أرادوها طقوساً انتخابية فهتف العراقيون بحقوق وطنية
د. مثنى عبدالله
November 18, 2013
تكبير الصورةتصغير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية. يقينا أن المسافة بين ضمير حي وآخر غادره الاحساس كبيرة جداً، بل انها تقاس بالسنوات الضوئية لمن يعمل فــــي خدمة عامة، لان الفعل وعدم الفعل لن يمس أفرادا قلائــــل، بل حياة الملايين من البشر فيحيلهم الى أقوام إما تعساء أو سعداء. للمسؤولين فاقدي الضمائر مزايا لا يستطيع غـــيرهم أجادتها، فهم يجيدون التلاعب بالالفاظ والمعاني، ويطوعون اللغة الى مفردات فارغة المحتوى لا تفهم منها الا صدى أصواتهم. هكذا عرفناهم في
العراق على مدى الزمن الممتد بين العام 2003 وحتى الوقت الراهن، انتصارات مزعومة في عز الهزائم، وأحاديث طويلة عن عصر الديمقراطية، وسط الاقصاء والتهميش والقتل السياسي، وفقر مدقع في ظل وفرة مالية لم يعرفها
العراق منذ عقود.
ضعوا كل خطبهم في موازين الحق ستجدونها لا تعادل جناح بعوضة، لانها باتت بلا رصيد، كالعملة الورقية التي ليس لها ما يعادلها من المعدن الاصفر، حتى باتوا لا يتورعون عن استخدام أية مناسبة لاستعراض عضلاتهم اللفظية، كي يستمروا في مناصبهم التي مزاياها القتل والتدمير والافقار الاجباري وغياب الوطن عن الساحة الدولية، وهكذا كان مؤخرا بمناسبة عاشوراء. فالطاغية يقول بأن العراق بحاجة الى نهضة حسينية لمواجهة الارهاب، بمشاركة العشائر والسياسيين والاعلاميين، وهو يمارس ارهاب الدولة على كل المواطنين بقوات ‘سوات’، التي ليست لها أية حدود في الصلاحيات، وذات حصانة قانونية لا يمكن المساس بها. ويدعي بأننا في حاجة الى حسين يوحد الكلمة في مواجهة الباطل، وكل شركائه السياسيين، عربا وكردا ومن مختلف الطوائف، اتهموه مرارا بأنه أحد عباقرة الباطل في التاريخ الحديث.
ويشير الى أن الذين قتلوا الحسين هم الذين يقتلون العراقيين اليوم، بينما يعلم جيدا بأن معدلات قتل العراقيين على يد قواته وفي التفجيرات التي هو المسؤول الاول عنها، لفشله في القيادة والسيطرة لازالت في ازدياد مستمر، حتى كانت احصائية الشهر المنصرم هي الاعلى بين كل السنين الماضية، ثم يختم خطابه قائلا، بأن دعاة الحق وجدوا في ثورة الحسين عليه السلام نبراسا يستحق الاتباع، ونتساءل هل هو من ضمن التابعين لهذا المنهج حقا؟ وهل الصور التي تتناقلها وكالات الانباء يوميا عن الوضع المأساوي العراقي تشير من بعيد أو قريب الى أن ساسة العراق هم حقا من أتباع الحسين؟ واذا كان زعيم المجلس الاعلى الاسلامي، الذي هو الاخر أدلى بدلوه الوعظي بهذه المناسبة، يدعو الى قيام جيش حسيني ثائر عابر للطوائف والاديان والقوميـات، فاننا نقول، أليس من الاجدى أن يتخلى ساسة اليوم، الذي هو أحد زعماء الكتل بينهم، عن كل هذه التوصيفات ويشكلوا حكومة عابرة للطوائف، ثم يشكلوا بعدها جيشا حسينيا؟ أليس الجيش الحالي هم من ساهموا جميعا بتشكيله من عناصرهم الميليشياوية وعلى أسس طائفية ومناطقية وحزبية؟
اذن هل كانت قيم الحسين غائبة عن أذهانهم حينها حينما مارسوا كل طرائق الرذيلة السياسية في بناء مؤسسات وهمية؟ واذا كان يدعو الى جعل هذه المناسبة محطة لمراجعة المواقف والتحاور، كما يقول في خطبته، فأين مثلها المناسبات العشر التي مرت في ظل حكمهم وسلطانهم على العراق، فلماذا لم يتحاوروا فيها للوصول الى نتيجة تنقذ البلاد والعباد من الظلم والفقر والجهل والطغيان والفساد المالي والاثراء الباطل؟
يقينا لقد سمع العراقيون جميعا نفس نبرة هذه الخطابات، وتكررت نفس الكلمات على مسامعنا في كل تلك المناسبات، من دون فعل يذكر، وهي اليوم لا تعدو سوى أن تكون خطبا انتخابية اختارت زمنها في محفل تتزاحم فيه عواطف الكثير من العراقيين، كي يتم التلاعب بالمشاعر ويثار الغبار على افعالهم المخزية، فيتم انتخابهم من جديد. ان خطاباتهم التي تزاحمت فيها مناقب ثورة الحسين عليه السلام كانت مقتصرة على التذكير بمأساة الواقعة فقط، وهي مخادعة سياسية الهدف منها اللعب على الغرائز وتمثيل دور حملة الرسالة لكسب الناخب الذي يكّن لصاحب الذكرى المحبة والتقديس. انه اجتزاء لحياة الحسين واختصار متعمد لسيرته العطرة لاغراض انتخابية.
لقد تجنبوا في خطبهم ذكر زهده وتقواه واعانته للمحتاج والفقير، وتفضيله المصلحة العامة على مصالح أهل بيته، لكن كيف لمن أثرى بالباطل وقتل وشرد وأقصى واجتث ودمر البلاد أن يذكر تقوى المتقين وزهد الزاهدين وعدالة العادلين؟ بل انهم يهربون من الحديث عن سبب خروجه الذي كان من أجل الاصلاح واحقاق الحق، بينما جاءوا هم على ظهور دبابات الغزاة الطامعين فنشروا الفتنة الطائفية والرذيلة السياسية، وتسابقوا في هدم كل أركان الدولة. لقد تباروا بالخطاب من نهضة حسينية الى جيش حسيني في نفس اللحظة التي كانت فيها بغداد وبقية المحافظات غارقة بمياه الامطار بسبب فسادهم، وسقطت بسببها بيوت وتضررت فيها ممتلكات خاصة وعامة، وتشرد فيها الاف الناس. كما أن خطبهم ترافقت مع حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت مناطق عديدة في العاصمة وبقية مدن العراق، وميليشيات تجوب بعض المناطق داعية الى التهجير مرة أخرى، واغتيالات طالت العديد من رجال الدين في محافظة ديالى، التي أغلقت جوامعها بسبب استهداف المصلين والائمة على حد سواء، بينما مازالت جموع الناس المعتصمة في العراء منذ عشرة أشهر في محافظات ست تطالب بحقوق وطنية لاغبار عليها، من دون استجابة من المدعين بالتمسك بالمنهج الحسيني، ثم جاءت المفاجأة الكبرى لهؤلاء المدعين بأنهم ورثة الحسين ومبادئه الاخلاقية، تلك الاصوات الشريفة التي خرجت في جنوب العراق تستذكر الحسين، في نفس الوقت الذي رفعوا فيه شعارات تفضح فساد رموز السلطة وجورهم واهمالهم للفقراء والمساكين وابتعادهم عن كل قيم الحق والعدالة، فعلا صوتهم على صوت الخطباء في المجلس الذي أقامه الطاغية. فهل سيقول عنهم أيضا أنهم فقاعة نتنة ويتهمهم بأنهم طائفيون ممولون من الخارج، كما وصف المعتصمين في الانبار؟
‘ باحث سياسي عراقي