الأيام الفلسطينية (51)
مذكرات فلسطيني عاش أكثر من تسعين سنة
عاد المعلمون من الجزائر في العطلة الصيفية، ونظرا لسوء حالة الدولة الجزائرية المالية بسبب حرب التحرير والاستيلاء على أموال البلاد من قبل المستعمرين الفرنسيين لم تستطع وزارة التربية والتعليم صرف رواتب آلاف المعلمين الذين تعاقدوا مع الحكومة الجزائرية على أمل أن تصرف الرواتب عند الدخول المدرسي من تلك السنة الدراسية، ولما كان بعضهم لا يرغب في العودة إلى العمل طالبوا برواتبهم، فلم يجدوا من يستجيب لهم. وعندما يئسوا من الوصول إلى حقوقهم جاء وفد منهم إلى المنزل ليعرضوا عليّ مشاكلهم مع الجزائر، وخلال وجودهم في بيتي اتصلت برئيس التشريفات الملكية السيد إكليل الساطي، وطلبت منه تحديد وقت للتشرف بمقابلة جلالة الملك، وقد حددت عدد الأشخاص الذين سيرافقونني ب 15 شخصا، فوعدني بعرض الأمر على الملك الحسين. هذا ولم تمض إلا مدة قليلة حتى اتصل بي السيد إكليل، وأبلغني موافقة الملك على المقابلة، وأردف قائلا الملك يريد أن يرى شعبيتك، وإذا أمكنك أن يكون عدد مرافقيك أكثر فلا مانع. ولما سمعت ذلك دعوت المعلمين وغير المعلمين إلى مرافقتي لمقابلة الملك، كان عدد الذين رافقوني أكثر من مائة رجل وامرأة، وعندما وصلوا القصر ضاقت بهم حجراته رغم اتساعها. رأى السيد إكليل العدد الهائل ممن أرادوا التشرف بمقابلة الملك الحسين، وتقدم مني، وهو يبتسم، وقال "خدعتنا! من أين أتيت بهذا العدد الهائل؟" فأجبته، من شعبيتي. وهنا طلب مني أن أستقبل الملك وهو في طريقه إلى القاعة التي يمكث فيها الوفد الذي رافقني، وكانت تلك لفتة هامة لا يحظى بها إلا من هم سائرون إلى كرسي رئاسة الوزراء، خاصة وأن وقوف الحسين على شعبيتي وحسب مطلبه بالذات قد كان كاملا. ولما دخل الملك وجدني على باب القاعة في استقباله، وقد كان بمعيته رئيس الوزراء المرحوم وصفي التل ومرافق جلالته العسكري وكذلك مرافق رئيس الوزراء العسكري، وقد أخذت الصور لي والملك ومرافقوه. وبعد إلقائي كلمة الوفد بين يدي الملك أخذ المصورون يلتقطون الصور لكل معلم أو معلمة مع جلالة الملك حيث طلب مني أن أقف إلى جانبه لأعرفه على كل من يمر بيننا سواء أكان ذكرا أو أنثى. وبعد ذلك، دعاني الملك إلى مكتبه كي أشرح له قضية المعلمين وطلباتهم، فشرحت له القضية وفصلت الطلبات لكني أردت الارتقاء بالأمر وأرد على الملك دون أن يسأل ما يرد عليه رئيس وزارة هو جدير بها، فقلت بدعم الجزائر في أزمتها المالية والاقتصادية عن طريق توسط جلالته لدى أشقائه السعوديين وأمراء الخليج. ابتسم جلالة الملك، ووعدني القيام باللازم، وابتسمت بدوري لأني كنت وفيا لعروبيتي ومواقفي. عاد الملك إلى القاعة التي يحتلها أعضاء الوفد، وأنا برفقة رئيس الوزراء ورئيس التشريفات والمرافقون العسكريون، وخاطب الحاضرين بما يطمئنهم على حقوقهم ثم أوصاهم بأن يخلصوا في عملهم وأن لا يتدخلوا في الشؤون الداخلية للبلاد وأن يكون كل واحد منهم سفيرا للأردن حتى يعطي الوجه الأبيض للأردن والأردنيين. وبعد ذلك، خرجنا جميعا من القاعة، ووقفنا على باب القصر للصورة التذكارية.
أمين القاسم