في الذكرى الستين لرحيل المربي المعلم الأديب خليل السكاكيني / محمود شقير

محمود شقير

تغريدة الصباح - نحن وروّاد التنوير

باقتراب الذكرى الستين لرحيل المربي المعلم الأديب خليل السكاكيني، يجدر بنا أن نتذكّره هو وبقية روّاد التنوير الفلسطينيين الذين ظهروا أواخر القرن التاسع عشر، وكان لهم حضور بارز في النصف الأول من القرن العشرين، أي في الفترة التي عاشتها فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وعانت ما عانته من الهجرة الصهيونية حتى وقوع النكبة الكبرى في العام 1948.
ولعلّ من المناسب أن أشير إلى بعض ملامح العصر الذي عاش فيه هؤلاء الروّاد، فأثّر فيهم وأثّروا فيه. فقد شهدت بلاد الشام ومن ضمنها فلسطين التجلّيات الأولى لحداثة تشكّلت فيها أواخر عهد السلطنة العثمانية، واستمرّت على هذا النحو أو ذاك، رغم ما اعتور نظام السلطنة من ضعف وتفكّك وهوان.
وقد تمثّلت هذه الحداثة آنذاك في تمايز المدينة عن القرية لجهة تطوّر العمران وبعض نواحي الحياة المدنية الأخرى، مثل النشاط التجاري وانتعاش الأسواق، وكذلك النشاط السياحي الذي كان مرتبطا في تلك الفترة بحركة الحجّاج المسيحيين القادمين لزيارة الأماكن المقدسة، والحجاج المسلمين القادمين إلى القدس بعد رحلة الحج إلى مكة المكرمة، والطلاب الذين كانوا يأتون إلى المسجد الأقصى للمجاورة في بيوت العلم التابعة له، وللتزوّد بالمعرفة على أيدي علماء من رجال الدين.
وقد رافق ذلك اهتمام النخب المدنية الفلسطينية بالتعليم، ما شجّع أفرادها على إرسال أبنائهم إلى الآستانة وأنقرة أو إلى لندن وباريس للدراسة في الجامعات. وفي الوقت نفسه، بادرت بعض الإرساليات الأجنبية إلى تأسيس مدارس للبنين وللبنات، كان لها دور في النهضة التعليمية التي ظلت تتعزّز في فلسطين رغم كلّ الصعوبات الناتجة عن الظروف السياسية المضطربة في تلك السنوات.
وحينما وقعت فلسطين تحت حكم الانتداب البريطاني، أسهمت مشاريعه العامة والوظائف التي أتاحتها أجهزته الإدارية لأبناء الطبقة الوسطى، من التجار والموظفين، في تطوير النشاط التجاري وبلورة نخبة متعلمة، كان لها دورها في توسيع أفق الحداثة التي كانت بذورها الأولى موجودة في القدس وفي غيرها من المدن الفلسطينية آنذاك.
وبالطبع، فإن هذا الانتعاش النسبي في الاقتصاد وفي الإدارة وفي العمران، لم يحجب عن الأنظار الهدف الذي كانت تسعى إليه دولة الانتداب، وهو تسهيل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وفقا لوعد بلفور. ومن جرّاء ذلك، عاشت البلاد حقبة جديدة كان خليل السكاكيني من أوائل من تنبّهوا إلى مغزاها، وإلى ما تحمله من مخاطر ناتجة عن الهجرة الصهيونية التي كانت تتدفّق على فلسطين، ولفت الأنظار مع غيره من ذوي الرأي إلى ضرورة التصدّي لها حماية للوطن ولأهله من عواقبها.
وبالطبع، فقد كانت الغزوة الصهيونية المدعومة من قوى الاستعمار أكبر من قدرات الشعب الفلسطيني على دحرها. وما يعنيني الآن الثناء على الجهود التي بذلها باحثون فلسطينيون وعرب للكتابة عن التنويريين الفلسطينيين الذين كانت لهم إنجازات ظلّت باقية رغم الهزيمة، في شتى ميادين الأدب والفن والعلم والتربية والفكر والسياسة. ولعلّي أخص بالذكر مؤسسة الدراسات المقدسية التي نشرت يوميات خليل السكاكيني ومذكرات واصف جوهرية وغيرها، وكذلك الباحث جهاد أحمد صالح الذي كتب بجهد فردي عشرين كتابًا عن عشرين من الروّاد المقدسيين، من بينهم خليل السكاكيني، روحي الخالدي، بندلي الجوزي وآخرون. والباحث سعيد مضية الذي كرّس كتابه "رواد التنوير في فلسطيين"، لتسعة من الروّاد، من بينهم توفيق كنعان وكلثوم عودة.
بقي أن أشير إلى ضرورة متابعة هذه الجهود لتسليط الأضواء على آخرين من روّاد التنوير الفلسطينيين، أو ممن أسهموا في رفد هذا التيار، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر: الشاعر محمد علي الصالح، الإذاعية فاطمة البديري وزوجها الشاعر عصام حماد، الصحفي حسن مصطفى، والمربي عادل جبر.

من الظلمات الى النور اليك هذه السطور المتواضعة
كتبت بجنون حبك وعنفوان احساسك العالي
بلهفة قلمك على الكتابة وشجن الحروف بالاناقة
يشتعل نارا من يدخل بين كلماتك نار الشوق الكبير
حروفك ملتهبة بشموع احساسك العالي
تخطف من يراك الى عالم جنون لهيب شوقك
الزهر والشجار تتبسم عندما ترى كلماتك
لانها تشعر بنشوه تملأ دنيتها وتتالق
كتبت الاحساس العالي كله والرقة باشكالها
وتتوافد العطور من عباراتك التي توجتها بحروفك المضيئة
عاش قلمك الحسساس الرقيق
وعاشت كتاباتك الانيقة الرقيقة
دمت لنا ودام صوت قلمك الرائع
باحترام تلميذك
ابي مازن

» في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الشاعر المعلم عبدالرسول معلة / د. لطفي الياسيني
» في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الشاعر المعلم عبدالرسول معلة / د. لطفي الياسيني
» في الذكرى الحادية عشر لرحيل ياسر عرفات : محمود كعوش
» على الخليلي.. حضور بارز في المشهد الثقافي / بقلم الاديب محمود شقير
» الذكرى التاسعة لرحيل صديقي محمود ابو الزلف «ابو مروان » / د. لطفي الياسيني

صفحة 1 من اصل 1