رمضان في زنازين التحقيق

قد يكون قضاء شهر رمضان بعيدا عن الأهل والأحبة صعب على النفس ، وقضاؤه هناك في سجون المحتل حيث المعاناة والعذاب المتعمد والممنهج يكون أصعب ولكن ربما يبقى ما يهون حجم الصعاب أنك تكون بين إخوانك الذين بمحبتهم وتعاونهم تعوض فيهم في واقعك هذا عن أحبابك وأهلك خارج السجن ، أما الحال هناك في زنازين التحقيق سيكون أصعب وأشد على النفس أن تبقى تقضي رمضان حيث المعاناة على أشدها ،والحرمان في أعلى درجاته حرمان من أن تعيش مع إخوانك الأسرى وحرمان من الأهل وحرمان على كل ناحية .

الحرمان من رمضان

وكثر هم من يقضون هذه الأيام هناك في زنازين التحقيق وقد حرمهم المحتل من مشاركة ذويهم وأهلهم فرحة استقبال رمضان وقضاؤه بينهم ، وخلال هذا التقرير سنسلط الضوء على حياة الأسير داخل هذه الزنازين وكيف يقضون أجواء رمضان في عتمة الزنزانة بين سياط الجلادين وسننقل تجربة إحدى الأسيرات كيف مضت عليها أيام وليالي رمضان خلال فترة التحقيق ،كانت قد اعتقلت في الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك وتم نقلها مباشرة إلى زنازين التحقيق ومع دخولها إلى مركز التحقيق طلبت مباشرة من مدير المركز أن يعطيها مصحف حتى تتمكن من قراءة القرآن خلال فترة مكوثها داخل الزنازين وتم رفض الطلب حتى يصدر موافقة على ذلك وبعد يومين قد وافقت إدارة المركز على إعطائها القرآن الكريم والذي اعتبرت هذه الموافقة هي منحة ربانية لها وخاصة أنها في زنازين التحقيق ومع كلام الله ستهون على نفسها وتتخذها معينا ومؤنسا، في الفترة الأولى من التحقيق وخاصة في الأسبوعين كان التحقيق يجري معها بشكل مكثف يوميا وطيلة الوقت بحيث أنها وخلال فترة الأسبوعين لم يفك قيدها عن الكرسي داخل غرفة التحقيق إلا خلال فترة الإفطار بحيث يتم نقلها إلى زنازين صغيرة جدا كان قد أطلق عليها الأسرى مسمى "الاكسات " فلا يوجد فيها دورة مياه ومن شدة حجها الصغير لا تستطيع التحرك خلالها وكانت تستغل هذه الفترة لتريح جسدها لو قليلا لأنها طيلة هذه الأيام لم يسمح لها بالنوم ولا الراحة فالتحقيق مستمر معها ليل نهار،، وأما عن الصلاة فحسب مزاج المحقق الذي يتناوب على التحقيق معها فقد يسمح لها أن تصلي الصلوات وغالبا ما كانت تمنع من الصلاة فكثير من الصلوات كانت قد أدتها وهي على كرسي التحقيق ففي إحدى المرات حينما طلبت من المحقق أنها تريد الصلاة أجابها "صلي وأنت في مكانك " فطلبت منه على أقلها أن تتوضأ فرفض ذلك وقال لها لن يسمح لك بذلك وصلي إن شئت كما أنت ، وقد أدت الصلاة في مكانها ودون وضوء وعذرها أمام الله أنها قد منعت من ذلك والله أعلم بحالها

عزيمة وإرادة رغم العزل

وبعد فترة الأسبوعين كان يسمح لها بالنزول إلى زنازين المركز المتواجدة فيه وكانت تستغل فترة مكوثها داخل هذه الزنازين بقراءة القران بحيث أنها وخلال فترة مكوثها بفترة التحقيق قد استطاعت أن تختم القرآن 4 مرات وكانت قد أمضت في زنازين التحقيق ما يقارب الشهرين ، وكم هي الليالي التي أقامتها بين يدي الله تصلي وتلهج بالدعاء أن يفرج الله الكرب ويثبتها في هذه الفترة الصعبة، وفي ظل هذه الأيام شجون قلبها لا زال معلقا هناك حيث الأهل والأحبة فلم يغب عن بالها صورة والديها اللذين انتزعت من بينهم في هذا الشهر العظيم وما له من عظيم الأثر في قلوبهم ، ذكريات ظلت تتزاحم في مخيلتها عمن تركتهم خلفها ، مسجدها الذي اعتادت أن تصلي فيه ، عن إحياء ليالي رمضان ، عن تجمع الأحبة، ذكريات كانت تواجهها بمواجهة الواقع الذي تعيشه حيث الحرمان والمعاناة والعذاب ، ففي زنازين التحقيق أنت لا تدري ما الوقت ولا الساعة إلا من مواعيد الوجبات التي تقدم لك ، فكم هي المرات التي أحضر الشرطي الطعام وتسأله كم هي الساعة الآن ولا مجيب وتقول " كنت حينما يحضرون لي الطعام على موعد الإفطار أنتظر قليلا وأصلي المغرب ومن ثم أبدأ بالإفطار .

استئناس بالقرآن

أما الطعام فحدث ولا حرج عن سوءه كما ونوعا ،، كنت كثيرا ما أمتنع عن تناوله حتى ظن المحققون أنني قد أضربت عن الطعام ولكن لم يكن الأمر كذلك فمن سوء الطعام لم أكن أقدر على تناوله وأفضل البقاء دون طعام .

وفي زنازين التحقيق تحرم من التواصل مع من حولك فتصميم بناء الزنازين يمنع ذلك فلا تكاد تسمع أحد إلا بصعوبة كبيرة حتى يصل بك التفكير أحيانا أنك أنت الوحيد المتواجد في هذا المكان، وقد يكون بجوارك أحد ولا تستطيع التحدث إليه وتبقى طريقة التواصل بضربات على حائط الزنزانة لتعلم أنه بجوارك أسير أو أسيرة لا تعلم اسمه ولا شكله لكن يكفي أنك تعلم بجوارك أحد تستأنس ولو بضربات يده على حائط مشترك بين الزنازين ، ومع كل هذا التشديد إلا أنه في بعض الأوقات كنت تسمع صوتا ولو خافتا لأسرى داخل زنازين التحقيق وخاصة في الزنازين القريبة من بعض قد تسمع صوتا لأسير يشدو بالأذان وقد تسمعه حينا يتلو بالقران فتستأنس به وأحيانا تسمع نشيدا عذبا يخفف عنك ويهون على النفس .

ويستغل المحققون فترة الصيام بالضغط عليها ومعرفتهم بخصوصية هذا الشهر العظيم، فنهار رمضان تقضيه مقيدة على كرسي التحقيق وعدد المحققين قد يتجاوز العشرة داخل غرفة التحقيق وكل يمارس دوره في التحقيق معها وما أن تأتي ساعة الإفطار لترتاح قليلا ولكن كيف لها ذلك وهي بين أيدي أناس قد نزعت من قلوبهم الرحمة فقد تمضي دقائق قليلة لا تكفي أن تصلي وأن تتناول ولو قليلا من الطعام حتى ينادى عليها بأنك ستنقلين إلى غرف التحقيق لتبقى الليل بأكمله وهي مقيدة اليدين والرجلين وكم هي الليالي التي بقيت فيها هكذا دون أن يحقق معها ولو بسؤال واحد

ولكن من أجل تعذيبها والضغط عليها يمارس بحقها هذا الأسلوب السيئ ومن الأيام التي كانت صعبة على النفس هو اليوم الأخير في رمضان وإعلان عيد الفطر فلقد حضر الشرطي ومعه وجبة طعام ولم تعلم أن اليوم هو يوم عيد فاستغربت من ذلك بسؤاله هل الان موعد الإفطار وهل يا ترى قد مضى الوقت سريعا فإذا بالشرطي يجيبها لا فاليوم هو يوم عيد عندكم فبقت في زنزانتها في حيرة هل يا ترى صحيح كلامه أم ماذا ؟؟!! هل أفطر أم أنه يكذب ؟؟!! ورغم التشديد على الأسرى في زنازين التحقيق فإذا بصدى صوت يأتي من بعيد لأسير يكبر تكبيرات العيد لتتيقن أن هذا اليوم هو يوم عيد .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية الاسلام
جزاكم الله جنة الفردوس الاعلى التي اعدت للمتقين
ان كل مفردات ثقافتي لا تفيكم حقكم من الشكر والتقدير
لكم مني عاطر التحية واطيب المنى
دمتم بحفظ المولى

صفحة 1 من اصل 1