جنوب افريقيا ومحاولة استعادة عالم القيم
منذ 8 دقائق
مثنى عبد الله
حجم الخط
0
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d8%ac%d9%86%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%82%2F&title=%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8 %D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7 %D9%88%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9 %D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9 %D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85 %D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85][/url]
في سابقة تاريخية بدأت محكمة العدل الدولية النظر في القضية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا ضد إسرائيل، بتهمة ممارسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وزير العدل في الدولة المُدعية قال (قدمنا القضية نيابة عن حكومة جنوب افريقيا. ونفعل ذلك بالنيابة عن الأطفال والشباب والنساء والشيوخ الفلسطينيين الذي يُقتلون في غزة). في حين رد رئيس الوزراء الإسرائيلي على القضية بالقول (اليوم رأينا مُجددا عالما مقلوبا رأسا على عقب. إسرائيل متهمة بالإبادة الجماعية، في حين أنها تحارب ضد الإبادة الجماعية).
أما حواضن إسرائيل الدولية فقد سارعت للاعتراض على القضية.. وزير الخارجية الامريكي بلينكن قال (أعتقد أن تقديم شكوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، يشتت انتباه العالم عن الجهود الكبيرة المبذولة حاليا، علاوة على أن تُهم الإبادة الجماعية لا أساس لها من الصحة). وزير الخارجية البريطاني كاميرون قال (لا نعتقد أن تسمية ما يحدث في غزة بالإبادة الجماعية. هو المقاربة الصحيحة ولا نتفق مع ما تفعله جنوب افريقيا في هذا الصدد).
يقينا أننا أمام عالم غابت عنه القيم بشكل صارخ، وابتعد عن الفضيلة السياسية، التي أصبحت حلما في نظر الكثير من شعوب الأرض، بل حتى القوانين الدولية والمؤسسات الأممية، لم تعد ملجأ يمكن الركون إليها في أحقاق الحق وإزهاق الباطل، وبذلك سقط اليقين الذي كان الناس يعتصمون به في كل هذه الهياكل القانونية، لكن المشهد الذي صنعته جنوب افريقيا في لاهاي، هو لحظة تاريخية وقانونية وسياسية ومعنوية تذكّر بالفضيلة السياسية، قد يكون لمشهد وقوف القتلة لأول مرة أمام هذه المحكمة رمزية كبيرة. وقد تصل المحكمة إلى إصدار قرار مُلزم أو غير مُلزم، لكن ما يجب معرفته هو أن الحدث هي محاكمة سياسية ومحاكمة معنوية بالدرجة الأولى، إضافة إلى المغزى القانوني فيها، فالرأي العام الدولي اليوم، ومن خلال مرافعة ممثل دولة جنوب افريقيا، يرى أن هنالك محاولة لإدانة (دولة)، كانت الإبادة الجماعية قضية أعلن عنها وصرّح بها زعماء الكيان الصهيوني كافة، من رئيس الوزراء مرورا بالوزراء وقادة الجيش وزعماء الأحزاب السياسية موالاة ومعارضة. وبذلك تكون الإبادة الجماعية تنهج منهجا بنيويا لدى إسرائيل، ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا وصلت نسبة التأييد لفلسطين لدى الرأي العام العالمي 95%، بعدما كانت نسبة التأييد لإسرائيل في الأيام الأولى من حرب غزة 30%. ولماذا جابت وتجوب العالم كله التظاهرات المؤيدة لفلسطين والمنددة بإسرائيل. نعم لقد عانى الشعب الفلسطيني ولعقود طويلة مما تسمى بالواقعية السياسية في العلاقات الدولية، وأهدر الفيتو الأمريكي كل فرصة لإنتاج حل لهذه القضية. كما استمر واقفا بالمرصاد لأي مشروع قرار يدعو إلى وقف العدوان على غزة، على الرغم من أن الرأي الدولي كان يخالف هذا الاتجاه، والدليل على ذلك تصويت 153 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، مقابل 10 دول فقط أيدت إسرائيل. وبغض النظر عما يحدث الآن في لاهاي، فإن الحدث الأكبر في هذه القضية هو هذا الصدى الإنساني والسياسي، الذي بات يغطي القسم الأكبر من أرجاء المعمورة. وعليه فإن معادلة القضية الفلسطينية والفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، لم تعد غير موزونة اليوم مثلما كانت من قبل. لقد عدّل الصدى الإنساني كفة المعادلة، في لحظة قيام جنوب افريقيا بمحاولة استعادة سياسة عالم القيم، وعلى الرغم من أن الصراع بين مرحلة حكم القوة وحكم القيم صراع طويل ومرير لا ينتهي بلحظة، لكن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، غيّر وضع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في عيون العالم، وأن القضية الفلسطينية ستقرأها الأجيال من جديد قراءة مختلفة عما كانت تروج له مراكز البحوث والصحف الغربية، وفقا للمسلمات الإسرائيلية ومسلمات التأييد الغربي المطلق لإسرائيل.
- اقتباس :
بغض النظر عما يحدث الآن في لاهاي، فإن الحدث الأكبر في هذه القضية هو الصدى الإنساني والسياسي، الذي بات يغطي القسم الأكبر من أرجاء المعمورة
إننا اليوم أمام الحالة القانونية الثالثة التي تواجهها إسرائيل، الأولى كانت في عام 2004 عندما أصدرت محكمة العدل الدولية في تموز/ يوليو رأيها الاستشاري، الذي قالت فيه بأن الجدار الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية غير قانوني بموجب القانون الدولي. والحالة الثانية كانت في عام 2008 عندما بدأ الكيان الصهيوني عدوانا على غزة في عملية سماها (الرصاص المصبوب) وسمتها المقاومة الفلسطينية (عملية الفرقان). حينها أصدر القاضي الذي كان أيضا من جنوب افريقيا تقريرا ضخما بمئات الصفحات، وثّق جرائم العدوان الصهيوني، وكشف احتمالية وقوع جرائم ضد الإنسانية. واليوم نرى حدثا قانونيا مهما ومختلفا تماما عن كل ما سبقه، لأن نوع وطبيعة الموت والدمار الذي فرضته إسرائيل على أهلنا في غزة غير مسبوق في تاريخ العالم الحديث. والسبق في ذلك يمكن رؤيته من كل زاوية ممكنة، في كثافة القصف، في مدى الدمار، في عدد الشهداء من أطباء وصحافيين ومواطنين أبرياء، في التجويع ومنع إيصال الدواء والمستلزمات الحياتية والمياه والوقود. كل ذلك غير مسبوق ويمكن المحاججة به بأن ما تقوم به إسرائيل جريمة إبادة جماعية، لكن السؤال الأكبر اليوم هو أين أشقاء فلسطين العرب؟ أين أهلهم وأبناؤهم الذين يتولون السلطة في البلاد العربية الشقيقة؟
المطلوب اليوم من كل من يدّعي وصلا بفلسطين وأهلها بالدم والتاريخ والدين والعرق، أن يؤيّد ما قامت به دولة جنوب افريقيا، وأن يُنظّم، أو أن يُقدّم دعوى مستقلة في محكمة العدل الدولية وغيرها من المؤسسات القانونية الأممية، فليس للتأييد اللفظي والبيانات معنى بعد الآن، فالمنظومة التي تعيث في الأرض فسادا، وتقوم بأعمال الإبادة الجماعية، وتمنع المجتمع الدولي من مناصرة الحق، وتغزو وتحتل الدول من دون مبررات قانونية، تقترب من بعضها وتتعاضد وتتساند. لذلك يصبح من الواجب أن يتناصر ويتساند ويتعاضد، من يؤمنون بضرورة وجود عالم القيم والفضيلة السياسية، ولعل البلدان العربية وبما تملكه من أوراق ضغط اقتصادية وسياسية وأمنية، قادرة على أن تشكل «لوبي» دوليا فاعلا مع بقية الدول المحبة للسلام والحرية. والضغط يجب أن يبدأ على الدول الغربية. فهؤلاء هم من يتولون الوصاية على إسرائيل من عدة نواحٍ، إنهم منبع القوة العسكرية لإسرائيل، ومنبع القوة السياسية والاقتصادية لها، لكن المشكلة بنيوية في النظام الرسمي العربي. فهذا النظام يبدو واضحا أنه منقسم على نفسه، فئة منه ذهبت إلى التطبيع بشراهة قل نظيرها، وفئة ثانية تقف في منتصف الطريق، وأخرى لا ترغب في أن تناقش موضوع فلسطين، وتتمنى أن تنتهي القضية بأي صورة من الصور. وعليه تكون صورة موقف النظام الرسمي العربي بشكل جماعي قائمة على أساس، نتعاطف مع فلسطين وندين ونشجب ونستنكر، لكن لن نذهب إلى محكمة العدل الدولية، أو أي محفل دولي قانوني آخر، كي لا نُغضب الكبار في العالم.
كاتب عراقي