علامات على الطريق جميل شحادة 'أبو ناصر لروحك السلام

علامات على الطريق جميل شحادة 'أبو ناصر لروحك السلام
تاريخ النشر : الخميس 18/3/2010م

علامات على الطريق جميل شحادة 'أبو ناصر لروحك السلام 7209351263296426

كتب : يحيى رباح

أول مرة تعرفت فيها على جميل شحادة كانت في عام 1969 عندما حضر إلى دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي كانت تعقد آن ذاك في صالة المؤتمرات الكبرى في مقر الجامعة العربية في القاهرة، وكان جميل شحادة قد أتى حاملا معه قضية كبيرة وهي تأسيس الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، وهي قضية ما زالت معقدة ومن الوزن الثقيل حتى يومنا هذا، فما بالكم قبل أربعين سنة، ؟ أن يتم إنشاء اتحاد مسؤول عن عشرات الآلاف من المعلمين منتشرين من شواطئ الأطلسي إلى مداخل المحيط الهندي، إنها قضية كبرى بالفعل، ولكن منظمة التحرير الفلسطينية كانت تواصل صعودها العظيم في ذلك الوقت وكانت تنشر قواعدها الجماهيرية من خلال ابتكار هذا النوع من الكيانات التمثيلية واسعة النطاق، التي تزرع نوعا جديدا في غابة صعبة ومعقدة ومثيرة سماها الراحل ياسر عرفات غابة البنادق !!! وهو ما نعاني من تآكله بالسنوات الأخيرة مثلما هو الحال في اتحاد الصحفيين واتحاد الكتاب وبقية الإطارات النقابية التمثيلية الأخرى.جميل شحادة كان ينتمي بطبعه إلى المعارضة، المعارضة من داخل البيت، المعارضة تحت السقف الوطني، المعارضة من اجل إعلاء من شأن بيت العائلة الوطني، وليس تدميرها على مذابح الآخرين، وسكب دمائها في طقوس الحفلات المجنونة كما يحدث الآن.واعتقد أن الكثيرين من أبناء جيلي يعرفون أن اتحاد المعلمين الفلسطينيين قد لعب دورا كبيرا في مسار الثورة الفلسطينية المعاصرة، وقد أمدنا بعدد كبير الكوادر الموهوبين الذين مازال جزءا كبيرا منهم على رأس المسؤولية حتى يومنا هذا مثل أخي وصديقي العزيز جمال محسين.تأثرت إلى حد البكاء عندما سمعت بخبر رحيل أخي وصديقي العزيز جميل شحادة 'أبو ناصر '، حيث كانت أخر مرة رأيته فيها في نهاية العام 2003 عندما ذهبت لزيارة الرئيس عرفات في محبسه الاضطراري في المقاطعة في رام الله، وبقيت في ضيافته قرابة ثلاثة شهور، وكان صديقي العزيز 'أبو ناصر 'رفيقي الدائم، التقي به كل مساء في مقهى فندق ' البيست استرن '، أو نذهب معا عند بعض أصدقائنا القدامى أو نشارك ببعض الفعاليات، وخاصة ذلك اللقاء الأسبوعي الراقي الذي كان يديره الصديق العزيز والقائد الفتحوي البارز صخر أبو نزار يرحمه الله، حيث كان يردد مقولته الشهيرة بعناد منقطع النظير 'لازم تزبط '، وكان ذلك اللقاء الأسبوعي يستضيف نخبة واسعة من السياسيين والمثقفين من كل الألوان، ومن المحزن أن هذا الملتقى قد انتهى كما اخبرني صديقنا العزيز بسام الصالحي أمين عام حزب الشعب الفلسطيني عندما سعدنا بزيارته إلى غزة قبل فترة وشاركنا معه في لقاء وطني واسع وجميل. ارجو ان ل ايفهم من هذا الحديث الحزين انني انساق وراء المقولة الشائعة هذه الأيام بان الأبناء لا يحافظون على ارث الآباء !!! فانا من الذين طوال الوقت أن الموضوع اعقد من ذلك ألف مرة، وان وعاء الزمن قد تغير بشكل حاد، وان أعدائنا ازدادوا قوة، وان ثمار العالم الناضجة قد تساقطت في سلالها، وان المطلوب من الأبناء ليس سهلا، وليس عاديا، المطلوب منهم أن يجددوا الفكرة الملهمة، وان يضيئوا الأهداف بشغف من نوع جديد، لكي يحتشدوا حولها مئات الاف من الفلسطينيين الجميلين المدهشين، وان يعيدوا للحلم الفلسطيني بكارته، لكي يكون هذا الحلم وحده كافيا لنا في صراعنا القاسي الذي تخبئه لنا أيامنا القادمة، وان يكون هذا الحلم هو وحده أجمل ما في الحياة لكي نستعيد الثقة بالنفس، ولكي يعود الواحد منا متوازنا وبراقا ومثيرا للدهشة، بمجرد أن يقول للآخرين في أي مكان كان أنا فدائي فلسطيني.يعرف قرائي الأعزاء أنني دائما أحب أن أطلق على الجيل الذي انتمي إليه اسم جيل البنائين، الذين امنوا بحلم مزروع في غابات الدهشة ومشع في وميض المستحيل !! وان هذا جعلهم يخلقون ما لم يكن يظن احد انه يمكن أن يوجد قط !!! إنهم حولوا النسيان إلى ذاكرة، وحولوا الغياب إلى حضور، وحولوا فلسطين التي قرءوا اقوي الأقوياء سورة موتها إلى نموذج للحياة الجديدة، وكان صديقي العزيز جميل شحادة ' أبو ناصر ' واحداً من هؤلاء !!! ربما يكون زمانهم قد انقلب عليهم، ربما تجاوزتهم المعايير، ربما نفتخر أحيانا أننا تركناهم وراء ظهورنا، ربما...ولكنهم هناك باقون في حدائق الذاكرة، يشعون بذلك الوهج والحب، حين لا يبقى لنا إلا جمال الذكريات. ويا صديقي العزيز أبو ناصر يرحمك الله ولروحك السلام.

صفحة 1 من اصل 1