سبعة أيام بعد هدم الأقصى!
بقلم ماهر أبو طير 2010-02-20 عدد القراءات 11
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا. استيقظت متثاقلا. شاشة التلفزيون أمامي تبث خبراً عاجلاًٍ، يقول: انهيار المسجد الأقصى بشكل مفاجئ، وقوات الاحتلال تحيط بالموقع وتمنع دخول أحد إلى الحرم القدسي.
بعد يوم واحد من انهيار المسجد الأقصى يتداعى العرب إلى قمة عربية عاجلة لبحث الحدث الجلل، بيان منسوخ عن القمم السابقة سوف يصدر وتهديد ووعيد لإسرائيل، واتصالات سرية معها، لطلب صبرها على الغضبة العربية المباعة للجماهير فقط. مسيرات ومظاهرات في الشوارع من موريتانيا إلى باكستان. مواجهات مع شرطة. القمع في كل مكان وحرائق لدمى تمثل نتنياهو وأوباما، وبضع حجارة تتساقط على سفارات غربية هنا وهناك، ومسيرات غاضبة في الضفة الغربية يتم إطلاق مليون رصاصة فيها إلى السماء، بدلا من العدو على الأرض، وشموع في فلسطين الثمانية والأربعين، وغضب عارم في غزة.
اليوم الثاني تزداد حدة المظاهرات والمسيرات، وتمتد إلى دول أخرى، وقد تأمر بها أنظمة شمولية لاستيعاب رد فعل الجماهير. ودعوة لقمة إسلامية عاجلة، يتم خلالها إصدار بيان آخر يشابه بيان القمة العربية، واعتذارات من تحت الطاولة لإسرائيل، لأن البيان حاد قليلا في اللغة، وشكوى يُقرر العرب والمسلمون تقديمها إلى «اليونسكو« باعتبار أن الأقصى أثر تاريخي، وليس مسرى محمد ومعراجه صلى الله عليه وسلم، وشكوى إلى الأمم المتحدة، وقرار دولي يُندد ويبقى حبرا على الورق، ويضاف إلى سلسلة القرارات التي تصدر ويمسح دبلوماسيو الأمم المتحدة أفواههم بها، بعد تناول «السوشي» في مطاعم نيويورك الفاخرة والآسيوية.
في اليوم الثالث، يتم توزيع رسائل عبر الموبايل لقراءة سورة «الزلزلة» على إسرائيل، وقراءة سورة «الكافرون»، ونواح على شاشات التلفزة من فقهاء مستأجرين لهذه الغايات، يقولون لك بشكل خبيث إن ما جرى دليل على الحقد الصهيوني، وإن هذا قضاء وقدر، ويأتي شيخ مُعمم من أولئك الذين باعوا عرضهم وضميرهم للشيطان، فيقولون إن النصر قريب، وإن النصر صبر ساعة، وإن الأرض كلها طهور، وإنه يجوز الصلاة في أي مكان في القدس، باعتبار أن كل القدس حرم، وإنه يجوز الصلاة فوق الأنقاض، ربما، وإنه أيضا هناك وعد رباني لليهود بقيام دولتهم، وقوتهم، وإن الله يُمددهم بأموال وبنين لا قبل لنا بها، وإن الله سينتقم من الأعداء.
في اليوم الرابع، تبدأ جرافات الاحتلال الإسرائيلي بإزالة الأنقاض، تجرف كل حجارة المسجد الأقصى، وكل البنيان، وتزيلها من المنطقة، فيما تقوم القوات باعتقال المئات من أبناء القدس، من سكان البلدة القديمة والشيخ جراح وسلوان والمناطق المجاورة، وتنقل إسرائيل الأنقاض إلى ساحة «المصرارة» قرب أسوار القدس، وتمنح المقدسيين فرصة لأخذ حجر لكل بيت على سبيل التذكار، من حجارة المسجد المهدوم، تحت شعار «العوض بسلامتكم»، وقد تتبرع إسرائيل بإرسال حجارة على سبيل التهادي إلى دول عديدة، على أساس «تهادوا تحابوا».
في اليوم الخامس، يتدفق المتطرفون والحاخامات الإسرائيليون إلى الموقع الذي تم تنظيفه ويصلون بضع صلوات شكرا وحمدا على هذا الإنجاز، ويحرق المتطرفون أطنانا من الصحف العربية والقرارات، في موقد يقام للتدفئة في ذلك الموقع، كون الفصل فصل شتاء، وتمنع دول عربية وإسلامية المظاهرات، باعتبارها مضيعة للوقت، وأن قضاء الله قد حل، وأن لا راد لأمر الله، وأن للبيت ربا يحميه، ويخرج «دجال» عبر الشاشة ليقول: إذا كان ربه لم يحمه كمسجد، فهل سنقدر نحن على حمايته والعياذ بالله، ومن نحن يا عبيد حتى نقدر على شيء لم تفعله إرادة الله. نسكت ونفكر في الكلام، ونبدأ بدخول عهد الردة بشكل رسمي، لأننا فهمنا أننا أحسن الخلق، وأننا نستحق نزول الملائكة عند كل مشادة.
في اليوم السادس، يعود العرب إلى بيوتهم. بعضنا يشتري أغراض المقلوبة. البعض الآخر يفكر بصحن فول مُدمس ساخن. البعض الثالث يُفكر بتهريبة مخدرات تقيه شر الفقر عبر البحر المتوسط إلى أوروبا. البعض الرابع يقرر أن يبحث عن حل عبر الزهد والهروب إلى الجبال. البعض الآخر يطالب بقطع أيدي النساء و أرجلهن باعتبار أن كشف العورة أدى إلى كل هذه الهزائم. والبعض الآخر يرتد عن أمته ودينه والعياذ بالله، والبعض الأخير يتيه في بحر مالح، أمام هذه الفتنة، وبعض آخر يريد فتوى تسمح له بزواج المتعة.
في اليوم السابع، ويكون يوم جمعة، تقام صلاة الجمعة في كل مكان، عدا المسجد الأقصى. نأخذ دشا ساخنا في الصباح، بعد ليلة باهته أو ساخنة، لا فرق. نذهب إلى المساجد القريبة. نُصلي وندعو على الكافرين، ونعود إلى جبل من الأرز لالتهام الغداء والنوم مثل سلحفاة مقلوبة على ظهرها. فيما تضع إسرائيل حجر الأساس لبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى، ويخرج خطيب مستأجر لهذه السلطة أو تلك ليقول إن المسجد الأقصى ليس مهما يا جماعة، ولو كان مهما لما انتقلت القبلة منه إلى الكعبة ذات زمن