منشورات فدائية على جدران إسرائيل
نزار قباني - سورية
لن تجعلوا من شعبنا
شعب هنود حمر
فنحن باقون هنا ..
في هذه الأرض التي تلبسن في معصمها
إسوارة من زهر ..
فهذه بلادنا
فيها وجدنا منذ فجر العمر
فيها لعبنا .. وعشقنا..
وكتبنا الشعر
مشرشون نحن في خلجانها
مثل حشيش البحر
مشرشون نحن في تاريخها
في خبزها المرقوق .. في زيتونها
في قمحها المصفر ..
مشرشون نحن في وجدانها
باقون في آذارها ..
باقون في نسيانها ...
باقون كالحفر على صلبانها
باقون في نبيها الكريم ، في قرانها
وفي الوصايا العشر ..
2
لا تسكروا بالنصر
إذا قتلتم خالدا
فسوف يأتي عمرو
وإن سحقتم وردة
فسوف يبقي العطر ..
3
لأن موسى قطعت يداه
ولم يتقن فن السحر
لأن موسى كسرت عصاه
ولم يعد بوسعه
شق مياه البحر
لأنكم لستم كأمريكا
ولسنا كالهنود الحمر
فسوف تهلكون عن آخركم
فوق صحارى مصر ..
4
المسجد الأقصى ، شهيد جديد
نضيفه إلى الحساب العتيق
وليست النار، وليس الحريق
سوى قناديل تضيء الطريق
5
نخرج كالجن لكم
من قصب الغابات
من رزم البريد، من مقاعد الباصات
من علب الدخان، من صفائح البنزين،
من شواهد الأموات
من الطباشير.. من الألواح.. من ضفائر البنات ..
من خشب الصلبان.. من أوعية البخور..
من أغطية الصلاة..
من ورق المصحف، نأتيكم
من السطور والآيات
لن تفلتوا من يدنا..
فنحن مبثوثون في الريح .. وفي الماء .. وفي النبات
ونحن معجونون بالألوان والأصوات
لن تفلتوا..
لن تفلتوا..
فكل بيت فيه بندقية
من ضفة النيل إلى الفرات..
6
لن تستريحوا معنا..
كل قتيل عندنا
يموت آلافا من المرات..
7
انتبهوا..
انتبهوا..
أعمدة النور لها أظافر
وللشبابيك عيون عشر
والموت في انتظاركم
في كل وجه عابر.. أو لفتة .. أو خصر ..
الموت مخبوء لكم
في مشط كل امرأة..
وخصلة من شعر ...
8
يا آل إسرائيل، لا يأخذكم الغزور
عقارب الساعة إن تؤقفت
لا بد أن تدور..
إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا
فالريش قد يسقط من أجنحة النسور
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقي دائما في باطن الصخور
هزمتم الجيوش .. إلا أنكم لم تهزموا الشعور
قطعتم الأشجار من رؤوسها
وظلت الجذور..
9
ننصحكم أن تقرؤوا
ما جاء في الزبور ..
ننصحكم أن تحملوا توراتكم
وتتبعوا نبيكم للطور
فما لكم خبز هنا .. ولا لكم حضور
من باب كل جامع
من خلف كل منبر مكسور
سيخرج الحجاج ذات ليلة ..
ويخرج المنصور...
10
انتظرونا دائما..
في كل ما لا ينتظر
فنحن في كل المطارات..
وفي كل بطاقات السفر..
نطلع في روما.. وفي زوريخ..
من تحت الحجر
نطلع من خلف التماثيل..
وأحواض الزهر..
رجالنا يأتون دون موعد
في غضب الرعد.. وزخات المطر
يأتون في عباءة الرسول..
أو سيف عمر ..
نساؤنا..
يرسمن أحزان فلسطين على دمع الشجر
يقبرن أطفال فلسطين بوجدان البشر
نساؤنا..
يحملن أحجار فلسطين إلى أرض القمر..
11
لقد سرقتم وطنا ..
فصفق العالم للمغامرة
صادرتم الألوف من بيوتنا
وبعتم الألوف من أطفالنا
فصفق العالم للسماسرة
سرقتم الزيت من الكنائس
سرقتم المسيح من منزله في الناصرة
فصفق العالم للمغامرة
وتنصبون مأتما
إذا خطفنا طائرة..
12
تذكروا ..
تذكروا دائما ..
بأن أمريكا - على شأنها -
ليست هي الله العزيز القدير
وأن أمريكا - على بأسها -
لن تمنع الطيور من أن تطير
قد تقتل الكبير ، بارودة
صغيرة ، في يد طفل صغير.
13
ما بيننا .. وبينكم .. لا ينتهي بعام
لا ينتهي بخمسة أو عشرة ولا بألف عام
طويلة معارك التحرير كالصيام
ونحن باقون على صدروكم كالنقش في الرخام
باقون في صوت المزاريب .. وفي أجنحة الحمام
باقون في ذاكرة الشمس ، وفي دفاتر الأيام
باقون في شعر امرئ القيس، وفي شعر أبي تمام
باقون في شفاه من تحبهم
باقون في مخارج الكلام..
14
موعدنا حين يجيء المغيب
موعدنا القادم في تل أبيب
نصر من الله ، وفتح قريب
15
ليس حزيران سوى يوم من الأيام
وأجمل الورود ، ما ينبث في حديقة الأحزان..
16
للحزن أولاد سيكبرون..
للوجع الطويل، أولاد سيكبرون..
لمن قتلتم في فلسطين صغار سوف يكبرون..
للأرض .. للحارت .. للأبواب .. أولاد سيكبرون وهؤلاء كلهم ..
تجمعوا منذ ثلاثين سنة
في غرف التحقيق .. في مراكز البوليس .. في السجون
تجمعوا كالدمع في العيون..
وهؤلاء كلهم ..
في أي .. أي لحظة
من كل أبواب فلسطين سيدخلون..
17
وجاء في كتابه تعالى :
بأنكم من مصر تخرجون..
وأنكم في تيهها سوف تجوعون وتعطشون
وأنكم ستعبدون العجل دون ربكم
وأنكم بنعمة الله عليكم، سوف تكفرون.
وفي المناشير التي يحلمها رجالنا
زدنا على ما قاله تعالى ، سطرين آخرين :
" ومن ذرى الجولان تخرجون.."
" بقوة السلاح تخرجون .."
18
سوف يموت الأعور الدجال
سوف يموت الأعور الدجال
ونحن باقون هنا..
حدائقا.. وعطر برتقال
باقون فيما رسم الله على دفاتر الجبال
باقون في معاصر الزيت.. وفي الأنوال
في المد.. في الجزر.. وفي الشروق والزوال
باقون في مراكب الصيد ..
وفي الأصداف والرمال..
باقون في قصائد الحب ..
وفي قصائد النضال
باقون في الشعر .. وفي الأزجال . .
باقون في عطر المناديل .. وفي " الدبكة " و " الموال ".
في القصص الشعبي .. في الأمثال
باقون في الكوفية البيضاء ... والعقال
باقون في مروءة الخيل ، وفي مروءة الخيال
باقون في المهباج .. والبن..
وفي تحية الرجال للرجال..
باقون في معاطف الجنود..
في الجراح، في السعال
باقون في سنابل القمح، وفي نسائم الشمال
باقون في الصليب..
باقون في الهلال..
في ثورة الطلاب باقون ، وفي معاول العمال
باقون في خواتم الخطبة .. في أسرة الأطفال
باقون في الدموع ..
باقون في الآمال ..
تسعون مليونا من الأعراب..
خلف الأفق غاضبون
يا ويلكم من ثأرهم
يوم من القمقم يطلعون ..
20
لأن هارون الرشيد مات من زمان
ولم يعد في القصر غلمان.. ولا خصيان
لأننا نحن قتلناة، وأطعمناة للحيتان
لأن هارون الرشيد لم يعد إنسان
لأنه في تخته الوثير..
لا يعرف ما القدس.. وما بيسان
فقد قطعنا رأسه أمس..
وعلقناه في بيسان
لأن هارون الرشيد أرنب جبان
فقد جعلنا قصره.. قيادة الأركان..
21
ظل الفلسطيني أعواما على الأبواب
يشحذ خبز العدل من موائد الذئاب
ويشتكي عذابه للخالق التواب
وعندما..
أخرج من إسطبله حصانه
وزيت البارودة الملقاة في السرداب
أصبح في مقدوره
أن يبدأ الحساب ..
نحن الذين نرسم الخريطة
ونرسم السفوح والهضاب
نحن الذين نبدأ المحاكمة
ونفرض الثواب والعقاب ..
23
العرب الذين كانوا عندكم
مصدري أحلام
تحولوا - بعد حزيران - إلى حقل من الألغام
وانتقلت " هانوي" من مكانها ..
وانتقلت " فيتنام " ..
24
حدئق التاريخ دوما تزهر
ففي ربى السودان قد ماج الشقيق الأحمر
وفي صحارى ليبيا
أورق غصن أخضر
والعرب الذين قلتم عنهم تحجروا..
تغييروا ..
تغيير..
25
أنا الفلسطيني
بعد رحلة الضياع والسراب
أطلع كالعشب من الخراب
أضيء كالبرق على وجوهكم
أهطل كل ليلة.
من فسحة الدار .. ومن مقابض الأبواب
من ورق التوت .. ومن شجيرة اللبلات ..
من بركة الماء..
ومن ثرثرة المزراب..
أطلع من صوت أبي ..
من وجه أمي، الطيب، الجذاب
أطلع من كل العيون السود .. والأهداب
ومن شبابيك الحبيبات..
ومن رسائل الأحباب
أطلع من رائحة التراب
أفتح من رائحة التراب
أفتح باب منزلي ..
أدخله . من غير أن أنتظر الجواب
لأنني أنا السؤال والجواب..
26
محاصرون أنتم بالحقد والكراهية
فمن هنا .. جيش أبي عبيدة
ومن هنا معاوية
سلامكم ممزق
وبيتكم مطوق
كبيت أي زانية ..
27
نأتي ..
بكوفياتنا البيضاء والسوداء
نرسم فوق جلدكم
إشارة الفداء
من رحم الأيام نأتي كانبثاق الماء
من خيمة الذل التي يعلكها الهواء
من وجع الحسين نأتي ..
من أسى فاطمة الزهراء..
من أحد، نأتي ، ومن بدر ..
ومن أحزان كربلاء
نأتي .. لكي نصحح التاريخ والأشياء ..
ونطمس الحروف في الشوارع العبرية الأسماء ...