سعود الأسدي
بقلم : الداعي بالخير: صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
في تعقيب على ما نشرته الأنباط
الشاعر سعود الأسدي ، صفحات غير مقروءة
طالعت بمزيد من الأهتمام ما نشرتموه يوم الجمعة 20/1/2006 م ، في الملحق الثقافي ، عن شاعر فلسطين الكبير ، الأستاذ سعود الأسدي ، وهو شاعر كبير ، ربما لم يأخذ حقه من الأنتشار الأعلامي الذي يليق به ، وبمكانته ، ولم تسلط عليه الأضواء التي يستحقها ، ولم تبن قامته العالية كما ينبغي لها أن تبان ، فهو يكاد يكون مجهولا ، مع أنه نار على علم ...!!!
أثناء اقامتي في فلسطين لنحو ثلاث سنوات متقطعة ، بواسطة تصاريح زيارة من السلطة الفلسطينية ، من 1998 - 20001 وكنت أعمل في اذاعة خاصة ، اسمها (صوت الحب والسلام) ، كان يمتلكها اعلامي مميز اسمه (معتز بسيسو) ، وكان مقرها في مدينة رام الله ، عروس فلسطين الجميلة ، وكنت أقدم برنامج لثلاثين دقيقة يوميا ، عنوانه (لقاء الداعي بالخير) ، برنامج ثقافي اجتماعي تراثي ساخر ، حقق سمعة طيبة بحمد الله تعالى ، وكنت التقط معظم مادته من شفاه الناس ، ومما اختزنت ذاكرتي على مدى سنوات طويلة من الكتابة والمطالعة والقراءة ، ومن بطون الكتب الترتثية ، وحيث يحب الناس الأستماع للتراث أكثر من قراءته ...!!
وبينما كنت أبحث ذات يوم على رفوف مكتبة بلدية رام الله وقعت فيما وقعت على صيد ثمين ، وهو ديوان شعر بالمحكية أسمه (عَ الوجع) للشاعر سعود الأسدي ، وكنت لأول مرة أسمع بأسم ذلك الشاعر العملاق ، وعرفت انه عملاق بعد أن قرأته وتمعنت فيه ، وذاب في قلبي هو وكلماته كما يذوب السكر في الماء الساخن ...!!!
وقد قرأت كل قصائد الديوان من خلال برنامجي المذكور ...!!!
وذات يوم وجهت لنا مؤسسة الكرامة للدراسات الأستراتيجية ، والتي كان يرأسها الشاعر الشهير والقائد الفتحاوي الراحل صخر حبش أبو نزار ، وكانت فرصة لألتقي ذلك الشاعر الكبير ، الذي ملأ نفسي ووجداني بعبقريته الشعرية ، وطريقة إلقاءه للشعر ، وحضوره الذي يملأ المكان بهجة ، وليلتها أهداني ديوانه الرائع (شبق وعبق) ، وقد كان صدر لتوه ، ودعوته ، واصطحبته الى ستوديو الأذاعة ، وخرجنا بحلقة على الهواء ، قمت بتسجيلها وأعدت بثها في أوقات أخرى ، وتوثقت بيننا العلاقة ، وصار بيننا اتصالات ، وقد تشرفت فعلا بمعرفة هذا الشاعر الكبير ، الذي يفيض الشعر من نفسه الكبيرة ...!!!
واتيحت لي فرصة اللقاء مرة أخرى ، وسجلنا معا حلقة من برنامج كنت أعده وأقدمه حينها اسمه (سياحة ثقافية) ، وقد استضفنا به المرحومة فدوى طوقان ، وقد قمت بزيارتها في بيتها في نابلس ، لأنها كانت مريضة ، ولا تستطيع مغادرة بيتها ، واستضفنا الشاعر المتوكل طه ، وغيرهم كثير ..!!
ولكننا لا نريد الأبتعاد عن الحديث عن شخصيتنا المحورية ، الشاعر الكبير سعود الأسدي ، فقد استضفته في برنامج خاص في قناة الشرق ، حيث كنت أعد وأقدم برنامجا عنوانه (شعبيات الداعي بالخير) ...!!!
وتوثقت الصلة بيننا أكثر ، ورغم ان زياراته لرام الله كانت قليلة ، لبعد المسافة بينها وبين الناصرة ، إلا أنني كنت سعيدا بكل لقاء به ، فهو استاذ وكنز معلومات ..!!
أما أطرف ما حدثنا الأستاذ سعود الأسدي فقد قال : عند وقوع باقي فلسطين تحت الأحتلال سنة 1967 م ، وازيلت الحدود بين شطري فلسطين ، ذهب الشاعر الفلسطيني الراحل الدكتورعبد اللطيف عقل ليتعرف الى رموز الثقافة في فلسطين المحتلة 1948 م ، وهناك تعرف الى الشاعر سعود الأسدي ، وكان يقود سيارة قديمة ، ركب الأسدي الى جواره ، وكانت احتفالات أظن بألفية الشاعر (أبو الطيب المتنبي) ، وقد نظم الأسدي قصيدة عصماء بالشاعر والذكرى ، وكان يلقي على اسماع الدكتور عقل بعض أبياتها ، ولكن الدكتور كان منصرفا عنه بمشاهدة مناظر فلسطين الساحرة ..!!
وعندما أدرك انه منصرف عنه قال له : وأنا لدي نوع آخر من الشعر ، فقال له : هات أسمعني ...!!!
وصار يقرأ على أسماعه قصيدة محكية هزت وجدانه وداس كوابح السيارة ، فارتطم رأس الأسدي بالزجاج ، فقال له معاتبا : قتلتني ، فرد عليه : (خرجك) ، أي تستحق ، فالمتنبي قتله بيت من الشعر ، ولتقتلك أنت قصيدة ...!!!
ثم وقف أسفل جبل شاهق تعمل تحته جرافة صغيرة ، وقال له : أرأيت هذه قصيدة المتنبي ..؟؟
انها مثل عمل هذه الجرافة الصغيرة تحت هذا الجبل ، فكم ستأخذ منه يا ترى ؟؟
أما قصيدتك الأخرى فأنها تعلن عن شاعرية كبيرة نحن بحاجة اليها ..!!
والأسدي شاعر كتب الفصحى ، وكتب المحكية ، او العامية ، ولكن الفصحى لم تقدم أو تزيد في شخصية سعود الأسدي وفي شعبيته ، أما العامية فقد صنعت منه نجما ، وهي أكثر صعوبة من من الفصحى ، ولا يجيدها ويبدع بها الا العمالقة أمثال سعود الأسدي ...!!!
وسعود الأسدي شاعر ابن شاعر ، وهما معروفان في شمال فلسطين ، وقد قال لي مرة : أن أباه كان يريده شاعرا يكتب الفصحى ، حتى يكون شاعرا يشار له بالبنان وليس شاعر أفراح ومناسبات ، وحاول تحقيق أمنية أبيه ، وقد أجاد الفصحى كما أجاد المحكية ولكنه أبدع بالمحكية أكثر ..!!
ولأبي تميم اسلوب رقيق دفاق ينساب بالقلب وينعش النفس ، وله أسلوب بالألقاء لا ينافسه أحد عليه ، فتتلاشى النفوس أمام فيض الشعر عند الأستماع لشعره والقاءه .
وللشاعر الأسدي شخصيته الجذابة وكاريزيما خاصة ، فهو متحدث بارع ، وكيف لا وهو قد اشتغل في التعليم لنحو 30 سنة ، (الله يعينا على الصدق) ، وعندما قابلته أخر مرة سنة 2000م كان عمره 63 سنة ، واثناء اللقاء التلفزيوني سألته : متى ينتهي اهتمام الرجل بالمرأة ؟؟ وأنت الآن بعمر 63 ، كيف تجيب على هذا السؤال ..؟؟؟
فانشرح وابتسم وقال : ان اهتمام الرجل لا ينتهي بالمرأة أبدا ، فهي وحي الشاعر ومنبع ومصنع شاعريته ، وهي التي تشرق في حياته كالصبح وتضيء حياته وتجعلها تفيض بالبهجة والسرور ، فإذا انتهى اهتمامه بها ، غربت شمس حياته وانتهى أمره ..!!
وكنت سألت السؤال نفسه للفنان الأردني الكبير توفيق النمري ، وكان قد بلغ 84 سنة ، فضحك وقال (لما يهيلوا عليه الترابات) ...!!!
سعود الأسدي كما قلنا قامة شعرية عالية ، ونفس رقيقة بسيطة ومتواضعة ، أحب العربية فأتقنها ، ودافع عنها ، وكتب بها وعنها ، وكانت رسالته بالمحكية اكمالا لوجهها الآخر وليس خيانة لها ، وعَلمَها كما تعلمها ، بل أضاف لها مما في قلبه من حب واخلاص لها ، فهو يعيش في ظلال اسرائيل الكريهة التي تعادي العرب والأسلام ، والعربية خطر عليهم لأنها تجمع ولا تفرق ، ووجودهم يقوم على التفرقة ، فقام برسالته على خير ما يقوم بها الحارس اليقظ ، شأنه شأن درويش والقاسم وزيّاد وغيرهم ، ممن ذاع صيتهم وممن لم يذع ...!!
ومن أجمل ما كتب الأسدي في ديوان (عَ الوجع) ، وهو أحب ما كتب ونشر الأسدي الى نفسي ، قصيدته الرائعة عن خالته ثريا ، التي هرمت وتشققت قدماها ويبس لحمها كعظمها ، ولا زالت تزرع قطعة أرض بسيطة تركها العدو لها من أرضها الكبيرة التي كانت ، فكان انتاجها ضعيفا وسيئا ، لأنعدام البيئة الزراعية للعرب في ظل الأعداء ، وأن العدو عندما يأتي بالمهاجرين الى المستوطنات الزراعية والكيبوتسات يجعلهم يعملون بالزراعة والأرض ، ليحبوا الأرض ، ويشعرون بالمواطنة ، وعلى العكس مع العرب ، فهو يقدم لهم الأغراءات المادية والعمل المريح المجزي المربح ، حتى يستل الأرض وحبها من قلوبهم فتهون عليهم ..!!
ولكن خالته ثريا كانت عصية على التدجين ، ولم يستطيعوا قتل حب الأرض من قلبها ، فلا زالت تزرع البندورة ذات الأنتاج الضعيف السييء والمكلف .. وهي من أروع الصور الوطنية يرويها رجل نشأ وعاش تحت الأحتلال ، وقاوم وناضل بالكلمة والفكرة ، وتصحيح اللسان الأعوج وتقويم اللغة ..!!!
وكتب عن راعية الغنم التي ألجأها المطر والرعد الى المغارة ، فدخلت (توحوح) من البرد ، و(تحوحي لغنماتها) ، وهي تنفخ في كفيها استجلابا للدفء ، فكانت صورة بهية رائعة تفيض شاعرية ، وعاطفة جيّاشة ، كما عرفنا كل شعر سعود الأسدي ..!!
سعود الأسدي جمع في دواوينه الأخرى التي لم تهييء لي الظروف قراءتها ، ولكنني عشت (عَ الوجع) و(شبق وعبق) ، ولقاءين اذاعيين ، ولقاء تلفزيوني ، كنت حرا فيما أسأل الشاعر ، وكان كريما بالأجابات ، وأمسية رائعة في مركز الكرامة للدراسات لمدة ثلاث ساعات ، كنا نزداد شوقا اليه كل ما مر الوقت ...!!!
وكانت اتصالاتنا الهاتفية في مناسبات شتى تقربني من الشاعر أكثر ، فكانت فترة عملي الأذاعي القصيرة ، من أجمل فترات عمري ، قربتني من رجال عظماء في الأدب والثقافة ، لم تتح لي مثلها في الأردن لأسباب بالعشرات لا مجال لشرحها ...!!!
كم أتمنى على الجهات الثقافية استضافة الشاعر سعود الأسدي كما استضافت عبد الرحمن الأبنودي وغيره ، ورقم هاتفه لا زال بحوزتي ، وله موقع خاص على الأنترنت ، ممكن لكل من أراد أن يدخل بأدخال اسمه ..!!
وفي الختام أوجه التحية لجريدة (الأنباط) التي نشرت نبذة عن حياة شاعرنا الكبير ، فأعادت الى نفسي وهجه وشوقي لتلك القامة الأدبية الكبيرة ، وكتابة هذه الأضافة ، فـَ (أبو تميم الغالي) يستحق أكثر من ذلك بكثير .
نشرت في جريدة الأنباط الأردنية في يوم الأربعاء الموافق 25/1/2006 م
http://www4.0zz0.com/2010/03/27/12/668939012.jpg
الداعي بالخير
صالح صلاح شبانة
http://turath.mo5ayam.com/vb/index.php
منتديات سنجل الباسلة
الموقع الشخصي للكاتب والباحث صالح صلاح شبانة