التفكير الابداعى أكثر من مجرد استخدام خيال فى انتاج أفكار جديدة ومتنوعة
التفكير الابداعى أسلوب حياة سمة شخصية طريقة من طرق ادراك العالم من حولك وطريقة تطور شخصى
ولكى يعيش الانسان وفق أسلوب حياة ابداعية عليه أن ينمى مواهبه ويتعلم استخدام قدراته المتاحة الى أقصى مدى ممكن وأن يصبح محققا لذاته
وليكون الانسان مبدعا عليه أن يكتشف أفكار جديدة وأماكن جديدة وأنشطة جديدة وعليه أن ينمى حساسيته لمشكلاته الشخصية ومشكلات الاخرين من حوله ومشكلات الجنس البشرى بصفة عامة
والتفكير الابداعى ليس قاصرا على العلماء وذوى المواهب الخارقة فقط بل لكل انسان نصيب منه يقل أو يكثر حسب عوامل اخرى كثيرة0
توكيد الذات عبارة عن المهارة الاجتماعية فى مواقف الحياة التى تشير الى ثقة الفرد بنفسه والقدرة على التعبير عن مشاعره الايجابية أو السلبية،ومقاومة الضغوط التى يمارسها الاخرون لاجباره على الاتيان بما لايرغبه أو الكف عن فعل ما يرغبه والمبادرة فى بدء والاستمرار فى أو انهاء التفاعلات الاجتماعية والدفاع عن حقوقه ضد من يحاول انتهاكها بشرط عدم انتهاك حقوق الاخرين
لذا فان جوهر توكيد الذات هو تعبير الفرد عن ذاته وما يحمله من اراء دون انتهاك للقيم والمعايير الاجتماعية السائدة
وفى جانب اخر يعد التوكيد قوة دافعة للفردعلى الاذعان للافكار المسبقة والاستقلالية المعرفية للمبدع وعدم مسايرة المألوف فى المجتمع ما دام غير مقتنع به ولديه المبررات الموضوعية لذلك حتى لا يصبح أسيرا له سواء فى المجال الشخصى أو المجتمعى ، فعلى سبيل المثال عدم الاختلاف مع الاراء الرائدة وغير الدقيقة والعلماء العظماء فى التاريخ الانسانى وما أدى اليه من تأخير التقدم العلمى لسنوات طويلة ، وليس أدل على ذلك من الايمان المطلق الذى شاع فى العصور الوسطى لقرون عديدة بالفكرة غير العقلانية القائلة أن (أرسطو لم يترك للاخرين شيئا) -------- وهو أدى بهم الى معارضة الافكار المناقضة له مع أنها كانت أكثر صحة
وبذلك نجد أن توكيد الذات عامل مهم فى قدرة الفرد على الافصاح عن أفكاره الابداعية
فمن المفترض أن الافكار المتميزة تولد فى عقول أصحابها بصورة ابداعية اعتقادا منهم بعدم أهميتها أو لعجزهم عن الافصاح عنها علانية لتصورهم أنها لن تلقى استحسان الاخرين نظرا لكونها غير مألوفة ،وهو ما يؤدى الى احتجاب العديد من الافكار الابداعية عن الظهور الى النور ، وبالتالى لا تتم عملية انضاج واحكام تلك الافكار من خلال عملية التفاعل بين المبدع والمتلقين ، أى أنه يمكننا القول بموجب هذا التحليل أن الافكار الابداعية قد تظل حبيسة فى عقل المبدع نظرا لانخفاض مستوى توكيده لذاته الذى يتمثل فى خشيته من طرحها أمام الاخرين والتصدى لانتقاداتهم وتفنيدها والرد عليها ، وفى المقابل بمقدورنا القول بأنه يسهل على المبدع القيام بتلك العملية حين يتحلى بقدر مرتفع من توكيد الذات ، فالتوكيد بمثابة الاعلان للتعرف على الابداع والترويج للانتاجات الفكرية
ومن شأن الاعلان عن تلك الافكار أن يساعد أفراد المجتمع على تبنى تصورات ايجابية حول المبدعين وهو ما يحسن بدوره من تصورات المبدعين حول أنفسهم ، فالحصول على تقدير الاخرين هو ما يستحقه المبدعون كعنصر مشجع على الاستمرار فى الابداع فى المرات القادمة
ولا تتوقف أهمية التوكيد عند اعلان الفكرة الابداعية بل فيما يتلو ذلك من تفاعل مع متلقيها ، فالمبدع المؤكد لذاته لديه القدرة على تلقى نقد الاخرين بعقل رحب وتمثله وادخال بعض التعديلات على أفكاره بناء عليها مما يجعلها أكثر ملائمة للواقع وقبولا من الاخرين0
ولاننسى ذلك المصير المؤلم الذى حاق بعالم الفيزياء كوبر نيكوس فى القرون الوسطى الذى وكد ذاته وأصر على الاعلان بأن الارض تدور حول الشمس مخالفا لما نادى به أرسطو حيث دفع حياته ثمنا لتوكيده العلمى واختلافه مع رمز يحيط به هالات متعددة من الاجلال العلمى حيث أعدم حرقا رغم صواب رأيه فى تلك المسألة0
وتكشف هذه الواقعة وغيرها على أنه فى ظل الثقافات غير المؤكدة ينخفض احتمال ظهور محاولات ابداع فى شتى مجالاته نظرا لسيطر بعض المسلمات التى تكف التوكيد على المناخ الفكرى العام مثل الاعتقاد بكمال الاوائل وعجز المتأخرين ، ومن ثم يجب علينا لكى ندفع عجلة التقدم للامام أن نتدرب على أن نؤكد ذاتنا مع رموز التراث العلمى ورواده الاوائل أو المعاصرين بحيث لا نتأثر بالاسماء الرنانة بل بمدى دقة ما طرحوه من أفكار فقط ، أى أن يتبنى المؤكدون بأنه لا سلطان فى العلم سوى سلطان العقل ،ويجب أن يتحرر من نفوذ الشهرة الشخصية 0
ومن هنا فان بروز المبدعين المؤكدين يعد ضروريا حتى يتمكنوا من الافصاح عن أفكارهم المبدعة التى قد تتعارض مع الافكار السائدة 0
وعلى الرغم من أن هؤلاء يكونون قلة عادة الا أن تأثيرهم يتناسب عكسيا مع عددهم ، وتشكل ابداعاتهم دوما نقطة تحول فى حركة الفكر والحضارة الانسانية بوجه عام ، وليس أدل على ما ندعى من ذلك التحول الفكرى للحضارة الذى أسهم فيه علماء مبدعين أمثال: أديسون،الطبيب ابن سينا،جراهام بل،الامام البخارى،الخوارزمى،خلدون،أرسطو،ابن النفيس000000وغيرهم0