ما ذا لو استيقظ العرب ولم يجدوا إسرائيل؟
محمد صالح مجيّد
5/29/2010
لنفترض جدلا أنّ العرب استيقظوا ذات يوم بعد النوم الوديع الذي ينعمون به في أوطانهم، ولم يجدوا إسرائيل. ولنفترض أنّهم لم يصدّقوا أعينهم ولا أسماعهم، من هول المفاجأة السّارة المحزنة، ففتّشوا عنها في الخرائط القديمة والحديثة، في الهند والسنّد، ولم يعثروا لها على أثرفماذا تراهم فاعلين؟؟'ولنفترض (ما دام الافتراض مجّانا إلى حدّ كتابة هذه الأسطر)أنّ أمريكا قالت لهم، عن طيب خاطر، خذوا أرضكم التي ظللتم تنوحون دهرا لاستعادتها.خذوها بلا خسائر. وأصلحوا ما فسد فيها. ورمّموا ما تداعى مِنْ مبانيها للسّقوط. وشمّروا عن سواعد الجدّ. واقتصّوا من التاريخ الذي تدّعون أنّه قد خذلكم. الأكيد أنّ أياّم الفرح والزغاريد، والطبول ستمرّ بسرعة، وسيجتمع العرب لاقتسام التركة تهزّهم العزّة بالنصر السّهل الذي لم يكلّفهم مالا ولا دماء..أوّل المهنّئين المبتهجين، بلا أدنى شكّ، لبنان الجارة الصديقة. هذه الدولة الصّغيرة التي ضحّت بأبنائها من أجل استعادة الوطن السّليب، وتحمّلت القصف العنيف وأزيز الطائرات دفاعا عن القدس. والأكيد أنّها ستتمسّك، أكثر من أيّ وقت مضى، بمزارع 'شبعا' التي تنازلت عنها غصبا، لأنّ 'إسرائيل' الدولة الاستعماريّة كانت مدعومة من الإمبرياليّة. وبما أنّ الدولة المعتدية قد اختفت من الوجود فالأَوْلَى أن تعود الأرض إلى أصحابها. وكما واجهت 'لبنان' الحرائق دفاعا عنها، ستواصل نضالها لاستعادة كلّ شبر من الأراضي اللبنانيّة كلّفها ذلك ما كلّفها.
أما 'مصر' الأخت الكبرى، فستلجأ إلى تذكير الفلسطينيين بما قامت به من أجلهم في السّابق، وستعيد على مسامع كلّ واحد منهم حكايات البطولة التي مات فيها أبناؤها لمّا عبروا القتال وعرّبوها بعد أن كانت عبريّة. وهي تهيب بالفلسطينيين كي يعترفوا لها بالجميل، ويعيدوا إليها غزّة بعد أن عادت 'سيناء' ألم يغنّ الفلاّحون 'سيناء وغزّة لن يظلا لليهود'؟؟ والأكيد أنّها ستطرح عليهم، في غمرة احتفالاتهم، قضيّة الجدار الإسمنتي الذي تورّطت فيه، وتحمّلت من أجله أذى ألسنة السوء.وبما أنّه سيصبح، في غياب إسرائيل، عبئا ثقيلا بلا مردوديّة ماليّة أو سياسيّة فهي تعوّل على شهامة الفلسطينيين كي يتحمّلوا أقساطا من القرض، و يفكّروا في استغلاله سياحيّا كما استغلّت 'ألمانيا' جدارها بعد أن سقطت مبرّرات وجوده... وهي تأمل أن يصل كرم الفلسطينيين إلى حدّ إدراج بعض ديون هذا الجدار الإسمنتي في ميزانيّة الدولة الفلسطينيّة الجديدة التي ستتهاطل عليها القروض تعويضا عن سنوات الحرمان. '
والأكيد أيضا أنّ 'سوريّة' هي الأخرى ستسعد باستعادة الجولان، وستؤكّد نجاعة مقاربتها لإدارة الصراع مع العدوّ.وهي بلا شكّ ستهنّئ الفلسطينيين على إنجازهم التاريخي بعودتهم إلى أراضيهم.وقد تعمد إلى طلب ثمن إيجار مكاتب بعض الفصائل الفلسطينيّة التي اتخذت من دمشق مقرّا لها.'وهذا أمر طبيعي. ذلك أنها في القديم كانت توفر لهم الحماية، وتأويهم من خوف مجانا خدمة للقضيّة الفلسطينيّة المقدّسة. وهي تطلب أن تنعقد اجتماعات ثنائيّة، في أسرع وقت، من أجل النظر في بحيرة 'طبريّة' التي تثبت كل الخرائط أنّها سوريّة. وإذا كانت إسرائيل الدولة الظالمة قد زيّفت كلّ الحقائق، وأخرست الألسن، فإنّه لا مجال لتواصل الصمت والسكوت عن الحقّ المغتصب. 'الأردن' الشقيقة هي الأخرى ستطالب بإرثها في القدس، وستجلب الوثائق التي تؤكّد حقّها في إدارة الأماكن المقدّسة فيها. وستطرح على طاولة المفاوضات قضيّة الاستغلال المشترك للمياه. فإسرائيل السّارقة.'كانت تبتزّ 'الأردن'، وتحرمها من حصّتها في الماء. أماّ وقد زالت هذه الدولة، فإنّ الدفاع عن حقّ 'الأردن' في الحياة مسألة لا يمكن السكوت عنها مهما كان الثمن.'وهي ليست بحاجة إلى أن تذكّر بأنّ كثيرا من الفلسطينيين الذين أصبحوا أردنيين سيطالبون بأراضيهم، وبممتلكاتهم في القدس القديمة التي اغتصبها اليهود.'وهي تعوّل على حكمة الدولة الفلسطينيّة لاسترجاع ممتلكات مواطنيها.'
أمّا الفلسطينيون الذين فاجأهم غياب إسرائيل، فسيجدون أنفسهم في صراع حول اسم الدولة التي سيقيمونها على أرض إسرائيل الزائلة فهم في حيرة بين 'الولايات المتّحدة الفلسطينيّة' وبين 'جمهوريّة غزّة ورام الله الإسلاميّة'. وفلسطينيو 1948 في خوف من أن تكون خدمات الكهرباء والماء والاتصالات التي ستؤّمنها الدولة الفلسطينيّة الجديدة أقل جودة من الشركات الإسرائيليّة ، وفي هلع من أن تتدهور قدرتهم الشرائيّة في ظلّ الدولة الجديدة.'
ومن غير مستبعد أن تندلع، بين مختلف الفصائل الفلسطينيّة، حرب جديدة على الحقائب الوزاريّة ، وعلى توزيع رؤساء المحافظات ما سيعجّل بقدوم 'عمرو موسى' لعقد قمّة عربيّة طارئة تخصّص لحلّ الصراع الفلسطيني/ الفلسطينيّ أوّلا، والصراع العربي /الفلسطينيّ ثانيا. وسيكون لاجتماع الجامعة العربية طعم آخر لأنّه أول لقاء ينعقد في غياب إسرائيل ولأنّ كلّ دولة عربيّة مجاورة لفلسطين العائدة بعد طول غياب، ستحاول الدّفاع عن مصالحها التي سكتت عنها طويلا.'وسيكون هذا اللقاء العربي مناسبة لطرح القضايا العالقة التي لا تهمّ الفلسطينيين بمفردهم. وهذه النقاط كما أجهد أمين الجامعة العربيّة نفسه في ترتيبها وتبويبها:
ماذا سيكون مصير المقاومة الفلسطينية؟؟؟ هل سيدمج سلاحها في صلب الجيش الفلسطينيّ؟ هل تحتاج الدولة الجديدة لصواريخ القسّام درعا يحميها؟ هل ستتحوّل الفصائل الفلسطينيّة إلى أحزاب معترف بها أم أنّ الحكومة الجديدة ستعمد إلى سياسة الحزب الواحد والزعيم الأوحد إسوة بأشقائها العرب؟؟ ما هو مصير الأسلحة التي اشترتها الحكومات العربية المتعاقبة لمحاربة إسرائيل، ثمّ خزّنتها في الأقبية ليتوسّدها السّجناء الذين فكّروا في استعمالها؟'
كيف السبيل إلى صمود أنظمة بنت عروشها على ادّعاء مساندة 'فلسطين'، ووضعت كلّ من يناوئها في السجن بتهمة إعاقة جهود الدولة عن مواجهة إسرائيل؟؟ مَنْ سيدفع ـ مستقبلا- المال لآلاف اللاجئين في دول أوروبيّة وأمريكية جنوبيّة الذين استثمروا ضياع الوطن بالإقامة في منازل فخمة، والتنعّم بالدولار 'النضالي' واليورو 'الجهادي'؟
وبعد أخذ وردّ، وتبادل السّباب بين الوفود العربيّة محافظة على العادة العربيّة الأصيلة في عقد القمم، تلا 'عمرو موسى' البيان الختامي:
ضمانا للوَحدة العربيّة المهدّدة، وحرصا على العمل العربي المشترك، تدعو الدول العربيّة المجتمعة لتدارس غياب 'إسرائيل' المفاجئ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى البحث عن 'إسرائيل'، وإعادتها إلى مكانها، في أقرب الآجال، بعد أن تبيّن أنّ غيابها يهدّد الأمن القومي العربي، من المحيط إلى الخليج، وينذر بدخول العرب في حروب طويلة تعيد إلى الذاكرة حرب 'داحس والغبراء'، وحرب البسوس'.
وإنّ الدول العربية المجتمعة لتدارس تسلّم 'فلسطين' بلا حروب تُمْهِل راعي السلام والرباعيّة، شهرا لإعادة 'إسرائيل'، أو البحث عمّن ينوبها ليسدّ الثغرة. وتذكّر استعدادها لحرمان أمريكا من الإمدادات النفطيّة في صورة تقاعسها عن البحث السريع عن هذه الدولة وتركيز حكمها من جديد.
ملاحظة: تمّ إلغاء الندوة الصحفيّة التي كان من المقرّر أن يعقدها أمين عام الجامعة العربيّة بعد انسحاب الصحافة الغربيّة احتجاجا على لغة التهديد والوعيد التي تضمّنها البيان الختامي.'
' كاتب تونسي