المنهاج الأردني: سجالات حول حضور سميرة توفيق!!
العربي الجديد:عاد اسم الفنانة اللبنانية سميرة توفيق (1935)، في الأيام الماضية، ليتصدّر المشهد الأردني، بعدما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لأحد الدروس في الكتاب المخصص للصف الرابع أساسي يروي سيرتها. وشن ناشرو هذه الصورة هجوماً لاذعاً على مؤلفي الكتاب ووزارة التربية والتعليم، معتبرين أن حياة سميرة توفيق ليست أولوية للأردنيين، وأنها لا ترقى إلى مستوى التدريس لطلبة المراحل الأساسية، ولا لأن تكون في المناهج الدراسية تربية.
في حين انبرى مدافعون عن الأمر رافضين هذا الهجوم، معتبرين أن فقرة صغيرة تحمل معلومات مبسطة عن فنانة عربية لن تفسد أحداً، والأولى ألا يكون موضع نقاش بالأساس، مطالبين المعترضين من أولياء الأمور بمراقبة ماذا يفعل أبناؤهم في مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من الخوض في مثل هذه "الترهات"، وفق وصفهم.
ليس اسم سميرة توفيق هو الوحيد الوارد في المنهاج المعتمد، لكن المنتقدين وجهوا سهامهم نحوها، فقد حمل الكتاب معلومات عن فنانين آخرين، من بينهم موسى حجازين، وجولييت عواد.
يقول الخبير التربوي محمد أبو عمارة (مالك إحدى المدارس الخاصة في عمّان)، إن تدريس الموسيقى موجود منذ زمن طويل كمادة اختيارية، ومعظم المدارس الخاصة في الأردن تدرّس هذا المساق ضمن خيارات الذكاءات المتعددة.
يشير أبو عمارة إلى أن تدريس الموسيقى على سبيل المثال، يجب أن يهدف لتكوين ثقافة موسيقية لدى الطالب، وتدريبه على الآلات الموسيقية دون الخوض في جوانب أخرى.
يضيف أبو عمارة: "منهاج الفن المُعتمد حديثاً، كان أقرب إلى كتب التربية الوطنية والاجتماعية، حتى أنه لا يمت للفن بصلة، فهو لم يعلم الطالب قراءة النوتة الموسيقية على سبيل المثال، ولا تعلم العزف على الآلات، وإنما يطلب منه حفظ بعض المعلومات ليُمتحن بها لاحقاً".
يؤكد أبو عمارة أن الأهداف العامة لمنهاج التربية الفنية الجديد ليست واضحة، ولا يعلم مبررات وجود هذه المادة، وقد عجز المسؤولون في وزارة التربية عن تسويقها وإقناع الناس بمبرّر وجودها.
يشير أبو عمارة إلى أن معظم الاعتراضات على محتوى منهاج التربية الفنية الجديد، كان على وجود اسم الفنانة سميرة توفيق ولم يعترض أحد على أسماء الفنانين الآخرين، مبرّراً هذه الحالة بقناعة الأردنيين بوجود أسماء من بلدهم غنوا للتراث وهم أولى بتعريف الجيل الجديد بهم، وحتى لو كان الهدف التعريف بفنانين عرب، فهنالك أسماء قد يتفق عليها الجميع، مثل: فيروز، موضحاً أن معظم الاعتراضات كانت على الشخص وليست على الفكرة.
وفي رده على السجالات حول محتوى المناهج الدراسية الجديدة في الأردن، يقول عضو نقابة الفنانين الأردنيين زهير النوباني إن الأمم الحضارية تفتخر بمبدعيها، سواء كانوا علماء أو فنانين ورسامين وشعراء وأدباء.
يشير النوباني إلى أن وجود مادة خاصة بالفن داخل المنهاج أمر إيجابي، لا يمكن الانتقاص من قيمته والاعتراض عليه كفكرة عامة، لكن الخلاف كان حول بعض الأسماء، وهذا الأمر قابل للنقاش في تحديد من يستحق ومن لا يستحق.
يقول النوباني إن الخلاف على الشخوص لا ينبغي أن ينتقص من فكرة وجود هذه المادة في المناهج الدراسية التي تشكل حالة إيجابية عامة، لأن الأمم عبر التاريخ تقاس بمبدعيها، والأمة التي تخلو من وجود الفنانين والمبدعين والمثقفين والعلماء يندثر ذكرها من التاريخ. يشير الممثل الأردني إلى أهمية طرح الموضوع بطريقة مدروسة بعناية تساهم بتحقيق أهداف الفن النبيل ببناء الإنسان سواء كان في الأردن أو على مستوى العالم العربي، ويضيف: "آن الأوان أن تأخذ الثقافة دورها"، ويطالب بأن يكون هذا الملف ذا أهمية كباقي الملفات التي تديرها الدولة بعناية فائقة كونه لبنة أساسية في بناء الدولة الحضارية.
يرجع النوباني حالة الجدل داخل المجتمع إلى وجود جهات لا مصلحة لها في انتشار الثقافة والفن، وتتقصّد تغييبهما لتظل الأمة متراجعة وتعيش حالة تخلف، مشيراً إلى أن بعض الأغاني على سبيل المثال وحدت الشعوب، وكان لها دور في تهذيب النفوس وخلق إنسان سوي من الناحية العقلية والنفسية.
أمام الهجوم الذي تعرضت له وزارة التربية والتعليم وقسم إدارة المناهج في الوزارة، خرجت الحكومة الأردنية عن صمتها من خلال بيان أصدره المركز الوطني لتطوير المناهج (مؤسسة حكومية)، قائلاً فيه إن كتاب التربية الفنية يعتبر إصداراً تجريبياً يقبل التطوير والتعديل وفق الملاحظات الواردة من الطلبة والمعلمين والخبراء وأولياء الأمور.
يضيف البيان: "عمليّة إنتاج الكتب المدرسيّة تمرّ بمراحل متعدّدة من التّدقيق والمراجعة والاعتماد، إذ تبدأ بتأليف مخطوطة الكتاب على أيدي مؤلّفين يعملون وفق معايير علميّة وتربويّة وقيم وثوابت وطنيّة ودينيّة ومجتمعيّة راسخة، ولا يخضعون إلى أيّ نوعٍ من الضّغوط أو الإملاءات، وعند الانتهاء من تأليف المخطوطة تُعرض على أكاديميّين وتربويين من الجامعات الأردنيّة المختلفة لتحكيمها علميّاً وتربويّاً".
وجاء في البيان أن مادة التربية الفنية تضم الأناشيد الدينية والأغاني التراثية، والأهازيج الشعبية والمسرح والرسم والفنون البصرية، بما ينسجم مع تراث المجتمع الأردني. وطالب البيان الناس بعدم النظر إلى المنهاج جزئياً، والحكم عليه بشمولية.