احترام المعوق ومنحه فرصة للحياة
نطالب دائما ذوي الاحتياجات الخاصة بتقبل واقعهم , وبأن يكونوا موضعيين في النظر لظرفهم الخارج عن إرادتهم , كما نطالبهم بفرض شخصيتهم على الأسرة والمجتمع ككل ونضرب لهم عشرات الأمثلة عن بطولات لمعوقين تجاوزوا محنتهم وأبدعوا في مجال الحياة الخاصة والعامة . وأنا لا أخالف هذا الرأي بتاتا بل أنادي بإثبات جدارة حقيقية رغم علمي (وذلك لكوني واحدة من ذوي الإعاقة ) بمشقة الأمر وبأن ما يطلب من الفرد السليم جسديا يحتاج إلى أضعاف مضاعفة من الجهد من المعوقين , فليس بالأمر السهل على المعوق تجاوز مشاكل الحياة اليومية وهموما قد تبدو في الظاهر ثانوية ولكنها في حقيقة الأمر تشكل تراكمات يقابلها ذلك التمسك بالحياة ومعاندة القدر تليها تراكمات أخرى , وبالتالي فإن مواجهة هذا الكم الهائل من الهموم الصغيرة يشكل عامل إحباط قوي لدى من ليس لهم القدرة الدائمة على المواجهة .
ربما هي مقدمة طويلة لأصل لصلب الموضوع والذي هو ماذا يقدم المجتمع والبيئة للمعوقين لتجاوز مشاكلهم والعيش ضمن نطاق المقدرة على كل شيء ؟ بل لنقل أن ليت المجتمع والبيئة تقدم نصف ما يجب للمعوق ليقابل الحياة بحب للحياة.
للأسف إذا بحثنا في حيثيات الموضوع نجد أن مجتمعنا العربي على الأخص يبخس المعوق حقه ويتجاهل متطلباته بشكل ملحوظ ابتداء من الأسرة لتصل للبلد كله .
إن وجود معوق في الأسرة يتطلب منها أولا البحث عن أسباب راحة هذا الطفل ابتداء من اختيار السكن الملائم لحالة الإعاقة فمثلا : عدم وجود سلالم , أو درجات صغيرة كانت أو كبيرة في البيت , أو أمام أي غرفة , أو مطبخ , أو حمام ووجود حمام إفرنجي في البيت وإيجاد وسائل تدريبية ومساعدة للوصول إلى كافة الاستخدامات اليومية للأشياء كالكهرباء والمغاسل و المجالي وحتى ضرورة وجود أدوات رياضية , أو غرف خاصة تناسب وضع المعوق.
هذا في البيت ولكن ماذا يفعل المعوق حين تواجهه مشاكل مشابهة خارج البيت ؟ إن في الواقع أمثلة لا تتناسب أبدا مع مجتمع الحضارة والثقافة وسأورد أمثلة صغيرة ولكنها تسلط الضوء على قضايا ملحة.
حينما سألت الصبية مريم المعوقة حركيا عن رأيها في موضوع الدمج أجابت : هو شيء جميل وفكرة جيدة شرط توفر مستلزماته وهنا سنتوقف لنرى كيف عاملت المدرسة الطفلة مريم طبعا كان على أحد من أهلها مرافقتها للمدرسة وإحضارها منها عند انتهاء الدروس والمشكلة أن والدة الطفلة موظفة ليس هناك من ينوب عنها بالمهمة مما يضرها لطلب اذنآ من دوامها كي تحضر الفتاة من مدرستها إلى البيت ناهيك عن صعوبة إدخال الفتاة للمدرسة بسبب وجود درجتين عاليتين أمام باب المدرسة وحينما توسلت الأم للمدير بإجراء حل لمشكلة الباب حتى ولو على حسابها الشخصي رفض المدير إجراء أي تحسين بحجة أنها ملك للدولة لا يستطيع التعديل فيه , ومرت السنوات وبات إيصال الطفلة لمدرستها يزداد صعوبة لأنها تكبر ويزداد وزنها , وحصل مرة أنها سقطت من الكرسي بسبب لعب الأطفال الغير متناسب مع وضعها , وهكذا ما كان ينقص الطين إلا بله واحدة , وحدث أخيرا أن وضع حضرة المدير شعبة التلميذة المذكورة في أحد السنوات في الطابق الثاني , ولم تجد نفعا توسلات الأم لاسترجاعها للطابق الأرضي لأنها كيف ستحملها كل يوم مرتين صعودا ونزولا ؟ والطفلة أصبحت أكبر وبات حملها هكذا شيئا مستحيلا , وشيئا فشيئا تركت الطفلة المدرسة ولم تكمل تعليمها .
ويخطر في البال سؤال هل كان من الصعب قانونيا وضع بند قانوني ينص على تخصيص شعبة في الطابق الأرضي وإيجاد كافة السبل لتسهيل تدريسه في حال وجود أي معوق في أي مدرسة ؟؟
طفلة أخرى تعاني ضعف بصر شديد , ورغم ذكاء الطفلة إلا أنها بحاجة للمساعدة في المدرسة لأنها لا تستطيع أن تنقل عن السبورة مايكتب , والمشكلة عند المذاكرات والفحوص , وكالعادة على الأم دائما أن تترك بيتها وأولادها مهما كان ظرفهم أي حتى لو كان أحد أبنائها الآخرين مريض , إذا تحت أي ظرف لا يمكن تأجيل ذهابها للمدرسة لكي تقرأ لابنتها الأسئلة كي تتم مذاكراتها , هذا ويجدر بالذكر أن لكل مرحلة من المقرر إجراء مذاكرات مرتين لكل ماده قبل الامتحان أي ما يعادل 10 مذاكرات عدا الامتحان النصفي , ويليه 10 عدا الامتحان النهائي في الفصل الثاني والكلام بشكل وسطي لأن هناك من المعلمات من يكن أكثر نشاطا .
وهكذا تزداد الصعوبات عند الأم المتفانية والتي يجب عليها أيضا توصيل ابنتها للمدرسة وإحضارها منها على موعد الانصراف.
وهذا جزء من كل وطبعا لا أقصد أن كل المجتمع غير متعاون ولكن هذا يحدث في الواقع.
ولو كان هناك قانون يحتم وجود مدرسين متعاونين أو معلمين استشاريين ومؤهلين وأخصائيين ونظام مناهج وامتحانات خاصة بالإضافة لوجوب وجود طرق تدريسية ووسائل مساعدة للتعليم لذوي الاحتياجات الخاصة لا سيما الإعاقة البصرية , في حال وجود إعاقة في المدرسة لكان المر أكثر يسرا .
إن الأبنية المدرسية الغير ملائمة للمعاقين هي سبب كبير في عدم تعليمهم , ناهيك عن الطرق ومساوئها , فقلما تجد معاقا حركيا إلا ويحتاج لمرافق معه , فماذا لو أعدت الشوارع بشكل يلاءم وضع المعوق بحيث يكون هناك مداخل خاصة للأرصفة والأبنية ومداخل للعيادات وحتى مراحل التعليم العالي .
أنا مثلا أحتاج لسيارة خاصة تقلني إلى مدينة حمص ( أي إلى محافظة أخرى ) لأقدم امتحان الجامعة, وذلك لصعوبة سفري في النقل العام مما يزيد الكلفة المادية كثيرا, وطبعا هناك أحتاج لثلاثة شباب لتجاوز مشكلة الدرج.
وطبعا صعب على المعوق وخاصة حركيا أن يمرض أو أن تؤلمه أسنانه على سبيل المثال , لأنه سيبحث كثيرا جدا على عيادة أرضية دون جدوى مع العلم بأن الحضارة لم تصل لتضع في كل بناء مصعد يحل المشكلة لمن بحاجة .
وهذا ينطبق على كل شيء من تصوير أشعة إلى طبقي محوري أو أسنان أو غيرها فالمشكلة عامة وما من طبيب يراعي هذا الوضع.
حتى لو فكر أي معوق حضور حفل أو معرض أو ندوة ثقافية أو سينما أو مسرح أو أي شيء من هذا القبيل , يجب عليه أن يفكر ويسأل هل هي موجودة في طابق ارضي وسهل
لم عليه أن يحرم منها في حال وجودها في الطابق الثاني مثلا ؟؟؟
في سويسرا مثلا هناك مكاتب للنقل خاصة للمعوقين مزودة بسيارات خاصة تناسب وضع المعوق من مكان للكرسي المتحرك ووجود حابسات أمان لضمان عدم تحرك الكرسي أثناء السير وليس على المعوق النزول من كرسيه , علما أن هذه المكاتب تتقاضى أجور رمزية زهيدة جدا .
فماذا لو وجدت مكاتب كهذه تسهل عملية السفر والتنقل على المعوق في عالمنا العربي ؟؟
ماذا لو تفكر أي منشأة أو مبنى أو مرافق مدرسية أو طرقات عامة أو منتزهات وحدائق أو غيرها بأن هناك معوقون ؟؟..
تقاس حضارة البلد بمقدار ما توفره لأبنائها من خدمات وتسهيلات فكيف لو قيست هذه الحضارة بالأعداد الهائلة للمعوقين الموجودين في العالم وفي الوطن العربي , وهم لا ينالون جزءا من حقوقهم بسبب إعاقاتهم لا لكونهم لا يتحدون الإعاقة بل لكونهم وجدوا في مجتمع ينسى وجود الإعاقة ويعتقد أن العالم وجد للأصحاء فقط .
وأخيرا باسم كل المعوقين أقول دعونا نحب الحياة لأنها جديرة بأن تعاش.
بقلم وصال شحود