هذي البيوت الجاثمات إزائي
ليل من الحرمان و الإدجاء
من للبيوت الهادمات كأنّها
فوق الحياة مقابر الأحياء
تغفو على حلم الرغيف و لم تجد
إلاّ خيالا منه في الإغفاء
و تضمّ أشباح الجياع كأنّها سجن
يضمّ جوانح السّجناء
و تغيب في الصمت الكئيب كأنّها
كهف وراء الكون و الأضواء
خلف الطبيعة و الحياة كأنّها
شيء وراء طبائع الأشياء
ترنو إلى الأمل المولّي مثلما
يرنو الغريق إلى المغيث النائي
و تلملم الأحلام من صدر الدّجا
سردا كأشباح الدجا السوداء
هذي البيوت النائمات على الطوى
توم العليل على انتفاض الداء
نامت و نام اللّيل فوق سكونها
و تغلّفت بالصمت و الظلماء
و غفت بأحضان السكون و فوقها
جثث الدجا منثورة الأشلاء
و تلملمت تحت الظلام كأنّها
شيخ ينوء بأثقل الأعباء
أصغى إليها اللّيل لم يسمع بها
إلاّ أنين الجوع في الأحشاء
و بكا البنين الجائعين مردّدا
في الأمّهات و مسمع الآباء
ودجت ليالي الجائعين و تحتها
مهج الجياع قتيلة الأهواء
يا ليل ، من جيران كوخي ؟ من هم
مرعى الشقا و فريسة الأرزاء
الجائعون الصابرون على الطوى
صبر الربا للريح و الأنواء
الآكلون قلوبهم حقدا على
ترف القصور و ثروة البخلاء
الصامتون و في معاني صمتهم
دنيا من الضجّات و الضوضاء
و يلي على جيران كوخي إنّهم
ألعوبة الإفلاس و الإعياء
ويلي لهم من بؤس محياهم و يا
و يلي من الإشفاق بالبؤساء
أنوح للمستضعفين و إنّني
أشقى من الأيتام و الضعفاء
و أحسّهم في سدّ روحي في دمي
في نبض أعصابي و في أعضائي
فكأنّ جيراني جراح تحتسي
ريّ الأسى من أدمعي و دمائي
ناموا على البلوى و أغفي عنهمو
عطف القريب ورحمة الرحماء
ما كان أشقاهم و أشقاني بهم
و أحسّني بشقائهم و شقائي
للشاعر عبد الله البردوني