إيران: جعجعة القوة والنخر الهائل في الأمن القومي
منذ 20 ساعة
مثنى عبد الله
حجم الخط
6
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d8%ac%d8%b9%d8%ac%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ae%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%2F&title=%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%3A %D8%AC%D8%B9%D8%AC%D8%B9%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A9 %D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D8%B1 %D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%84 %D9%81%D9%8A %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86 %D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A][/url]
إذا كانت طهران تفاخر بأنها تمتلك جيوشا نظامية وغير نظامية جاهزة لمقاتلة الأعداء، وصواريخ بالستية وفرط صوتية، ومُسيّرات انتحارية وغير انتحارية، وعواصم أربع تسيطر عليها بأذرعها، فحري بها أن تعالج النخر الفاضح في أمنها القومي قبل كل شيء. فما جدوى كل هذه القوة العسكرية بينما البلاد مخترقة عموديا وأفقيا. فواحدة من أهم المسؤوليات الرئيسية للأمن القومي هي الكشف عن التهديدات المحتملة. كما إن العمليات العسكرية الحديثة تعتمد بصورة كاملة على فيالق الاستخبارات، التي تقوم بجمع المعلومات عن النشاطات المعادية وتحليلها، وتقديم خلاصة دقيقة عنها في الوقت المناسب لصانع القرار. ولعل اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران كان حزمة الضوء الأكبر، التي تم تسليطها على النخر الفاضح في منظومة الأمن القومي الإيراني.
تقول رواية الحرس الثوري عن حادث الاستهداف، في بيان رسمي، إن ذلك تم بإطلاق مقذوف قصير المدى، زنة رأسه المتفجرة تبلغ سبعة كيلوغرامات ونصف، من خارج مكان إقامة الشهيد هنية، وإن العملية قد تمت بتخطيط وتنفيذ من جانب إسرائيل وبدعم أمريكي. والمُلاحظ أن البيان صدر عن الحرس الثوري وليس عن المخابرات الإيرانية (إطلاعات) أو أجهزة الأمن الداخلي الإيرانية. وهذا دليل واضح على أن الداخل الإيراني والأمن القومي للبلاد تعمهما الفوضى، ويتبين عدم وجود مركزية لأجهزة الأمن. والسبب في ذلك أن إيران الثورة مازالت حاضرة، في حين مازالت إيران الدولة غائبة. ونشأ من جراء ذلك حالة توازي ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الثورة، ووجود مجموعات عمل موازية، ولامركزية في القرار والإدارة، خاصة ما يتعلق بنشاط الأجهزة الأمنية الداخلية الإيرانية لحماية الأمن القومي للدولة. ويبدو أن الإيرانيين لم يتعلموا من التجارب السابقة التي شهدت اختراقات أمنية واسعة، سواء من إسرائيل أو من دول أخرى. وهذا يدل على وجود تخبط كبير جدا ونذير فشل كارثي للجانب الإيراني، وسيستمر ولن يكون الأخير، ما لم تتوحد مؤسسات الدولة الإيرانية على فكرة الأمن القومي.
وإذا ما ذهبنا إلى الروايات والتحليلات الاستخباراتية والتسريبات في بعض الصحف الغربية المرموقة، التي قالت بوجود عبوات ناسفة كانت مخفيّة في مقر إقامة كان الشهيد هنية يتردد عليه لمدة شهرين ولعدة مرات، ثم يتم تفجير هذه العبوات في توقيت محدد وظرف محدد، فإن ذلك يشير إلى أن العناصر، التي تعمل في هذا المجال، لصالح المخابرات الإسرائيلية أو المخابرات الأمريكية، إنما تعمل بحرية تامة، وأن الاختراقات عميقة جدا داخل الدولة الإيرانية. وهذا مؤشر على وجود مجموعات عمل على الأرض من وحدات خاصة إسرائيلية تعمل تحت إشراف الموساد، تتجول في الأراضي الإيرانية، ولديها القدرة على الفعل.
اقتباس :على إيران أن تعالج النخر الفاضح في أمنها القومي قبل كل شيء. فما جدوى كل هذه القوة العسكرية بينما البلاد مخترقة عموديا وأفقياوتكرار هذه الخروقات الأمنية يشير إلى فشل السلطات الإيرانية في معرفة الأسباب ومصادر الخرق ومواقع الملاذات الآمنة للموساد. فإذا كان فريق ما هو من زرع هذه المتفجرات، فمعنى ذلك أن هنالك ملاذات آمنة يتحرك فيها. والملاذات الآمنة في علم الاستخبار هي منازل سرية وسط المدن والأحياء لعناصر الوحدات الخاصة، فيها مخابئ أسلحة ومتفجرات. وإذا لم يتم الاستهداف بهذه الطريقة بل بقصف من طائرة مُسيّرة، فإن ذلك ليس معناه أن الأمن القومي الإيراني بخير، بل على العكس تماما. فهو يشير إلى أن الكيان الصهيوني قادر على استهداف أي شخصية على الأراضي الإيرانية، بمن فيها قيادات الصف الأول في الجسم السياسي الإيراني.
إن ما تعرضت له طهران من خروقات أمنية واسعة أمر مُحرج للغاية، ويدل على أن هنالك معلومات نشطة تصل إلى الجهات المنفّذة، تتعلق بتحركات الأهداف. فعلى سبيل المثال كان فخري زادة مسؤول البرنامج النووي الإيراني شخصا يُحمى بحذر شديد أمنيا، ومع ذلك تم اغتياله. كذلك أبو محمد المصري، أحد قادة القاعدة، الذي لقي نفس مصير فخري زادة على الأراضي الإيرانية. هؤلاء أفراد رفيعو المستوى ويتمتعون بحماية شديدة، وبالرغم من ذلك تمكنت مجموعة من الأشخاص من التعرف عليهم، وتحديد أماكنهم وتحركاتهم، ومتابعتهم ومراقبتهم، واختيار اللحظة المناسبة لاغتيالهم، وكل هذا يتطلب معلومات استخبارية كبيرة جدا.
ثم جاءت عملية استهداف الشهيد إسماعيل هنية، وهي الأكثر حساسية، نظرا لموقعه أولا، وثانيا لأنه كان يتردد على هذا المكان في كل زياراته، وأقام فيه في زيارته ما قبل الأخيرة، أثناء مشاركته في تشييع الرئيس الإيراني السابق رئيسي. وهذا المبنى تابع للحرس الثوري، وهو معروف تماما لمن يتتبع إسماعيل هنية في الداخل الإيراني. وكان يُفترض أن يتم تبديل مكان إقامته بصورة مستمرة، في إطار الإجراءات المستخدمة في حماية الشخصيات المهمة، حسب البروتوكول الأمني المعروف. ويبدو أنه تم رصده بعدد كبير من الوسائل، خاصة وأن الجانب الإيراني لا يسيطر بصورة كاملة على مقدرات الأمن، رغم أنه بعد كل حادثة خرق أمني تحدث في إيران نسمع أنه تم القبض على شبكة تجسس، وكأن هذه الشبكات لا تنتهي.
إن عملية اغتيال الشهيد إسماعيل هنية ربما تمت بطريقة التصفية الجسدية، التي هي واحدة من ثلاث طرق تستخدمها أجهزة المخابرات لتصفية أهدافها، وتتضمن زرع العبوات الناسفة وتجهيز الأماكن بها، وتوقع تردد الهدف عليها. في حين كان اغتيال الشهيد محمود المبحوح على سبيل المثال، أحد أعضاء كتائب عزالدين القسام في العام 2010 في أحد فنادق مدينة دبي، قد تم بطريقة الالتحام المباشر مع الهدف المُراد استهدافه، من خلال التصفية الجسدية. وهذه هي الطريقة الثانية في عمليات الاغتيال، وتتم بواسطة عناصر من وحدة متخصصة في المخابرات الإسرائيلية. أما الطريقة الثالثة من طرق الاغتيال فهي الاغتيال العسكري، وتتم من خلال استخدام الطائرات المُسيّرة أو القوات الجوية، والمثال الأبرز على هذه العملية هو اغتيال قاسم سليماني زعيم فيلق القدس الإيراني، قرب مطار بغداد في العام 2020.
وما يقال عن إيران في مسألة الخروقات الفادحة في الأمن القومي، يقال أيضا عن ذراعها الأقوى في لبنان: حزب الله، الذي يبدو أن أمنه هو الآخر مخترق عموديا وأفقيا. فبعد التطبيل الإعلامي لما قامت به الهدهد 1 والهدهد 2 والهدهد 3، من مسح لكل ما هو موجود على أراضي فلسطين المحتلة، من منشآت مدنية وعسكرية تابعة للكيان الصهيوني، تبيّن أن استخبارات الكيان الصهيوني تعرف تماما من هم قادة الحزب البارزين، وأين يسكنون، ومتى يجتمعون، وكيف يتحركون، والدليل اغتيال الرجل الثاني والأهم في الحزب في ضربة جوية لمبنى سكني، في أحد أحياء الضاحية الجنوبية، وليس في معسكر تابع للحزب.
كاتب عراقي