القاهرة وأنقرة … حين تتصالح المصالح
منذ 4 ساعات
مثنى عبد الله
حجم الخط
0
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d9%86%d9%82%d8%b1%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%2F&title=%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9 %D9%88%D8%A3%D9%86%D9%82%D8%B1%D8%A9 %E2%80%A6 %D8%AD%D9%8A%D9%86 %D8%AA%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD][/url]
بعد قطيعة بين مصر وتركيا استمرت 11 عاما، وبعد مقولته الشهيرة بأنه لن يصافح السيسي أبدا، هاهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحل ضيفا على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أجرى له استقبالا حافلا في القاهرة على السجاد الاحمر وموسيقى عسكرية و21 إطلاقة مدفع. أردوغان جاء بلهجة تصالحية اعتدنا عليها في محطات عديدة حصلت مع الإمارات العربية والسعودية ودول أخرى كانت لديه معها خصومة لذلك ليس مستغربا قوله (نحن في الواقع نتقاسم مع مصر تاريخا مشتركا يزيد عن ألف عام، ونحن نريد أن نرتقي بمستوى علاقاتنا الى المسار اللائق، ونجد بأن الإرادة نفسها موجودة لدى الجانب المصري) لأن العلاقات الدولية وُجدت لتستمر وليس لتقطع. فهل كانت الزيارة مفاجئة؟ وما موقف التيار الإسلامي الذي راهن على الرجل طويلا؟
لايمكن القول بأن الزيارة كانت مفاجئة بل كان هنالك تدرّج واضح في عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة منذ أن بدأت المباحثات الاستكشافية بين الطرفين. بل إن مسار العلاقات والتطبيع استغرق كثيرا من الوقت، وزيارات متبادلة وتمهيدا دبلوماسيا وخطوات إعادة بناء الثقة. ثم جاء اللقاء بين الزعيمين في الدوحة على هامش افتتاح كأس العالم. كما كانت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الى أنقرة في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب عددا من المدن التركية خطوة تمهيدية للرأي العام المصري بأن عودة العلاقات مع تركيا قادمة على أية حال. نعم كان هنالك خلاف واختلاف وحتى غضب مصري من التصريحات الرسمية التركية خاصة تلك الصادرة عن الرئيس أردوغان. ولكن اليوم تم القفز على تلك المرحلة بعدما أبدت أنقرة مرونة كبيرة في عودة العلاقات في ظل المصالح المشتركة بين الطرفين والتي ضغطت عليهما معا من أجل إعادة صياغة السياسات المشتركة بينهما. فملف القضية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل ومخططاتها لتهجير سكان قطاع غزة وإدخال المساعدات ووقف إطلاق النار كلها نقاط جوهرية في سياسات البلدين. وملف آخر مهم كان له دور في لقاء القاهرة وأنقرة هو الملف الليبي، الذي يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر خاصة أن التوافق المصري التركي فيه يمكن أن ينعكس إيجابا، ويؤدي الى إجراء الانتخابات في ظل انشغال القوى الكبرى المنخرطة في هذه الحرب بمصالح عليا قد تزداد سخونة في نهاية هذا العام سواء المعسكر الشرقي ممثلا بروسيا أو المعسكر الغربي الممثل بأمريكا والاتحاد الأوروبي. بالتالي هذه فرصة ذهبية لمصر وتركيا.
- اقتباس :
أي تطور إيجابي في العلاقات المصرية التركية سينعكس بشكل إيجابي على قضايا المنطقة
كذلك يأتي الملف السوداني كعنصر مشترك آخر في العلاقة بين القاهرة وأنقرة. فتركيا لديها علاقات قوية مع السودان رغم وجود بعض الخلافات مع المجلس العسكري. لكنها الآن هي بحاجة الى توحيد الصف السوداني ودعم المؤسسات السودانية خوفا من تغلغل قوى أخرى تهدد المصالح التركية والمصرية في السودان. ولا يمكن أن ننسى منطقة شرق المتوسط، الذي على الرغم من أن مصر ليست طرفا مباشرا في الصراع الدائر فيه بل بين قبرص واليونان من جانب وبين تركيا من جانب آخر لكن لدى مصر علاقات قوية جدا في التحالف القبرصي اليوناني وهذا ممكن أن يعزز من إعادة صياغة العلاقة بينهما وبين تركيا في الاستفادة المشتركة من ثروات المتوسط، خاصة في ظل محاولة الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية عسكرة المتوسط لأهداف تتعلق بالثروة الغازية فيه في هذه المرحلة. كل هذه ملفات مهمة ومطروحة الآن في ظل الصراع الدولي ومحاولة كل دولة من الدول الإقليمية المؤثرة إعادة التموضع خوفا من أن تصل اليها نيران الصراعات المشتعلة هنا وهناك.
إذن، المصالح التركية والمصرية هي التي دفعت لقاء الزعيمين بعد تلك القطيعة الطويلة، وإن هذه المصالح متنوعة وليست تجارية وحسب. فالعلاقات التجارية بقيت قائمة حتى في فترة القطيعة السياسية ولكنها كانت محدودة، لكن الحقيقة أن هنالك فائدة سياسية واقتصادية وتجارية وأمنية ودفاعية لكلا الطرفين في عودة هذه العلاقات الى مسارها الطبيعي. فتركيا ومصر قطبان كبيران جدا في المنطقة ولهما ثقل كبير ومؤثر، بالتالي أي تطور إيجابي في العلاقات المصرية التركية سينعكس بشكل إيجابي على قضايا المنطقة. كما أن هنالك حاجة الى هذين القطبين في العالمين العربي والإسلامي وهما في حالة تصالح وليس خصومة لأن المشاكل الموجودة في المحيط كبيرة جدا وبحاجة الى تسوية، ولن يتم ذلك إذا كانت هنالك خلافات بين هذين القطبين المهمين.
أما بالنسبة لحركات الإسلام السياسي التي احتضنتها تركيا، وراهن قادة ورموز هذا التيار على زعيمها أردوغان، خاصة أنه عزز من إيمانهم بزعامته قوله سابقا إنه «لن يقابل السيسي طالما أنه لم يُخرج من هم في السجون… ومن يقابلونه عليهم معرفة كيف سيتعقبهم التاريخ»، فيبدو أن فهما مشتركا توصل له الطرفان المصري والتركي في هذا الملف ويتلخص بأن سوء العلاقة هي خسارة كبيرة لهما معا.
واليوم هنالك أزمة كبيرة في المنطقة. وعند تصنيف الأهم والمهم فإن اللقاء وتبادل الآراء والعمل في المواضيع المشتركة هو الأهم من سواها. ولترسيخ التهدئة في المنطقة وإزالة المشاكل لابد من القفز على الملفات التي أهميتها ليست على مستوى عال. وربما آثر الزعيمان عدم فتح ملف حركات الإسلام السياسي الآن، خاصة وأنه جرى الحديث حوله في المباحثات الاستكشافية ما بين الوفود الأمنية والاستخبارية بين الطرفين سابقا. كما أن تركيا نفسها لم تعد تتمسك بهذا الملف كثيرا لأنها أدركت أن هذا التيار كان يمكن أن يعزز سياساتها الخارجية في العام 2011 ولكن لم يعد له نفس الدور بعد ذلك. وهنا لابد من القول وبصراحة تامة من أن تركيا كانت قد وظّفت هذا التيار لخدمة مصالحها العليا ولكن عندما أدركت أن التمسك به أفقدها الكثير من الأوراق فإن ذلك دفعها الى التخلي عنه لكنها أبقته كملف للاستهلاك الداخلي.
إن الانتقادات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي على زيارة أردوغان الى مصر من قبل رموز وأنصار التيار الإسلامي السياسي عكست بصورة واضحة حجم الإحباط الذي شعروا به. وفي نفس الوقت كشفت عن حجم المراهنة التي كانت لديهم على الرجل في حين أن دروب السياسة تتطلب المناورة وأحيانا التضحية بالحلفاء والأصدقاء من أجل عقد تحالفات أخرى. وبما أن المنطقة اليوم تقف على حافة الهاوية حيث يمكن أن تتسع الحرب في غزة وتشعل المنطقة بأكملها. وبما أن تركيا ومصر دولتان كبيرتان فإن تصالحهما يعزز أمنهما والأمن في الدول العربية.
كاتب عراقي