حيرة مع لوحة زيتية تعبيرية
سالم مجيد الشماع
8/3/2024
حيرة مع لوحة زيتية تعبيرية
حيرة في اللغة : تردد .. يقال يحار فهو حائر، وحيران وتحيراذا تبلد الامر وتردد فيه وفي القرآن الكريم
(إِنَّمَا يَسْتَـْٔذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)
45 التوبة
(قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) 71 الانعام
والحيرة مدينة في وسط العراق ، وكانت في المثلث الحضاري من الهلال الخصيب وهم مدينة النجف والكوفة والحيرة ، وسميت الحيرة وابتدأت صغيرة وتجمع فيها خلق من هنا وهناك وتنامت وتوسعت ثم ازدهرت وأصبحت منارا اجتماعيا لا سيما في عهد المناذرة الذين جعلوا منها عاصمة لمملكتهم في عهود ما قبل الإسلام .. اذ ذاك حدثت معركة الحيرة بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد والامبراطورية الفارسية سنة 12ه ،وكان اخر ملوكها النعمان بن المنذر (418 – 462 م) وتعتبر من اعرق مدن التاريخ في العراق حيث كان مؤسسها هو الملك الكلداني نبوخذ نصر (604 – 562 ق.م) ولابد ان نذكر ان الحيرة كما قلنا كانت عاصمة مملكة المناذرة وواحدة من اجمل عشرة أقاليم الدولة الساسانية قبل الإسلام
حيرة الناس من السياسة والسياسيين ..
السياسة هي فن إدارة المصالح بصرف النظر عن أي شيء اخر.
هذا هو المنطوق الذي يتداوله الساسة في عصرنا هذا ،وهو منطوق يذيعه بصورة متقنة كل السياسيين في مختلف الدول في العالم المتمدن والى الدول الضعيفة ... ولكن تاريخيا وبالرغم من المقولة الشهيرة التي تعلمناها وهي : الحق للقوة . الا ان المستعمرون أصحاب القوة يراوغون ويتمسكون بانهم انما جاؤوا لكي يعطوا لمن يحكمون التقدم في الحياة العامة ويتكلمون بقوة المنطق وان هناك مصلحة متبادلة بين الحاكم والمحكوم.
وامثلة ذلك عديدة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط عندما أرادوا إزاحة الشريف حسين من الحجاز بعد ان نالوا مساندتهم وانتهى إزاحة العثمانيون من منطقة الشرق الأوسط وساعدوا بازاحة واحلال ال سعود بديل
تصيب الحيرة مثقفي العالم في أي بلد في العالم اذ يسمعون من ساسة بلادهم وهم القائمون على الحكم رؤساء و وزراء ونوابا الخ .. دافعهم يحكمون حسب منظومة الديموقراطية .. ويقومون باستعمال الحق للقوة وأنواع القوة كثيرة
يقول ارسطو عن المدينة ان هي الا جمعية سياسيين ويبني رأيه باعتبار الانسان بطبيعته حيوان سياسي وان يفهم من يستطيع ان يسود ولابد للسيادة ان تقترن بالعبودية ... وان هذه العلاقة سوف تؤول الى تراكم العملة النقدية عند صاحب السيادة ولأن هذا التراكم ليس له حدود وبما ان جمعه يؤدي الى الانغماس في ملذات الحياة فسوف يتكاثر اعداد الفقراء ومعها تضمحل الثقافة.
كثيرة تلك الكتب عن السياسة واكثر ما تتصف بقوانين اللعبة السياسية التي كانت منذ عهد التاريخ المكتوبة ولازالت والناس يحتارون لمن يصوتون من السياسيين في بلدانهم على اختلاف ما يقولون ثم يأتي يوم الانتخابات فيذهبون اليه وهم يدركون ان السياسة ما هي الا ضحك على الذقون.
والحيرة في موضوع الاقتصاد وهو صنو السياسة وفي الوقت الحاضر اذ نتكلم عن الشرق الأوسط اصبح من الضروري ان نتفهم استراجية السياسة الاقتصادية الامريكية وهي المهيمنة على معظم المنطقة هذه لكي يستطيع وضع افضل سياسة اقتصادية للعرب المسلمين لأنهم جادين في وضع سياسة اقتصادية تعتمد على دولة دينية..وطبعا هناك فرق كبير بين ما في أمريكا والعرب في مجال الاقتصاد ،فاقتصاد أمريكا هو الهيمنة على دول العالم أينما استطاعوا ذلك وإرساء سياسة اقتصادية تشابه ما موجود في أمريكا وكان ذلك واضحا في عهد بوش الاب والابن ،مع إعطاء بعض المزايا للدول في المنطقة للتصرف بحرية جزئية ... واذا استطاعت احدى دول المنطقة الهروب من هيمنة أمريكا اقتصاديا كما حصل للهند فقد اصبح اقتصادها ندا لأمريكا .
ولعل بعض الدول العربية اخذوا بمبدأ ما جرى في الهند .. ولكن قسم من هذه الدول لا تملك موارد طبيعية كالنفط او الغاز ..الخ لكي تعطي لمجتمعها حياة مستقرة اقتصاديا ،مثلا – الأردن – فهناك 80% من الفقراء و 20% من الأغنياء أي 60 الف اسرة من الاسر الجائعة (حسب تقرير منظمة الأغذية العالمية 2006) وعليه فان الاقتصاد المفتوح لا يناسب الأردن وعليها ان تبدل اقتصادها من النمو العمودي الى النمو الافقي باشراك كافة الفئات في العملية الاقتصادية.
الحيرة والاقتصاد تدخل في عهد الحروب أيضا : مثال ذلك كما في حرب غزة حيث تعاني ايران من مصاعب اقتصادية كبيرة وحسب ما ذكرت رويترز : ان ايران فشلت في الرد على الهجوم الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة والذي يعيق استراجية ايران لتحقيق الهيمنة الإقليمية التي سعت اليها لأكثر من اربع عقود . وقالت أيضا ان كبار صناع القرار في ايران قرروا دعم حزب الله بالهجوم على مواقع عسكرية إسرائيلية في حدودها مع لبنان ، ومنع أي توتر من شانه توريط ايران في الصراع الحالي
وقالت رويترز أيضا ان فقدان السيطرة على قطاع غزة التي انشأتها حماس والجهاد الإسلامي للعقود الثلاثة الماضية سيؤثر على استراجية ايران في المنطقة.
الحيرة في حياة المجتمع
الانسان القلق المتردد لا يستطيع ان يغير احداث البيئة المحيطة به الا انه يستطيع ان يغير ما بنفسه ومن نظرته الى الحياة واتخاذ ما يلزم وحل كثير من مشاكلها ومتاعبها وضغوطاتها ، يستطيع ان يعيش سعيدا مع نفسه ومع الاخرين ويندمج في مجتمعه وتقبل مبدأ الفروق الفردية بروح إيجابية وان يعيش بحرية وسلام ويتمتع بحياته ويفعل كل ما من شانه لكي يتناغم مع المحيطين به.
فالانسان الإيجابي يتمكن من الصبر على المكاره ويتمتع بنعم الحياة ،ولكن يقبل بالقضاء أيضا ،ويحاول ان يبتعد قدر الإمكان عما يدور في نفسه من دوافع دنيئة ويرضى بالقناعة كما في متناول يده في الحياة الا انه يعرف ان عدم الرضا في حياته قد يجلب له الكثير من الصعوبات تجعله لا يتحمل الضغوط النفسية وينتابه الشعور بالعجز وصعوبة تحمل الحياة الحاضرة ويتولد لديه شعور بالخيبة وكثير من الإحباط ويتطلع الى مكان اخر واشخاص اخرين ومجتمع غير هذا المجتمع ،وقد يدخل في دوامة اكثر تعقيدا وربما ينهار نفسيا بعد فترة قد تقصر او تطول ويعود الى حالة الانطواء وخيبة الامل وتعود المشاعر السلبية لانه لم يستطع ان يكون انسانا سويا ،وقد ينسحب من الحياة ويفقد كثيرا من الأفكار الجيدة والتي قد تكون قد رافقته ابان تكامل شخصيته.
في اللوحة:
مجمل ما فيها تعبر عن حيرة الشخص المجتمعية فالمشاكل الكثيرة العالقة تأسر أفكاره ولم يعد يعرف طريقه الى اين ، وفيها عدد من أفكار في زوايا النسيان تعود ثم تختفي في أعماق ذاكرته لا يعرف في أي درب سيمشي.