ثمن الرصاصة يشترى خبزًا لنا "إلى شهداء ثورة 25 يناير"
ترابكِ
كفنِى عيْنى
بضوْءٍ من رَحيق الفجْر
منْ سعَف النخيلْ
فلكمْ ظمئتُ على ضفافِكِ
رغم أنَّ النيلَ يجْرى
فى رُبُوعكِ ألف ميلْ
ولكمْ حملتُ الناىَ
فى حضْن الغرُوب.
ودندنتْ أوتارُ قلبـِى
رَغمَ أن العمْرَ مُنكسرٌ ذليلْ
لا تعْجَبى
إنْ صَارَ وَجْهُ الشـَّمْس
خفاشـًا بعَرْض الكوْن
أوْ صارتْ دمَاءُ الصُّبْح
أنهارًا تسيلْ
فزماننا زمَن بخيلْ
لا تسْألى القنـَّاص عنْ عيْنى.
ولا قلـْبى. ولا الوجْه النحيلْ
ولتنظرى فى الأفق
إن النهْر يَبْكى
والخيُول السُّمرَ
عاندهَا الصِّهيلْ
لا تسْألينى
عنْ شبَابٍ ضَاعَ مِنـِّى
واسْألى القنـَّاصَ.
كيفَ شدَوْتُ أغنية الرَّحيلْ ؟
إنى تعلمْتُ الحنانَ على يَدَيْك.
وَعِشْت أحمل ورْدة بيضَاءَ
كالعُمْر الجَميلْ
الناىُ أصْبحَ فى الضلوع رصاصَة
والورْدة ُ البيْضاءُ.
فى عَينى قتيلْ
مُدِّى يديْـك إلىَّ. إنـِّى خائِفٌ
ولترْحَمى ضَعْفِى
جُنونى.
وارْحًمى الجَسَد الهزيلْ
وَجْهى ينامُ على ترابكِ كفنيهْ
لا تترُكيهِ لنشْوة القناص ِ.
حينَ يطاردُ العصفـُور فى سَفهٍ. وتيهْ
لا تترُكِى الابْنَ القتيلَ.
يمُوتُ موْجُوعًا بنشْوة قاتليهْ
ولترحَمِى وَجْهى
فكمْ صلى عَلى أعتابكْ
جناتـُكِ الخضْراءُ تلفظهُ
وينكرُه ترابُكْ
لا تنـْكريه فإنَّ هذا الوَجْهَ
يحْملُ لونَ طينكِ.
حينمَا كانتْ خيولُ المجْد
تركضُ فى رحابكْ
لا تترُكى عَينى لشمْس الصَّيْف تأكلـُها
فكمْ حملتْ بشائرَ أمنياتكْ
ولتسْترى جسَدِى
فكمْ نبتتْ على أعْشَابهِ الخضْراءِ
أحْـلى أغنياتكْ
لا تترُكينى فى العَرَاءِ
أصارعُ الغرْبَانَ وَحْدى.
بعْدَمَا أكلوا رُفاتكْ
إنى حلمْتُ ككلِّ أطفال المَدينةِ.
فى ليالى العيدْ
وحلمتُ باللعب الَّصغيرةِ. والحِذاءِ.
وقطعةِ الحَلوى
وبالثوْب الجديدْ
وحلمتُ يوْمًا.
أن أكونَ الفارسَ المغوَارَ
يغرسُ فى ربوُعِكِ
كل أحْلام الوليدْ
زمنٌ سعيدْ
وطنٌ مجيدْ
أملٌ عنيدْ
لكننِى أصبحْتُ فى عَينيكِ.
كالطـَّيْر الشـَّريدْ
يساقط الزغب الصغير على التراب
جناحى المكسور
ترصده البنادق من بعيد
لم تسألى العصفور
كيف يموت فى فمه الغناء؟
لم تسألينى كيف أهجر ثدى أمى
ثمَّ تغرقنى الدِّمَاءْ؟
لم تسْألينِى
ما الذى جعلَ العصَافيرَ الصَّغيرة.
تكرهُ الأشْجَار تأوى للعَرَاءْ؟
الجُوعُ. والحرْمَانُ. والأملُ اللقيط .
صَقيعُ أيَّامى. وأحْزانُ الشتاءْ
فأنا غريبٌ فيكِ.
لا أملٌ لديْك. ولا رَجَاءْ
الآن صدرُك فى عُيُونى
أضيقُ الأشياءْ
الآنَ وجْهُك فى عُيونى
أصغرُ الأشيَاءْ
الآن قلبكِ عنْ عُيُونى
أبْعد الأشيَاءْ
حتـَّى الدُّعاءُ نسيتهِ
حتى الدعَاءْ
يا أيـَّهَا القناصْ
ثمنُ الرَّصَاصَةِ يشْترى خُبْزا لنـَا
وشبابُنا قدْ سالَ نهرًا منْ دمَاءٍ بيننـَا
لِمَ لا يكون سياجَ أمن حَوْلنا
هذا الوطنْ؟
لم لا تكونُ ثمارهُ ملكـًا لنا؟
لم لا يكونُ ترابُه حقا لنـَا؟
يا أيهَا القناصُ. أنظرْ نحْونـَا
سَترى بًطونـًا خاويهْ
وترَى قلوبًا واهيهْ
وترَى جراحًا داميهْ
فالأرضُ ضاقتْ.
ليْسَ لى فيهَا سَندْ
والناسُ حوْلى
لا أرى منهُمْ أحدْ
حتـَّى الجسدْ
قدْ ضاقَ بى هَذا الجسدْ
لم تسْألينى قبلَ أن أمْضِى
لماذا غابَ ضوْءُ الشَّمْس عنْ عَيْنى
وأغرَقنِى ظلامِى؟
لم تسْألى جَسَدًا هَزيلا ماتَ جُوعًا
كيفَ تأكلنِى عظامِى؟
لم تسْألينِى
ما الذِى جَعَلَ الفراشاتِ الجَميلة
فى جَبين الفجْر تبْدُو كالجَرَادْ؟
لمْ تسألينى
ما الذى جَعَل الصَّبَاحَ
الأبيضَ المَفتــُونَ يكسُوهُ السَّوادْ؟
لمْ تسألينِى
كيفَ تنبتُ فى بلادِ الطـُّهْر
أزمنة الفسَادْ؟
لمْ تسألِينى
كيْفَ كانَ المَاءُ
يجْرى فوقَ عيْنى.
ثمَّ يقتلنى العطشْ؟
لمْ تسألينى أينا أقـْسَى
وليدٌ ضاق.
أم أبٌ بطشْ ؟
لمْ تسْألينِى
ما الذِى جَعَل اليَمَامَ يَصيرُ ثعْبَانـًا.
ويشربُ من دَمِكْ ؟
لمْ تسْألينِى
ما الذى جَعَلَ الشـُّعاع
الأخضَرَ المنسابَ
يقتلُ أنجُمَكْ؟
لمْ تخْبرينـِى
مَنْ إلى سُوق النخاسةِ أسْـلمكْ؟
مازلتُ كالمجْنـُون فى حُزْن أسائلْ:
هذى الحقولُ الخضْرُ
كيفَ تكسَّرتْ فيهَا السَنابلْ؟
هذى العقولُ الخُضْرُ.
كيفَ تفجَّرتْ فيها القنابلْ؟
إنـِّى أحبُّـك. صدِّقينِى
رغمَ أنَّ الحزْنَ فى قلبى
مليكٌ ظالمٌ
فالسِّجْنُ بَيْتى.
والأسَى سُلطانِى
كمْ نمتُ واليأسُ العنيدُ يهزُّنِى
فإذا صَحَوْتُ أراهُ فى أجفانِى
كمْ همْتُ فى صَمْتِ الشـَّوارع
أسْألُ القطط اللقيطة.
عنْ بقايَا الخـُبْز. عنْ عُنـْوانى
كمْ طفتُ فوْقَ موائِدِ الطرقاتِ
تلفظنِى الشَّوارعُ مرَّة.
ويعُودُ يلقينِى طريقٌ ثان ِ
لمْ تسْألينى مرَّة ً.
مَنْ يا ترَى أبكانِى؟
لمْ تسألينى كيفَ أصْبَحَ
حُزنُ هذا الكوْن من أحْزانِى
لمْ تسْألى الوطنَ الجَميلَ وقدْ نمتْ
فى وَجْههِ الأحْقادُ كيفَ رَمَانِى؟
حقـِّى عليْه رغيفُ خبْز آمنٌ
وكرامة الإنسَان للإنسَان
عبثتْ بنا أيْدى الزَّمَان. وأظلمَتْ
فينا القلوبُ. وليلها أعمَانِى
عمرٌ لقيط . وارْتعاشة ُ عاجز ٍ
وأنينُ بطن. وانكسارُ أمانِى
تلكَ الرؤوسُ تهيمُ فى أوْكارهَا
ويصيدُنا القناصُ كالفئران ِ
فأنا شهيدك رغم أنـِّى عاشق
ودَمِى حرامٌ. واسْألى سجَّانِى
قدْ جئتُ يا أمى
لأطلبَ ثوبَ عُرْسى
منْ يديْكِ بفرْحتـَى
أعَطيْتنى. أكـْفـَانِى
الشاعر فاروق جويدة