اسرائيل تحاصر مصر في افريقيا
نهارت اجتماعات المؤتمر الوزاري لدول حوض النيل التي انعقدت في اليومين الماضيين في منتجع شرم الشيخ المصري، بحضور تسع دول افريقية الى جانب الدولة المضيفة، بسبب الخلافات بين كل من مصر والسودان من جهة والدول الافريقية الاخرى حول ثلاث قضايا رئيسية تتعلق بالامن المائي، والاخطار المسبق قبل قيام اي مشاريع مياه، والتصويت على القرارات بالاجماع وليس الاغلبية.
الاجتماع الأخير استمر حوالى 17 ساعة متواصلة دون التوصل الى اتفاق، مما حدا بدول منابع النيل السبع ان تعلن عن عزمها على التوقيع المنفرد على الاتفاقية الاطارية لدول الحوض، ودون الأخذ بالاعتبار بالمطالب السودانية والمصرية في اعطاء مهلة لستة اشهر لمواصلة المفاوضات حول القضايا الخلافية.
انقسام دول حوض النيل الى معسكرين، الاول يضم دولتي الممر (السودان) والمصب (مصر)، اما الثاني فيضم دول المنبع وهي اثيوبيا وكينيا واوغندا وتنزانيا ورواندا وبروندي واريتريا.
هذا الانقسام يعني وضع كل من السودان ومصر الدولتين العربيتين امام معسكر افريقي قوي، يرفض الاعتراف باتفاقيتي توزيع مياه النيل الاولى عام 1929، والثانية عام 1959.
دول المنبع ترى ان هاتين الاتفاقيتين، وخاصة الاولى، جرى فرضها على الدول الافريقية من قبل بريطانيا التي كانت تحتل مصر والسودان ومعظم الدول الافريقية المعنية، وتتضمن اجحافا في حقوق دول المنبع. فقد اعطت الاتفاقية مصر النصيب الاكبر (51 مليار متر مكعب) والسودان (18 مليار متر مكعب) من المجموع الكلي لمياه النيل التي تقدر بحوالى 82 مليار متر مكعب.
التصويت بالاغلبية بدلا من الاجماع، مثلما نصت الاتفاقات السابقة، يعني اعادة توزيع حصص المياه بما يحرم مصر خاصة من شريان حياتها الرئيسي، فاي تعديل في حصة مصر التي تواجه حاليا ازمة مياه، يعني ضرب قطاع الزراعة فيها الذي يعيش عليه ملايين الفلاحين.
والاهم من ذلك ان اعتماد مبدأ التصويت بالاغلبية سيلغي البند المتعلق بضرورة اخطار مصر والسودان بشكل مسبق باي مشروعات سدود على نهر النيل، مما قد يطلق يد دول المنبع لتحويل مياه النيل وتقليص الكميات الذاهبة الى مصر والسودان دولتي الممر والمصب.
اسرائيل تلعب دوراً كبيراً في تحريض الدول الافريقية، وخاصة اثيوبيا (85 بالمئة من مياه النيل تأتي من مرتفعاتها) وكينيا واوغندا لالغاء الاتفاقات السابقة، وذلك من خلال تزويد هذه الدول بالخبرات الزراعية والاستثمارات اللازمة لبناء مشاريع سدود لتحويل مياه النيل الى اراضيها، والاستفادة منها بشكل اكبر في ميادين الزراعة وتوليد الكهرباء.
افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي الذي هدد علانية بتدمير السد العالي واغراق مصر بمياهه، هو الذي يقود عملية التحريض هذه، وزار خمس دول افريقية في العام الماضي على رأس وفد كبير يضم ممثلين عن عشر شركات اسرائيلية في مختلف مجالات الزراعة والهندسة والصناعة العسكرية، لتوقيع عقود مشتركة لتنفيذ مشاريع كبيرة تتعلق بمياه النيل، وتوفير السلاح اللازم لمواجهة اي تحرك مصري عسكري في حال تطورت الامور الى مواجهات ميدانية.
ومن المتوقع ان يؤدي انفصال جنوب السودان في غضون العامين المقبلين في حال نجاح الاستفتاء الى تعقيد موقف مصر، حيث يؤكد محللون ان هذه الدولة الجديدة التي ستنشأ ستنحاز الى مواقف دول المنبع في الاغلب.
الحكومة المصرية ارتكبت اخطاء قاتلة على مدى السنوات الثلاثين الماضية، عندما اهملت دول الحوض والقارة الافريقية بشكل عام، بل ووصل بها الامر الى معاداة السودان لاكثر من عشر سنوات، ودعم قوى المعارضة ضده متذرعة بازمة مثلث حلايب.
فبينما كانت هذه الحكومة ملتزمة باتفاقات السلام مع اسرائيل، وتتبنى كل مطالبها في توسيع رقعة التطبيع في العالم العربي وافريقيا، كانت اسرائيل تعمل على تطويق مصر في عمقها الافريقي، وتتسلل الى دول المنبع الافريقية لضربها في العصب الاهم بالنسبة اليها وهي مياه النيل.
الدول العربية الثرية ملامة ايضاً، لانها اهملت الدول الافريقية، ولم تستثمر في مشاريع مشتركة فيها لتوثيق العلاقات، واغلاق الباب امام المخططات الاسرائيلية، خاصة ان هذه الدول تملك صناديق سيادية وفوائض مالية تزيد قيمتها عن تريليون دولار (الف مليار دولار) على الأقل.
الشعب المصري مقبل على ازمات خطيرة في السنوات العشر المقبلة، بسبب تراجع نفوذ بلاده ودورها، واهمال مصالحها الاستراتيجية نظراً لهيمنة مافيا الفساد على الحكم.