الى لُجَيْم بن صَعْب
د.عبد يونس لافي
الى لُجَيْم بن صَعْب
معذرةً يا لُجَيْمُ، ونامي قريرَةَ العينِ يا حَذام!
معذرةً يا لُجَيْمُ،
فإنْ كُنتَ مُحِقًّا في ثِقَةٍ
وضَعْتها انتَ وقومُكَ
في (حَذامِ)،
فإنَّما هو إدراكٌ منك ومنهم
لِما تتمتَّعُ به من رَجاحَةِ عَقْلٍ
ورصانَةِ فِطْنَةٍ،
في زمنٍ نُعِدُّهُ ـ جهلًا ـ جاهليًّا،
فأقوامُنا اليومَ يا لُجَيْمُ
باتتْ تُشَكِّكُ في ذوي العقولِ الثاقِبَةِ،
والنظرةِ البعيدةِ،
ولا تُصَدِّقُ إلا ما تقولُه الأقزامُ،
ويُنَظِّرُ به السُّفَهاءُ والرُّوَيْبِضَةُ،
ممَّن هم في قاعِ غَيِّهم قابعونَ،
وفي ظلامِ جَهْلِهِم سادرون.
رِفْقًا لُجَيْمُ إنْ تَطاولْتُ على شِعْرِكَ
الذي قُلْتَ في حَذامِ،
أقولُ: إنَّ فينا اليومَ مَن يُرَدِّدُ كالبَبَّغاواتِ،
اقوالَ هؤلاءِ الرُّعاعِ وسَقَطِ المتاع،
ويُصَدِّقُ دون وَعْيٍ ولا إدراكٍ،
ما يسمعُ من السُّفَهاء!
اذا قالَ السَّفيهُ فَصَدِّقــوهُ
فإنَّ القولَ ما قالَ السَّفيهُ
ومن شاء فلْيَقُلْ:
إذا قالَ الزَّنيمُ فَصَدِّقــوهُ
فإنَّ القولَ ما قالَ الزَّنيمُ
ولكَ ٍأن تَنْحُوَ هذا النحوَ
لتكونَ شاعرَ (إذا قال ....)،
شريطةَ أن تجمعَ كلَّ ما قالتهُ العربُ
من صفاتٍ تليقُ بهؤلاء.
لقد انْقلبتْ لَعَمْري المفاهيمُ يا لُجَيْمُ،
وتغيَّرتِ الْمَوازينُ،
فلا تعتِبْ علينا،
لقد مُلأتْ مِنّا ـ حَنانَيْكَ ـ القلوبُ قَيْحا!
وأنتِ يا أُخَيَّةُ يا حَذامِ،
يا ابْنةَ الريّانِ،
ارْقُدي قَريرَةَ العينِ،
أعْطَيْتِ قَوْمَكِ الرَّأيَ السَّديدَ
فأطاعوكِ وصَدَّقوكِ،
وكان زوجُك أَوَّلَ الطّائِعينَ المُصَدّقينَ
إذْ قال:
إِذَا قَالَتْ حَذامِ فَصَدِّقُوهَا
فَإِنَّ القَولَ مَا قَالَتْ حَذامِ
ومن أصدقُ من حَذامِ اذا قالت؟
حذامِ، خَلَّدَكِ التاريخُ
لأنَّ عقلَكِ كان نِظامَ إنْذارٍ مُبَكِّرٍ،
سَخَّرْتِهِ بنُبْلٍ وكفاءةٍ،
فنبَّهْتِ قومَكِ لتفادي خطرٍ داهمٍ
من عدُوٍّ تربَّصَ بهِ،
فكان لكِ ولهم ما كان،
من حفظٍ لحِماكُم وعزٍّ به تُفاخِرونَ،
وكذلك هو دَيْدَنُ الشُّرفاءِ
على مَرِّ العصور.
تُرى ماذا سيقولُ التاريخُ
عن شراذمَ يُحسَبون على الأمةِ،
دَعَوْا الغُزاةَ العُداةَ وأدَلُّوهم،
لكي يُحَطِّموا بلادَهم،
ويُلَوِّثوا قِيَمَهم،
ويقضوا على تراثِهم،
ويسرقوا خيراتِهِم،
ويَذَروا بنيانَهم قاعًا صَفْصَفًا،
وهشيمًا تذروهُ الرِّياح؟
فلتبكِ عليْنا البواكي يا لُجَيْمُ،
ولْتَتأَلَّمي لِبَلوانا يا حَذامِ،
فجاهليتُنا أطبقتْ،
فلا بَصَرَ ولا بَصيرَة،
ولكن وقاحةٌ ومُكابَرة!.