توليه منصب المدير الفني للمنتخب الأرجنتيني لكرة القدم أضر بشعبيته بعض الشيء ، لكن لا أحد يمكنه أن ينفي عن مارادونا شرف تسجيله اثنين من أهم الأهداف التي شهدتها كرة القدم عبر تاريخها.
ففي غضون خمس دقائق فقط أحرز مارادونا الذي يكمل غدا السبت عامه الخمسين ، هدفين مختلفين ونادرين: "يد الرب" و"هدف القرن".
كان ذلك في 22 حزيران/يونيو عام 1986 على استاد "الأزتيك" في دور الثمانية لمونديال المكسيك. الأرجنتين وإنجلترا تتواجهان بعد أربعة أعوام فقط من حرب فوكلاند ، و20 عاما من مباراة مثيرة للجدل في مونديال 1966 على ملعب ويمبلي انتهت بطرد قائد المنتخب الأرجنتيني أنطونيو أوبالدو راتين ، وبعد نهايتها وصف المدير الفني للإنجليزي ألف رامزي لاعبي الأرجنتين بأنهم "حيوانات".
بعد 20 عاما من المواجهة الأنجلوأرجنتينية ، سيعود الفريقان إلى اللقاء في فصل لا ينسى.
في الدقيقة 51 يتلقى مارادونا الكرة ويمررها إلى خورخي فالدانو الذي تلمس كرته المدافع الإنجليزي ستيف هودج. وتسقط الكرة بلا صاحب في منطقة الجزاء وتبدو مضمونة للحارس الإنجليزي شيلتون.
لكن شيلتون بدلا من أن يستفيد من فارق 19 سنتيمترا لمصلحته في الطول من أجل القضاء على الخطورة ، يرى كيف يثب مارادونا ليحرز هدفا كان يبدو مستحيلا. كثيرون لا ينتبهون إلى أن مارادونا استخدم يده اليسرى ، وتدخل الكرة الشباك ويحتسبها الحكم التونسي علي بن ناصر. حينها ولدت قصة "يد الرب".
في الدقيقة 54 ، يتلقى مارادونا الكرة قبل خط المنتصف بنحو عشرة أمتار ، إثر تمريرة لهيكتور إنريكي. ولدت حينها لحظة فريدة استغرقت نحو 14 ثانية في 60 مترا ، وانتهت "بهدف القرن".
مر مارادونا من أكثر من نصف المنتخب الإنجليزي هودل وريد وسانسوم وبوتشر وفينويك والحارس شيلتون قبل أن يسجل الهدف الثاني ، الذي لعب فيه خورخي فالدانو دور المتفرج. ولا يزال فالدانو يتذكر الحوار الذي جمع بينه وبين مارادونا في غرف اللاعبين بعد دقائق من نهاية اللقاء بفوز الأرجنتين 2/1 .
قال له مارادونا حينها "أردت تمرير الكرة إليك ، لكنني لم أجد مساحة"، فرد فالدانو مندهشا"وهل كنت تراني من الأصل؟"، فرد الأسطورة "بالطبع ، فقد انطلقت أنت كدعم لي على القائم البعيد ، لكنني لم أتمكن من تمريرها إليك".
وبعد مرور عقود ، لا يزال فالدانو يتساءل بنفس الدهشة "بأي جزء من جسده رآني؟ ... لقد شاهدت اللعبة آلاف المرات ، ويمكنني أن أستبعد بكل تأكيد أن يكون قد فعل ذلك بعينيه".
ذلك الهدف ، الذي اختير "هدف القرن" في تصويت للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على شبكة الإنترنت ، بدأ صنعه قبل تسجيله بخمسة أعوام ، والغريب أن ذلك كان في أكثر معابد الكرة الإنجليزية قدسية: استاد ويمبلي.
فقد التقى المنتخبان الأرجنتيني والإنجليزي وديا في 13 آيار/مايو 1981 ، وكانت اللعبة نسخة من الهدف الذي أحرزه في المكسيك ، لكنه بدلا من محاولة مراوغة الحارس ، اختار التسديد لتحف الكرة بالعارضة.
وبعد قليل من نهاية تلك المباراة تلقى مارادونا اتصالا من أحد شقيقيه الصغيرين ، هوجو ، الذي نبهه إلى خطئه رغم أن مارادونا رد عليه قائلا "بالطبع ، من الخارج يكون الكلام أسهل".
لكن هوجو البالغ من العمر حينها سبعة أعوام أجابه قائلا "لا ، كان الأفضل أن تحتفظ بالكرة وتلف بجسدك إلى الخارج وتنهي اللعبة بيمينك. أتفهم؟".
وبعد خمسة أعوام ، جاءت الفرصة من جديد إلى مارادونا وأثبت أنه قد فهم.
وأوضح اللاعب في سيرته الذاتية "لحظتها لم أفكر في ذلك ، لكن بالتأكيد جال الأمر بخاطري ، لأنني فعلت كما كان شقيقي قد أخبرني".
ذلك الهدف كان أكثر من مجرد هدف: "إنه الهدف الذي يحلم به المرء منذ الطفولة. يبدو لك أنه من غير الممكن إحراز هدف كهذا ، أنه يمكنك فقط أن تحلم به ، لكنك لن تحرزه أبدا".
كما كان الهدف الأول أكثر من مجرد هدف: "كان ثأرا ، كنا بمثابة استعادة جزء من فوكلاند".
لم يكن الإنجليز فحسب هم أعداء مارادونا والأرجنتين في ذلك اليوم. كان ذلك الهدف ثأرا من استاد الأزتيك كله الذي كانت غالبية جماهيره ال114 ألفا ضد الأرجنتين.
ويتذكر مارادونا اليوم ذلك الأمر: "لاتينيون؟ لا شيء من ذلك. لقد كنا ضيوفا على الأزتيك بالتأكيد وليس أصحاب أرض".
بالنسبة للإنجليز سيبقى هدف مارادونا دائما هو "يد الرب". فقد أوجز جاك تشارلتون في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) الأمر بقوله "إنه غشاش ، وأفلت بما فعل"، بينما قال شيلتون مؤخرا "لقد فقد فرصة التدليل على مكانته كلاعب كبير ، لأن العالم كله يتذكر تلك الواقعة".
لكن بالنسبة للأرجنتينيين سيبقى هدف مارادونا دائما هو الثاني. يقول ليونيل ميسي "الهدف هو الملعوب ، إنه الأجمل. لقد رأيته مرات عديدة".
وماذا عن مارادونا المدير الفني؟ لقد خرج الأسطورة مطأطأ الرأس بعد الخسارة أمام ألمانيا صفر /4 ليخرج الفريق الأرجنتيني من مونديال جنوب أفريقيا ، لكنه لا يزال كلاعب مقترنا بتلك الدقائق الخمس الاستثنائية على استاد الأزتيك.
وقبل أعوام تقابل مارادونا في ستوديو تليفزيوني مع الحكم التونسي ، وفتح عينيه من الدهشة لدى سماعه ما قاله له الرجل.
فقد قال بن ناصر "إنني أعتبر نفسي شريكا في ذلك الهدف (الثاني). دون حكمي لم يكن ممكنا. كانت أمامي فرصة احتساب خطأ (لمارادونا) في اللعبة مرتين أو ثلاثة ، لكنني طبقت قانون إتاحة الفرصة. إنني فخور للغاية بأن ذلك الهدف قد دخل التاريخ كأفضل أهداف كأس العالم بفضل قراري".
ووضع مارادونا يديه على رأسه وأطلق ضحكة مجلجلة قائلا: "شكرا جزيلا ، دونك لم أكن لأصبح شيئا".