أحلام فلسطينية بقمر بحري
أيمن خالد
2010-10-26
قبل الحديث عن القمر والبحر، علينا أن لا نغرق شعبنا في بحر من الأمنيات ونحن نتحدث عن إنهاء ظاهرة الانقسام، وكأن المسألة سهلة يمكن تجاوزها بعدة لقاءات، أو كأن الأطراف ذاتها التي انقسمت على بعضها تستطيع أن تصلح الأمر فيما بينها، وهذا بالطبع غير ممكن، فالانقسام ونهاية الانقسام ليس وليد اختيار ذاتي، بل نتيجة طبيعية تحدث في كل الأمم، غير أن ما وصلنا إليه فيه بعض الاختلاف وبعض التصرف.
بداية، كل القوى والقيادات التقليدية عبر التاريخ تميل إلى المفاوضات والحوار، وكل من يقترب من هذه الطبقة السياسية يبدأ بممارسة ذات السلوك، فتجربتنا الأولى في الانقسام ظهرت مع بدء المشروع الصهيوني في بلادنا، بين القوى التقليدية وبين عامة الناس التي خالفتها وصنعت الرفض وأوجدت نواة وفكرة الثورة وكان الانقسام له طابعه التقليدي والطبيعي، فلا حرب مباشرة فيه بين الأطراف المنقسمة على بعضها، وهذا لأن المكاسب لم تكن موجودة بيد الشعب، وإنما بيد القوى السياسية التقليدية، ففي تلك الحالة لن تنافس القوى التقليدية الشعب على التضحية، لأنها غير معنية بدفع الثمن، ولن تحارب الشعب لأنها تريد السلطة بلا ضجيج، ولكنها بالطبع سوف تتآمر ضد ظهور أي ثورة شعبية، ليس لحالة العداء مع الثورة ذاتها، ولكن طبيعة الثورة التي ستفرز قادة جددا، سيشكلون خطرا على القادة التقليديين الذين يأفل نجمهم ويتبدل زمانهم.
بالتالي الانقسام ظهر في فلسطين فعليا قبل ثورة 1936 عندما بدأ عامة الشعب يلتفون حول القسام وآمنوا بمشروع الثورة في حين النخبة ظلت تؤمن بجدوى الحل السياسي والتفاوض مع بريطانيا.
أما الانقسام الجديد في الساحة الفلسطينية بين فتح وحماس فهو انقسام من نوع مختلف وهو نادر في حالات الشعوب فهناك تواز بالقوة بين الطرفين في جغرافيا واحدة في ظل برنامجين مختلفين افرزا انقساما طبيعيا، نتجت عنه استحالة حدوث الاتفاق بين الطرفين ويرجع ذلك لسبب واحد أن المعادلة التي حكمتها جغرافيا الانقسام حكمتها معادلة جديدة، وهي وجود قوتين في ارض واحدة ومكان واحد وبرنامجين. لكن شكل الانقسام لم يكن بين الشعب والسلطة وهو ليس انقساما أو خلافات معارضة وسلطة، إنما هو انقسام سلطتين بالشكل والمضمون والجوهر الصراع فيه لا يمكن أن يلتئم بمجرد الاتفاق على مواضيع سياسية معينة
فليس ثمة انقسام بالمعنى التقليدي بين حماس وفتح ولكنه صراع بين قوتين تمثلان هرم السلطة لذلك فإن مسألة التوافق بين هرم السلطة لا يمكن أن تصل إلى نتيجة مرضية لكلا الطرفين دون تنازلات مؤلمة، هي أصلاً غير متاحة ولو بالحدود الدنيا لاختلاف طبيعة البرنامجين.
وأما ما يمكن أن نسميه انقساما فهو الحالة الشعبية في الضفة والحالة الشعبية في غزة ومقدار تناقضها أو انسجامها مع القوة الحاكمة في كلا المكانين، وأظن أن أي توصيف آخر عن الانقسام لا يبدو منطقيا. فبمجرد دخول حماس إلى السلطة انتقلت عمليا إلى موقع الصراع داخل إطار السلطة وكل ما جرى بعد ذلك هو صراع داخل حدود السلطة لا نستطيع أن نسميه انقساما، لذلك فإن ترميم العلاقة بين فتح وحماس لا يعني ترميم العلاقة بشكل كامل في الساحة الفلسطينية، وإنما يعني ترميم العلاقة وإعادة مزج العلاقة بين طرفي السلطة، وبما أن برنامج حماس لا يلتقي مع برنامج فتح فان هذا النسيج يستحيل أن يكتمل وأي كلام عن الاتفاق هو مجرد وهم وتضليل للشعب الفلسطيني الذي يوجد بينه وبين قياداته بالأصل شرخ وانقسام كبير لا ينتهي بنزول القيادة ببيان سياسي هو انقسام يعيد إلى الذاكرة العلاقة بين القوى التقليدية في أية منطقة وبين المحيط السياسي.
أرى أنه مع دخول حماس إلى السلطة فقد خرجت من دائرة الانقسام الفلسطيني بالمعنى التقليدي وهي عمليا دخلت في لب الصراع داخل السلطة ودخلت الساحة الفلسطينية في الوضع الحالي بشكل تلقائي، بمعزل عن الإشكالات الأمنية التي حدثت والاقتتال وغيره، وكان يستحيل اتفاق حماس وفتح، فالصراع قائم ومستمر لكنه صراع اخذ بعده الدموي بحكم وجود السلاح بين الطرفين وأصبح أداة تعبيرية، لكن كل هذا القتال والصراع السياسي المعلن، هو مجرد تعبير عن واقع جديد وهو ان تصبح المقاومة سلطة، فهي لا تستطيع ان تترك مكتسباتها، وبالمقابل ستمارس حماس السلطة بشكلها التجريبي، وسيصبح تراكم الأخطاء إضافة جديدة للانقسام داخل بيت السلطة، وستصبح المقاربة بشكل تلقائي وطبيعي، وسيدخل الإعلام والشارع معا في مقارنة أخطاء السلطتين هنا وهناك.
هناك معادلة مهمة، وهي أن حركة فتح هناك من يعمل على محاولة إقصائها نهائيا، بحيث تغادر السلطة ذاتها ولكن مع بقاء السلطة، ضمن قوالب وأدوات جديدة، لذلك هناك معادلة يمكن طرحها، ونعلم أنه لا احد سيقبل بها، وهي أن تتحاور حماس وفتح ليس على السلطة،..ربما هي نظرية غير منطقية، خصوصا وأن الشيء المنطقي الظاهر أمامنا أن الصراع القائم على السلطة لا حل له، فنحن كسلطة، أقرب لأن نحتاج لتبادل السفراء بين رام الله وغزة، فهذا يبدو عجيباً، لكن فيه رحمة، وفيه على الأقل تواصل، وأما قصة تقسيم الوطن، فدعونا منها، لأن فلسطين تحمل جغرافيا فيها نقاط جذب هائلة، تاريخية ودينية وثقافية وطبيعية وغيرها.
أخيراً البحارة يحلمون في الليالي المظلمة بقمر بحري وسماء صافية، وهذا الحلم في منطقتنا الهائجة، هو جريمة ونوع من الخداع للناس.
' كاتب فلسطيني