عبد الرحيم محمود
عبد الرحيم محمود هو شاعر فلسطيني، من مواليد قرية عنبتا التابعة لقضاء طولكرم عام 1913م. استشهد عام 1948م
دراسته
درس المرحلة الابتدائية في عنبتا وطولكرم، ثم انتقل إلى مدينة نابلس للدراسة المرحةل الثانوية بمدرسة النجاح الوطنية من عام 1928م حتى 1933م، وتتلمذ في هذه المدرسة على يد الشاعر إبراهيم طوقان والأساتذة د.محمد فروخ، وأنيس الخولي، وقدري طوقان. فتشرب منهم حب المعرفة والاعتزاز بالنفس والوطن والثورة على الظلم. وعُيِّن بعد تخرجه مدرسًا للغة العربية وآدابها.
نضاله واستشهاده
في عام 1935م حضر من سوريا الشيخ عز الدين القَسَّام؛ ليشارك في الكفاح ضد الاحتلال الإنجليزي لفلسطين وعمره أربعة وستون عامًا، واعتصم بالجبل مع رفاقه من مِصْر وفلسطين، وظلوا يناوشون جنود الإنجليز حتى اسْتُشْهِد الشيخ السوري يوم 20 نوفمبر 1935م.. فأصبح الشيخ عز الدين القَسَّام مثلاً أعلى للمقاومة وإرهاصًا للثورة التي بدأت بإضراب يوم 20 أبريل 1936م، فانخرط فيها الشاعر الشاب عبد الرحيم محمود ونذر نفسه للوطن، فاستقال من مدرسة النجاح وعَبَّر عن موقعه في إحدى قصائده قائلاً:
إن الألى سلبوا الحقوق لئامُ ......... واغْصِبْ حُقوقَك قَطُّ لا تَسْتَجْدِها
قَدْ سـَارَها مِنْ قَبْلِكَ القَسَّامُ ........ هذي طَرِيْقُكَ فِي الحَياة فلا تَحِـدْ
ولما خمدت الثورة عام 1939م لم يحتمل البقاء في فلسطين تحت نير الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية؛ فهاجر إلى العراق وظل بها ثلاث سنوات عمل خلالها مدرسًا للغة العربية، والتحق بالكلية الحربية ببغداد، وتخرج ضابطًا برتبة الملازم أيام الملك غازي بن فيصل بن الحسين، وشارك مع المجاهدين العرب في ثورة رشيد غالي الكيلاني في العراق.
ولما هدأت الأوضاع في فلسطين لانشغال إنجلترا بالحرب العالمية الثانية عاد عبد الرحيم إلى بلده واستأنف العمل معلمًا بمدرسة النجاح الوطنية بنابلس.
وبصدور قرار تقسيم فلسطين اشتعل الموقف؛ فقرَّر شاعِرُنا أن يصل إلى آخر مدى من أجل تحرير وطنه، فتوجه إلى بيروت في يناير 1948م، ثم إلى الشام ليتلَقَّى تدريبات عسكرية على القتال وانضم إلى جيش الإنقاذ، ودخل إلى منطقة بلعا بفلسطين واشترك في معركة بيار عدس مع سَرِيَّة من فوج حِطِّين، وشارك في معركة رأس العين، وفي إبريل 1948م عُيِّن آمرًا للانضباط في طولكرم، ثم مساعدًا لآمر الفوج في الناصرة.. وأخيرًا قاتل ببسالة في معركة الشجرة حتى اسْتُشْهِدَ فيها يوم 13 يوليو 1948م وعمره خمسة وثلاثون عامًا.
و(الشجرة) قرية عربية تابعة لطبرية، وقد انشأ الإسرائيليون بجوارها مستعمرة اسمها (السجرة) بالسين، وكانت منطقة ساخنة تدور فيها معارك كثيرة بين سكان الشجرة المسلمين والمسيحيين وبين اليهود بالسجرة.
ودُفِنَ عبد الرحيم محمود في الناصرة مُخَلِّفًا زوجته وابنيه (الطيب) و(طلال) وابنته رقيَّة، وأعمارهم بين الأربعة أعوام والعام الواحد.
قصائده
خَلَّف عددًا من القصائد كتبها بين عامي 1935م، 1948م.. جمعتها لجنة من الأدباء بعد وفاته بعشر سنوات، وكان قد نشر بعضها في المجلات الفلسطينية واللبنانية والسورية والمصرية. وصدر ديوانه في عَمَّان عام 1958م وهو يضم سبعًا وعشرين قصيدة. هي أهم ما كتبه في عمره القصير المليء بالكفاح.
وفي عجالة نلقي ضوءًا على آرائه الوطنية التي صاغها شعرًا وعاشها حياة، فاستحق أن يكون مثلاً أعلى لشباب فلسطين في الكفاح والصدق..
في 14 أغسطس 1935م زار قرية عنبتا الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية (الملك سعود فيما بعد)، فألقى عبد الرحيم بين يديه قصيدة وكان عمره اثنين وعشرين عامًا قال فيها:
ضُمَّت على الشَّكوى المريرة أَضْلُعُهْ
يا ذا الأمير أمام عَيْنِـك شاعرٌ
أم جئـت من قِبَلِ الضِّبَـاع تُوَدِّعُهْ؟
المَسجد الأقصى أَجِئْتَ تَزُورُه؟
ولكـلِّ أَفَّــاقٍ شـَرِيدٍ، أَرْبُعُه
حَـَرمٌ مُبـاحُ لكـل أَوْكَعَ آبقٍ
دَمْعٍ لنـا يَهْمَـي وَسِـنٍّ نَقْرَعُه
وغدًا وما أدناه، لا يبقى سوى
وهنا يتضح بُعْدُ نظر الشاعر الشاب ورؤيته الواقعية للظروف العربية شعوبًا وحكامًا.
وفي قصيدته (الشهيد) وكان عمره حوالي أربعة وعشرين عامًا يُصَوِّرُ الشهيد كما يتمنَّاه:
ورود المنـايا ونيـلُ المنى
ونفس الشـريف لها غـايتان
ولكـن أَغُـذُّ إليـه الخطى
لعمـرك إنـي أرى مصرعي
ودون بلادي هـو المُبتـغى
أرى مقتلي دون حقي السليب
يُهَيِّجُ نَفْسِي مَسِـيلُ الدِّمـا
يَلَذُّ لأذني سـماع الصليــل
تُنَاوِشُـه جَـارِحات الفَـلا
وجسـمٌ تَجَدَّلَ فوق الهضـاب
ومنه نصيب لأسـد الشَّرَى
فمنـه نصيـبٌ لِأُسْـِد السَّما
وأثقل بالعطر رِيْـحَ الصَّـبا
كسـا دَمُهُ الأرضَ بالأُرْجُوَان
ولكن عُفـارًا يـزيـد البَـها
وعَفَّـر منـه بَهِـيَّ الجَـِبين
مَعـانِيْهِ هُـزْءٌ بِهـذِي الدُّنـا
وبَانَ علـى شَفَتَـْيه ابْتـسام
ويَهْنَـَأ فيـه بِـأحْلَى الرُّؤى
ونام لِيَحْـلُمَ حُلْـمَ الخـُـلودِ
ومن رَامَ موتـًا شـريفًا فَذَا
لَعَمْرُكَ هذا ممـات الرجـال
وقد اختار الشاعر قافية المَدِّ أيًّا كان الحرف الأخير لهذه القصيدة الرائعة التي تصور ممات الرجال الشرفاء من أجل الوطن، فالتلذذ بأصوات المدافع والبهجة بإسالة الدماء تُهَوِّن على الشرفاء الموت من أجل قضية كبرى يُدافِع عنها ألا وهي تحرير البلاد والاحتفاظ بكرامتها..
وفي قصيدته (دعوة إلى الجهاد) يقول مستهترًا بالموت فداء للوطن:
فَخَفَّ لِفَرْطِ فَرْحَتِه فؤادي
دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد
أَلَيْسَ عليّ أن أَفْدِي بِلادِي
وَسابَقْتُ النَّسِيمَ ولا افتخارٌ
وما حَمَّلتُها إلا عتادي
حَمَلْتُ عَلَى يَدِيْ رُوحي وقلبي
تَصُبُّ على العِدَا في كل وادِ
فسِيْرُوا للنِّضَالِ الحقِّ نارًا
عن الجَلَّى وموطنه ينادي
فليس أَحَطُّ من شَعْبٍ قَعِيْد
وتظل قصائد عبد الرحيم محمود تتوالى مُعَبِّرَةً عن حبه لوطنه وإصراره على التضحية من أجله