محلل اميركي: اذا لم تقم دولتان فستكون هناك دولة واحدة وسيشكل الفلسطينيون الغالبية فيها بعد وقت قريب
الجمعة فبراير 12 2010
مستقبل عملية السلام
نيويورك تقول صحيفة "انترناشونال هيرالد تربيون" الاميركية في تحليل نشرته في عددها الصادر اليوم ان الصهيونية والقومية العربية فشلتا على مدى اكثر من عقد من الزمن في العثور على تفاهم على العيش في الاراضي المقدسة. وتضيف انهما حاولتا ملء الفراغ الذي خلفته امبراطورية منهارة، ووجدتا امامهما ما يشبه الامبراطورية مع ظهور الولايات المتحدة على المسرح تحاول دفعهما نحو التعايش السلمي. ولكن المحاولة فشلت ايضا.
وكتب المحلل الصحافي روجر كوهن في الصحيفة يقول ان الرئيس الاميركي باراك اوباما تولى مهامه منذ أكثر من عام، وكان يحمل معه وعودا بالافكار الجديدة، والتقارب مع العالم الاسلامي، والتركيز المتواصل على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. الا ان عذب الخطاب لم يتمكن من التغلب على الجمود العنيد. "وقد قيل لي ان هناك ودا مفقودا بين اوباما من ناحية ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو من ناحية اخرى".
"السياسات الداخلية في الولايات المتحدة تدعو الى افكار مبتكرة، بل ونقاشات علنية، في ما يتعلق بالمسيرة التي لا نهاية لها، ألا وهي البحث عن السلام. وحسب ما اشار اليه أرون ديفيد ميلر، الذي عمل جاهدا لفترة طويلة في اوحال هذه المسيرة، انتهى الامر بالولايات المتحدة الى القيام بدور "محامي اسرائيل" بدلا من الوسيط المؤتمن.
"اعتقد ان الضغوط لم تغير مسارها، فيما اخذت تتنامى الحاجة لأن ينفذ اوباما وعوده الانتخابية. فالصراع قد أخذ يقضم الامن الاميركي، وينهش اي حتمال ناء لا يزال باقيا لحل الدولتين، ويجعل مستقبل اسرائيل غامضاً، ويشتت الفلسطينيين ويلتهم كل محاولة لجسر الهوة بين الغرب والاسلام.
"غير انني اومن بان عقودا من الاضطهاد توجتها المحرقة النازية حفزت على خلق شعور حتمي لقيام دولة يهودية، اسرائيل، ومطالبة اميركا بان تحمي تلك الدولة في حال التصدع.
الا انه لا يمكن ان ينظر الى الاضطهاد الماضي لليهود على انه ترخيص لتعريض شعب اخر، اي الفلسطينيين، للامر ذاته. كما انه لا يمكن للوعود الاميركية الرسمية بالوقوف الى جانب اسرائيل ان تكون صكا على بياض للدولة اليهودية عندما تتعرض سياسات اميركا بشأن اهدافها المعلنة للخطر.
" واحدى السياسات الاسرائيلية تتعلق بعمليات الاستيطان المتواصلة في الضفة الغربية.
عواقب تأخير قيام الدولة الفلسطينية
فقبل عقدين من الزمن، اعلن وزير الخارجية الاميركية آنذاك جيمس بيكر "رفض الضم، ووقف النشاط الاستيطاني". وبعد عشرين عاما وقف باراك اوباما في القاهرة ليقول ان "الولايات المتحدة ترفض الاعتراف بشرعية استمرار الاستيطان الاسرائيلي". وفي ما بين هذين الموقفين تضاعف عدد المستوطنين اربع مرات من 78 الفا في العام 1990 الى حوالي 300 الف العام الماضي.
"ومنذ خطاب اوباما، قام نتنياهو بزرع شتلات في المستوطنات واعلنها جزءا من اسرائيل "الى الابد" رغم وعوده بفرض تجميد نسبي. ومثل هذا التحدي يؤدي عادة الى تداعيات في العلاقة الطبيعية بين حليفين، من النوع الذي اعتقد انه يمثل تلك العلاقة بين اميركا واسرائيل. الا انه لم يحدث شيء من هذا في العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة واسرائيل.
ان الولايات المتحدة تضع نصب اعينها سلاماً قائماً على اساس دولتين.. الا انه يوما بعد يوم، ومترا مربعا بعد متر مربع، بدأت تختفي المساحة الفعلية للدولة الثانية - فلسطين. فهل يمكن ان ينظر الى قطاع غزة الضيق كعلبة السردين والضفة الغربية المقسمة الى اجزاء منفصل بعضها عن بعض على انهما اكثر من مسخ متنافر للدولة المفترضة؟
لقد سمحت اميركا لعملية الهزيمة الذاتية هذه ان تصل الى نقطة تقرب من عدم امكان وقفها وعكسها. بل انها في الحقيقة ساعدت في دعم هذا الوضع. فالمستوطنات كثيرة التكلفة وكذا الامر بالنسبة الى الحاجز الامني (الذي يمقته الفلسطينيون باعتباره "جدارا فاصلاً") وهذا بحد ذاته آلية للضم. وحسب ما ورد في تقرير صدر اخيرا عن ادارة ابحاث الكونغرس، فان المعونة الاميركية لاسرائيل بلغت في مجموعها 28.9 بليون خلال العقد الماضي، وهو مبلغ يتجاوز الى حد كبير اي معونة لاي دولة اخرى، ويبلغ اربعة اضعاف الناتج المحلي الاجمالي في هايتي.
من المعقول ان تضمن اميركا امن اسرائيل. الا انه ليس من المعقول لاميركا ان تقف وراء السياسات الاسرائيلية التي تقوض الاهداف الاستراتيجية الاميركية.
"كما انني اعتقد ان الفصائل الفلسطينية ساهمت بقوة، من خلال اعمال العنف والاثارة ضد السامية والتهديد بالازالة، في غياب السلام، ووضعت العقبات امام اميركا للتمسك بالتوازن المطلوب. غير ان ما قام به اخيرا رئيس الوزراء الفلسطيني
سلام فياض من اعمال في الضفة الغربية تدعو للاعجاب تظهر ان لا تناقض في المسؤولية الفلسطينية وانها تتطلب من اسرائيل رداً اقل وقاحة من الضم الزاحف (للاراضي).
"ثم ان هناك تضخيما في "التهديد ضد وجود اسرائيل". فاسرائيل المجهزة برادع نووي قوي هي الدولة الاقوى في المنطقة. وهناك فسحة لاميركا لاتخاذ خطوة الى الوراء وتطبيق الضغط من دون الاخلال بامن اسرائيل.
و"هناك الحاجة امام اوباما لبذل مزيد من الجهود للتغلب على الانقسام الفلسطيني، وهو شرط مسبق للسلام، بدلا من القيام بدور المحاور بلا مصداقية في اللعبة الاسرائيلية. والصيغة التي تعرضها "حماس" غير ذات موضوع. فالانجاز الذي تحقق بتفاهمات اوسلو جرى التفاوض بشانها في العام 1993، اي قبل ثلاث سنوات من ابطال منظمة التحرير الفلسطينية لبند القضاء على اسرائيل من ميثاقها. وعندما تصالح عرفات ورابين في البيت الابيض كان بند تدمير اسرائيل لا يزال قائما باكمله. فالامور تتغير عن طريق التفاوض وليس بغير ذلك. واذا كانت هناك عناصر من "طالبان" يمكن التواصل معها، فهل يمكن القول انه ليست هناك عناصر مثيلة في الاطار الواسع لحركتي "حماس" و"حزب الله"؟
ثم انه اذا لم تقم دولتان، فستكون هناك دولة واحدة بين النهر والبحر، وسيتجاوز عدد الفلسطينيين فيها عدد اليهود في وقت قريب للغاية. فما الذي يمكن ان يحدث عندئذ للحلم الصهيوني؟
"لقد حان الوقت لاوباما كي يطرح هذه التساؤلات الصعبة علنا وان يطالب اسرائيل بالتحرك بطريقة عملية لاقتسام البلاد بدلاً من تقسيمها وحكمها".