الاستراتيجي حماية عوائل واطفال الشهداء والاحياء المقاتلين منهم ولذويهم في الداخل وبسلاح العقل الجمعي والضمير الوطني بغية ازالة مشاعر الخوف والقلق على مصير اطفالهم واسرهم وهم في جبهات القتال . لذلك عملت الهيئة على ضمان مستقبل اسرهم وما لذك من تاثير معنوي اعتباري عليهم وعلى اطفالهم وزوجاتهم في الخطوط الخلفية وما له من انعكاسات على رفع الروح المعنوية للمقاتلين في الخطوط الامامية للعدو، كنا نسعى بالهيئة جاهدين بأن نجعل المقاتل العراقي يقاتل وتفكيره غير مشدود الى الخلف قلقا وخوفا من المصير المجهول لأطفاله وزوجته وذويه.شكلت اللجنة في العام 1981، وأنهت اعمالها فنياً واكاديمياً عام 1986، وكانت تجتمع في المكتب الخاص لوزير الشباب, وتنظم اعمالها من قبل مسؤولة القلم السري، آنذاك، وبعد ان أصبح السيد احمد حسين رئيسا لديوان الرئاسة, اخذت اللجنة الخاصة تجتمع في مقر مكتب تنظيم بغداد لحزب البعث العربي الاشتراكي، وبرئاسة رئيس ديوان الرئاسة.ومن هم اعضاء اللجنة؟كان من بين اعضائها المدير العام الاسبق بوزارة العدل، القاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا، حاليا، يؤسفنا انه ارتضى لنفسه خدمة المحتل وعملائه منذ احتلال العراق، والدكتورة سلوى عبدالهادي الجلبي، شقيقة العميل احمد الجلبي، ممثلة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية انذاك، اما بقية الاعضاء فكانوا نخبة من أساتذة علوم الاجتماع والنفس والقانون وعلماء الدين وممثلين عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.واشير الى انه تم اغتيال الدكتور محمد الحلفي، يرحمه الله، اثناء سير اعمال اللجنة، اضافة لاختطاف أحد الأعضاء، وهو مسؤول رعاية اسر شهداء القادسية في شمال العراق في أغسطس/ اب عام 1984، وبعد ان تفهم الاخوة الأكراد اهداف الزيارة والدراسة الانسانية والنبيلة, اطلقوا سراحه وطاقم الحماية والوفد المرافق له، وكان بين اعضاء الوفد ممثلون من مختلف محافظات العراق، وبينهم من المحافظات الشمالية، أيضاً.وكيف تمت دراساتكم لهذه الشريحة؟ابتداءا تعد هذه الدراسة من الدراسات الاستراتيجية التتبعية البعيدة المدى لان سقفها الزمني تجاوز الخمس سنوات ولها ابعاد متعددت ومتنوعة، منها تربوية واسرية واقتصادية وسياسية وامنية وعسكرية ذات صلة بصناعة الاجيال وبناء الانسان للدفاع عن الاوطان .اعتمد الاكاديميون على منهج المسح الاجتماعي الجزئي، لذا تم اختيار عينة قوامها 1000 عائلة مكونة من زوجات وابناء واخوة واخوات الشهداء، اضافة لوالدي الشهداء، للاطلاع على مشاكلهم بغية معالجتها قانونيا وتربويا وشرعيا.. وما هي أهداف تلك الدراسات؟كان الهدف الاساس هو الحفاظ على قيم الشهادة لدى ابناء الشهداء بغية صناعة جيل وطني متعلم ولغرض رعايتهم ابوياً وتربوياً لتعويضهم ما فقدوه وتأهيلهم مستقبلا كقادة كفوئين في المجتمع من قبل نخبة من المختصين التربويين. ولغرض الحفاظ على حدقة وقرة عيون العراق، ابناء الشهداء، فقد ابلغنا السيد احمد حسين -فك الله اسره- رئيس ديوان الرئاسة، "بان الجدول اليومي لاعمال الشهيد الرئيس صدام حسين-يرحمه الله- كان يتضمن مقابلة ابناء وزوجات ووالدي الشهيد يوميا وتكرار تلك المقابلة بعد مضي سنة عليها وبنفس الساعة والتاريخ، لاؤلئك الذين التقاهم سابقا لمعرفة مدى تحسن حالة ابناء واسر الشهداء، ولما بات ذلك يشكل ضغطا على الجدول اليومي لاعمال الشهيد الرئيس صدام حسين ، بناءا عليه، تنسب ترحيل تلك المهام الى اللجنة الاستشارية الخاصة لدراستها وتقديم توصياتها لاصدر الامر الديواني فيها".
في ضوء ذلك، تولت هيئة المستشارين لرعاية ذوي الخالدين القيام بالمقابلات وبالزيارات الميدانية التتبعية لابناء وزوجات ووالدي الشهداء واخوانهم اضافة لبقية ذوي الشهداء في عموم العراق كما هوموضح بتاريخ بعض الزيارات بالكتاب المرفق الصادر عن رئاسة الجمهورية ( )
وبعد صدور قرار رئاسة ديوان رئاسة الجمهورية بتحويلها من "لجنة خاصة" الى "هيئة الخالدون" منذ عام 1986 تنسب اعتبارها تشكيل رئاسي استشاري يرمز لها ب(م.خ) عند المخاطبات الرسمية ويكون مرتبطا بمكتب رئيس الديون مباشرة.
أما المجالات التي تم التحرك من خلالها، فهي:
المجال البشري: ويتكون من من زوجات وابناء واخوة واخوات الشهداء اضافة لوالدي الشهداء.
الجغرافي: جميع المحافظات والقرى والقصبات العراقية.
السقف الزمني:1981- 1986، بعدها تحولت اللجنة وبأمر من الشهيد صدام حسين، يرحمه الله، الى هيئة استشارية مكونة من بعض اعضائها ومرتبطة بتشكيلات ديوان الرئاسة سميت بـ (هيئة رعاية الخالدين) وللهيئة مجلة بعنوان (الخالدون) يشرف على اصدارها مكتب امانة السر/ بمجلس قيادة الثورة, وتطبع بمطابع دار الحرية للطباعة.
وما هي التقنيات التي استخدمتها اللجنة في عملها؟
لأول مرة في تاريخ العراق، مطلع الثمانينيات، تم تفريغ البيانات وجدولتها وتحليلها إلكترونيا من قبل اللجنة وبالتنسيق مع الكفاءات الوطنية العاملة ببنك المعلومات بوزارة التخطيط والمركز القومي للحاسبات آنذاك.
وحال الانتهاء من انجاز الدراسة، تم تكريم جميع اعضاء اللجنة وخاصة الذين استشهدو وتعرضو للاختتطاف اثناء اعداد الدراسة، وقد تناقلت وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ذلك.
نرجو ان تطلعنا على بعض نتائج الدراسة الاستطلاعية التي قامت بها اللجنة؟
لقد تم تحويل نتائج الدراسة الى توصيات، علما ان الدراسة الميدانية الموسومة "رعاية اسر الشهداء" تقع بما يزيد على 600 صفحة عدا الجداول الملحقة..
كما اصدرت الهيئة توصيات باصدار عشرات القوانين الخاصة بذوي الشهداء، قام بصياغتها القاضي مدحت المحمود، وهي على محاور عدة، منها:
اولا: توصيات هدفها تجذير المواطنة وتعزيز الروح الوطنية والقومية
*حيث تم اعتبار الاول من كانون الأول من كل عام يوماً الشهيد، وقد ثبت ذلك كنص قانوني من قبل القاضي المحمود، حيث يقف العراقيون في هذا اليوم دقائق صمت لقراءة سورة الفاتحة إجلالا لأرواح الاكرم منا جميعا من شهداء القادسية الثانية، وصدرت تعليمات محددة لكيفية التعامل في هذا المناسبة المهيبة، وهي:
*توقف العمل والحركة لمدة 5 دقائق.
*التكبير بالجوامع وقرع اجراس الكنائس.
*تخصيص الحصة الاولى في الجامعات والمعاهد للحديث عن ماثر الشهيد وقيم البطولة .
*تعليق وردة الشهيد على صدور العراقيين جمعاء.
*توصية بمنح لابن الاكبر للشهيد حق حمل النوط او الوسام وينتقل الحق الى الابوين عند عدم وجود ابناء للشهيد او الى الزوجة في حال عدم وجود المذكورين.
*قومياً، تم اعتبار المواطن العربي الذي يعمل في القطر العراقي ويقتل بسبب حوادث القصف الوحشية شهيدا وتطبق على عائلته القواعد المقررة للشهيد.
ثانيا: توصيات للحفاظ على التضامن الاسري والتماسك الاجتماعي
1.منح زوجة وبنات الشهداء حق اختيار المكان الذي يعملن فيه بعد توفر الشروط القانونية للتوظيف.
2.اعفاء عيال الشهيد الذين يستحقون الراتب التقاعدي من اجور النقل في القطارات وسيارات مصلحة نقل الركاب في بغداد والمحافظات.
ثالثا: توصيات تربوية: في حال تساوي الشروط القانونية فلابناء واخوة الشهداء الافضلية في القبول بالمدارس والجامعات او الحصول على البعثات والزمالات وغيرها..
رابعا: توصيات اسكانية:
1.حق تمليك زوجة واولاد ووالدي واخوة الشهيد داراً للسكن او شقة، بدون بدل، في المحافظة التي يقع اختيارهم عليها في حال عدم امتلاك الشهيد دارا او شقة سكنية.
2.زوجات الشهيد: تتمتع كل زوجة من زوجات الشهيد بنفس الحقوق والامتيازات المقررة للزوجة الواحدة.
3.والدا الشهيد المتزوج وله اولاد: تخصص لهما شقة او دار سكنية بدون بدل ايجار طيلة حياتهما.
ناهيكم عن ذكر الاهتمام بالجوانب النفسية والصحية وغيرها لعوائل الاكرمين وذلك.
استنادا الى الاية القرآنية الكريمة التي تتحدث عن مكانة الشهيد، وكون الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا, بل احياء عند ربهم يرزقون) وبأمر من الرئيس الشهيد صدام حسين، يرحمه الله، نصت قوانين الهيئة على اعتبار الشهيد حياً يتمتع بجميع الحقوق والترقيات العسكرية، وغيرها مما يتمتع بها أقرانه في الخدمة العسكرية أو المدنية.
وفي هذا الصدد تم تصميم شارتين بالمناسبة، وكما يلي:
وردة الشهيد: تم تصميمها خصيصا لهذه المناسبة وتحوي صورة لزهرة تخرج من وسط نصب الشهيد، وتقرر أن توضع على صدور العراقيين في ذكرى يوم الشهيد (وهي الشارة المنشورة أعلى هذه الحوار).
كما تصميم شارة الشهيد التي تمنح لعوائل الشهداء.
وما هي أهم المشاكل التي تمت معالجتها؟
المشاكل التي تمت دراستها والاطلاع على تفاصيلها عديدة ومتشعبة، وأذكر من ينها مشكلة ما يطلق عليه بـ (زواج السيد) وهو زواج غير موثق في الجهات الرسمية المعتمدة، ويؤدي الى ضياع حقوق المرأة والاطفال في الغالب، ولولا حكمة الرئيس الشهيد صدام حسين والقيادة آنذاك بمعالجتها لضاعت فيها حقوق زوجات وابناء الشهداء، كونه زواجا غير مسجل رسميا، كما أسلفنا، فضلا عن كونه ينتشر في القرى والارياف التي لا توجد فيها مؤسسات رسمية، حيث تم تسجيله قانونيا بعد موافقة أرملة الشهيد وبشهادة شاهدين من اقرباء كلا الزوجين..
وكانت هناك قضية أخرى تتعلق بمنح الجنسية العراقية للزوجة التي استشهد زوجها وللأبناء ايضا، لمن كانوا من التبعيات الايرانية وغيرها، حيث تمت معالجة هذه القضية أيضا.
ما هي أبرز المواقف الانسانية والوجدانية الجديرة بالاهتمام والاحترام؟
اسمح لي ان أبيّن لكم بعض المواقف الانسانية المتميزة منها:
اولهما، المعاناة المالية: فقد أسفرت نتائج الدراسة الميدنية في عموم العراق ولجميع الاديان والمذاهب والاعراق في العينة المنتخبة للدراسة دون تمييز عن وجود معاناة مالية لدى ذوي الشهداء، وحين شعر رئيس ديوان الرئاسة السيد احمد حسين بترددنا في الافصاح عنها، تساءل هل لديكم مشكلة قد تترددون ولا ترغبون طرحها؟ فكان الجواب نعم، هناك ضائقة مالية يعاني منها ذوي الشهداء، لا نجرؤ على طرحها بسبب سياسة التقشف، فرفع رئيس الديوان سماعة هاتفه واتصل بالرئيس صدام حسين، يرحمه الله، وبعد انتهاء مهاتفته، ابلغنا بأن الرئيس طلب منا "أن نعمل ونفكر وكأن الحرب قد انتهت" ولا نضع الجانب المالي في حساباتنا عائقا في توصيات الدراسة ولا في عملنا مستقبلا سيما حين يكون الامر متعلقا بقرة عيون العراق والامة العربية الاسلامية من ابناء وامهات وزوجات الشهداء..
ثانيهما: احترام العلماء
استشهاد اثنان من عضاء اللجنة وتعرض ثالث لها للاختطاف!
تعرض للاغتيال الباحث العلمي السيد محمد الحلفي من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، كما استشهد البروفيسورعادل عبدالحسين-يرحمه الله- خنقا اثناء حرق داره بحي البنوك من قبل الميليشيات عام 2003..
وتعرض ايضا الدكتور (..) للاختطاف اثناء توجهه الى قرية(صفية) بقاطع اربيل في 4/8/1984 وقد تم نشر خبر الاختطاف ب"مجلة انصات" المحدودة، والتابعة لمجلس قيادة الثورة، حينها، كما فقدت الهيئة البروفيسور هادي نعمان الهيتي شهيد الغربة بعد الاحتلال،
وعلى اثر عمليات الخطف والاستشهاد التي تعرض لها بعض اعضاء اللجنة الخاصة، امر الرئيس صدام حسين –يرحمه الله - باعفاء كافة من هم خارج تشكيلات رئاسة الديوان ومجلس قيادة الثورة من اعضاء "اللجنة الرئاسية الخاصة" وخارجها في عموم العراق من المشاركة بالجيش الشعبي، حرصا من سيادته على كوادر الدولة من الكفاءات العلمية الوطنية من الاستهداف من قبل العدو الفارسي.
[size=32]ختاما [/size]
أود الاشارة الى نقطة مهمة، حيث لم يكن من بين اعضاء اللجنة الرئاسية الخاصة اي من قيادات حزب البعث، بل كان هناك معارضون، منهم القاضي مدحت وشقيقة أحمد الجلبي، وهذا دليل على احترام القيادة للراي الاخر وعدم اجتثاثه او حتى تهميشه او تعويمه.
ومن الاشياء المهمة التي ينبغي ذكرها هنا ان الرئيس صدام حسين، يرحمه الله، كان يوقع على محاضر اجتماعات اللجنة وجلسات العمل الخاصة، تعبيرا عن اهتمامه الشخصي ومتابعته الدقيقة للجنة ومايصدر عنها من قرارات او توصيات، لجعلها موضع التفيذ، كما انه، يرحمه الله، زود اللجنة بهاتف مباشر للاتصال بسيادته وإبلاغه بالحالات الخاصة وذات الصبغة المستعجلة لعوائل وأطفال الشهداء.