هل ستوقف عمليات اغتيال قادة المقاومة حركة تحرير فلسطين؟ ولماذا ستكون جريمة اغتيال الشهيد العاروري ذات اثر عكسي على حكومة الحرب الاسرائيلية؟
د. سعد ناجي جواد*
هل ستوقف عمليات اغتيال قادة المقاومة حركة تحرير فلسطين؟ ولماذا ستكون جريمة اغتيال الشهيد العاروري ذات اثر عكسي على حكومة الحرب الاسرائيلية؟
مرة اخرى نصحو على جريمة اسرائيلية جديدة/قديمة تمثلت في اغتيال الشهيد الشيخ صلاح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مع مجموعة من رفاقه في الضاحية الجنوبية في بيروت. وفي كل مرة تقع فيها مثل هكذا جريمة ترتفع علامة السوال المحزنة وهي لماذا تنجح إسرائيل في فعل ذلك، وفي ان توحي للعرب خاصة وللعالم عامة انها قادرة على اقتراف هذه الجرائم بسهولة. فالشهيد العاروري لم يكن شخصية فلسطينية اعتيادية، وانما احد اهم الرموز في حركة حماس الذين هددتهم إسرائيل علانية اكثر من مرة بالتصفية الجسدية. بالاضافة إلى انه كان ايضا على قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة. وانه كان من ضمن الاسرى المحررين بعد عملية شاليط في عام 2010، والذين عمل الموساد على اما تصفيتهم او إعادتهم إلى السجون الاسرائيلية، وهو من بين القلة التي أبعدت خارج فلسطين إلى تركيا ثم عاد واستقر في لبنان، والمحاولات لاغتياله كانت مستمرة منذ ان أطلق سراحه بعد اكثر من عقد من الزمان في سجون الاحتلال.
لم تخف إسرائيل نيتها لتصفية رموز المقاومة، وبالذات كل من خطط وشارك في عملية طوفان الأقصى. ومثلما عملت على تشكيل خلية من الموساد لتصفية قادة في السابق (في بيروت وتونس وباريس)، فانها شكلت خلية مماثلة كانت باكورة جرائمها اغتيال الشهيد العاروري ورفاقه. ان اول ما تكشفه هذه الجريمة هو الحقيقة المؤلمة المكررة والمتمثلة بسعة الخرق الامني الذي تميزت به حركات المقاومة بصورة عامة والمقاومة الفلسطينية بصورة خاصة. حيث ان جريمة كهذه لا يمكن ان تنجح إلا إذا كانت إسرائيل على معرفة دقيقة بمسرح الجريمة وبتحركات الشهيد ورفاقه، وان هذا لا يمكن ان يتم إلا بوجود عميل من داخل الحلقة الضيقة المحيطة بهم. وربما توصلت المقاومة، الفلسطينية واللبنانية، او ستكتشف من هو هذا العميل الذي أعطى الاحداثيات الدقيقة، ولكن بعد فوات الأوان. وهذه المسالة ستبقى نقطة ضعف خطيرة لابد من تداركها بجهود امنية استخبارية مكثفة.
كما تكشف العملية التواطوء الأمريكي على الرغم من إعلان تل ابيب انها لم تعلم واشنطن إلا في لحظة التنفيذ، وادعا الأخيرة بان ليس لها يد فيما حدث، ولكن هذا الكلام لا يصمد أمام حقيقة صارخة تمثلت في اقدام الولايات المتحدة قبل يومين من عملية الاغتيال على سحب حاملة طائراتها التي ارسلتها إلى شرق المتوسط مع بداية عملية طوفان الاقصى، كاداة تهديد لكل طرف ثالث (حزب الله وايران وسوريا) يحاول ان يفتح جبهة قتال جديدة ضد الاحتلال الاسرائيلي، خوفا من ان يطالها رد المقاومة .
من ناحية اخرى ان إسرائيل ركزت على الشهيد العاروري اكثر من غيره من قادة الخارج لانها اعتبرته الشخص المسؤول الاول عن: اولا التنسيق مع أطراف المقاومة الاخرى وصاحب فكرة وحدة الساحات، وثانيا انها اتهمته بانه المسؤول عن إشعال نار المقاومة في الضفة الغربية وتسليح ابنائها وربطهم بحركة حماس. وهذا العمل بالذات اعتبرته إسرائيل اخطر من كونه قياديا في المقاومة. واخيراً فان إسرائيل اصرت على اغتيال الشهيد العاروري في هذا الوقت الدقيق بالذات الذي تواجه فيه مخاطر كثيرة وكبيرة تهدد وجودها، لان نتنياهو اراد ان يحقق لنفسه (نصرا) يطيل عمره السياسي بعد الضربة الموجعة التي وجهتها له عملية طوفان الأقصى، والتي أذلته وجعلت سمعته ومكانته السياسية في الحضيض. وبغض النظر عن ردود الفعل التي ستاتي على هذه الجريمة، والتي هناك من يتصور انها ستكون عالية جدا، وهناك من يؤكد انها ستكون محدودة لاعتبارات عدة، لكن العملية يمكن ان تصنف بانها من جملة العمليات الإعلامية التي لن توقف او تمس العمليات القتالية الجارية في غزة اولا، ولن توثر على الجناح العسكري المسؤول عنها ثانيا، وانها لن تؤثر على تصاعد الانتفاضة المسلحة في الضفة الغربية ثالثا، ولأن كل التجارب السابقة، والضربات المماثلة اثبتت ان حركات المقاومة قادرة على ايجاد البديل المناسب مباشرة من داخل كوادرها رابعا. ما لم يحسبه نتنياهو جيدا في هذه الحالة هو رد فعل الداخل الإسرائيلي، وبالذات عوائل الاسرى لدى حماس. هذه العوائل بدات منذ ليلة امس باتهام نتنياهو، وحكومته المصغرة للحرب، بانهم وضعوا حياة أبنائهم في خطر كبير، ومستقبل مظلم أنهى امالهم في ان يتم تحرير أسراهم احياء في عملية تبادل سلمية. وهذه الحالة ستشكل رد فعل شعبي لن يستطيع نتنياهو تهدئته بكلام معسول ووعود كاذبة
اكثر ما يحز في النفس في هذ العملية هو ليس فقط العدد غير القليل من القادة الذين نجحت إسرائيل في تصفيتهم، وليس لأنها مثلت خرقا امنيا في عاصمة عربية ومنطقة يفترض انها محمية من قبل المقاومة اللبنانية، وانما لأن اريد منها ان تقتل جذوة الامل التي تصاعدت في النفوس بعد نجاح مقاومة غزة في الصمود الأسطوري أمام الهجمات البربرية والمجازر البشرية التي يرتكبها جيش الاحتلال. إلا ان هذه الانتكاسة لا يمكن ان تنهي ما حققه ابناء فلسطين عامة، وغزة بالذات، من انتصارات مستمرة منذ 7 اكتوبر. كما انها بالتاكيد تنذر بزيادة تصميم الاطراف غير الفلسطينية المشاركة في المعارك على الاستمرار في ذلك وبصورة تصاعدية اكبر. فالمقاومة اللبنانية ستعتبر ما حدث تحديا لها ولحمايتها لحاضنتها في الضاحية الجنوبية، كما ستعتبر جماعة الحوثي في اليمن مقتل عشرة اشخاص من انصارها من قبل القوات الأمريكية في باب المندب محاولة لإضعافها وتحديها ولافشال دورها الداعم لغزة. بكلمة اخرى ان كل الأطراف غير الفلسطينية المشاركة في الحرب الدائرة اصبحت لها اسبابها الخاصة للاستمرار فيها.
وأخيراً لابد من العودة للتأكيد على حقيقة ان عملية طوفان الأقصى قد قلبت كل المعايير التي نجحت إسرائيل والولايات المتحدة ومن يقف معهما، منذ عام 1948 او بتحديد اكبر منذ عام 1967 بان الكيان الطاريء وجد ليبقى وانه يستطيع ان يبتلع فلسطين كلها وان المقاومة لن تنجح في ردعه، واكدت ان هذه كلها نظريات واهية وفاشلة لن تصمد أمام إرادة الشعب الفلسطيني على استعادة ارضه وحقوقه كاملة ومهما كانت التضحيات. اما المقاومة فما عليها سوى ان تتأسى بخطاب الله عز وجل لرسوله الكريم (عليه افضل الصلاة والسلام) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) صدق الله العظيم.
*كاتب واكاديمي عراقي