تواصل نشاط السوق السوداء في مصر يظهرمحدودية التعافي الإقتصادي رغم تدفق مليارات الدولارات الخليجية
February 4, 2014
القاهرة – رويترز: إتخذ البنك المركزي المصري خطوات إستثنائية لتعزيز الجنيه وكبح السوق السوداء للعملة الصعبة، لكن التعاملات غير القانونية تواصل الإزدهار في الأزقة الخلفية ومكاتب الصرافة في أنحاء البلاد.
ويظهر هذا الصمود حدود الإنتعاش الإقتصادي منذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو/تموز برغم تدفق مساعدات خليجية بمليارات الدولارات على البلاد.
وتعاني مصر نقصا في المعروض من العملات الأجنبية، بسبب تراجع إيرادات السياحة والإستثمارات الأجنبية، فضلا عن أن كثيرا من المغتربين يفضلون إرسال أموالهم إلى البلاد عبر السوق السوداء التي يحصلون فيها على أسعار أعلى.
وينظم البنك المركزي، للعام الثاني، عطاءات لبيع العملة الصعبة من أجل تلبية الطلب. وطرح البنك الشهر الماضي أكبر عطاء له على الإطلاق باع خلاله 1.5 مليار دولار. وأغلق أيضا بعض شركات الصرافة لتلاعبها في الأسعار.
لكن السوق السوداء في القاهرة تشهد طلبا كبيرا على الدولارات. ويقول متعاملون في بعض البنوك انهم عجزوا عن تلبية طلب عملائهم عبر القنوات الرسمية على مدى أشهر.
وأفسح عزل مرسي المجال أمام مصر للحصول على مساعدات بمليارات الدولارات من حلفاء الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش في الخليج – السعودية والكويت والإمارات – رغم إضطرارها إلى إعادة مليارات اُخرى إلى قطر التي دعمت جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي.
وحافظت السلطات المصرية على سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق الرسمية. وتوقف التراجع في إحتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، والتي اقتربت في بعض الأوقات من مستويات حرجة، رغم أنها لا تزال عند نصف مستوياتها قبل الانتفاضة في أوائل عام 2011.
لكن يبدو أن البنك المركزي لا يزال عاجزا عن توفير كل الدولارات التي يحتاجها الإقتصاد، في حين يرى كثير من المصريين خطر المزيد من التراجع للجنيه في المستقبل، ولذا فهم على استعداد لشراء الدولارات بعلاوة كبيرة من السوق السوداء.
وقال محمد أبو باشا الخبير الإقتصادي لدى المجموعة المالية هيرميس والمقيم في القاهرة ‘دائما ما يكون هناك نقص في السوق تتخلله أحيانا هذه العطاءات الكبيرة.’
وقدر أبو باشا الفجوة الشهرية بين الطلب على الدولار والمعروض منه في مصر بما يتراوح بين 500 مليون دولار و700 مليون، بافتراض أن النمو الإقتصادي يتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة.
وكانت السوق السوداء للعملة مزدهرة في مصر أثناء فترة الإضطراب الإقتصادي في عام 2003. وإختفت هذه السوق إلى حد بعيد مع تحسن الإقتصاد، لكنها ظهرت مجددا بعد ثورة يناير عام 2011 التي تسببت في هروب كثير من السياح والمستثمرين الأجانب.
ويبلغ السعر الرسمي للجنيه المصري بين البنوك 6.96 جنيه للدولار، وهو أضعف بنحو 11 في المئة مقارنة مع مستواه قرب نهاية عام 2012، حين بدأ البنك المركزي نظام العطاءات كسبيل لترشيد إستخدام العملة الصعبة وحماية إحتياطاته من النقد الأجنبي.
ويتعين على البنوك تداول الدولارات في نطاقات محددة حول أقل سعر مقبول في عطاءات البنك المركزي، وذلك في المعاملات بين البنوك وتعاملات الشركات والأفراد، مما يعطي السلطات سيطرة كبيرة على أسعار الصرف الرسمية.
ولكن عمليا يجد الكثير من الشركات والأفراد المصريين صعوبة في الحصول على ما يحتاجونه من الدولارات من البنوك التجارية، ومن ثم يتجهون إلى تجار السوق السوداء الذين حددوا سعر صرف العملة المصرية حاليا عند حوالي 7.35 جنيه للدولار.
وقد يكون تجار السوق السوداء باعة جائلين يرتدون معاطف جلدية، أو رجالا يرتدون سترات أنيقة ويعملون في مكاتب صرافة فخمة. أما الزبائن فهم رجال أعمال أثرياء، وطلاب يدرسون في الخارج، ومتقاعدون يريدون حماية قيمة مدخراتهم من التضخم الذي يتجاوز العشرة في المئة.
ويقول تاجر في أحد شوارع القاهرة إنه يستطيع جلب ما يصل إلى 100 ألف دولار لعملائه في غضون اُسبوع. ويضيف والإبتسامة مرسومة على شفتيه ‘يمكنني أن أجلب لك مليونا إذا أردت.’
هؤلاء التجار يحصلون على كثير من دولاراتهم من المصريين العاملين في الخارج. فتحويلات المغتربين تمثل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة في مصر، لكن بعض العاملين يحولون أموالهم إلى اُسرهم عبر السوق السوداء التي يحصلون فيها على سعر بالجنيه أكبر مما يمكن أن يحصلوا عليه إذا أرسلوها عبر الحسابات المصرفية والسوق الرسمية.
ويقول تاجر في مكتب صرافة مرخص قرب شارع عدلي التجاري في القاهرة انه يعاني في تجارته نظرا لأنه يشتري الدولارات بسعر الصرف الرسمي على عكس بعض منافسيه ممن يعملون بالقرب منه. ويضيف ‘يسألني الزبون عن سعر الدولار وعندما أقول لهم السعر الرسمي لا يعجبهم وينصرفون.’
وإتخذت السلطات إجراءات قانونية ضد بعض شركات الصرافة، إذ أغلقت 13 شركة مؤقتا الشهر الماضي، لكن الحملة لم تقترب من حد إستئصال السوق السوداء. وقد يرجع السبب في ذلك إلى إدراك المسؤولين أن إغلاق هذه القنوات بالكامل من شأنه أن يسبب المزيد من الصعوبات للاُسر والشركات.
وسعى البنك المركزي في ديسمبر/كانون الأول لسد ثغرة في السوق الرسمية، بعدما نبه البنوك التجارية إلى أنها ملزمة بتداول جميع العملات الأجنبية وليس الدولار وحده بالأسعار الرسمية.
غير أن بعض التجار قالوا ان ذلك قد يؤتي بنتائج عكسية بتشجيع البنوك التجارية – التي قد تجد صعوبة أكبر في جني مكاسب من مبيعات اليورو – على إدخار العملة الأجنبية وهو ما من شأنه أن يدفع المزيد من الزبائن إلى السوق السوداء.
ويرى كثير من التجار أن السبيل الوحيد المضمون للقضاء على السوق السوداء هو قيام البنك المركزي بزيادة المعروض من النقد الأجنبي. ودشن البنك في ديسمبر/كانون الأول 2012 نظام العطاءات لوقف إقبال على شراء الدولار.
وبدت السلطات قريبة من تحقيق النجاح في الأسابيع التي تلت عزل مرسي، حين تفجرت مشاعر تفاؤل بخصوص المستقبل السياسي في مصر أدت – على ما يبدو – إلى إجتذاب بعض الأموال إلى البلاد مجددا، وهو ما خفف من حدة نقص الدولار.
وقال أحد التجار ان الفجوة بين السعر الرسمي للعملة الأمريكية وسعرها في السوق السوداء تقلصت إلى نحو خمسة أو عشرة قروش بعد مزاد كبير لبيع الدولار في سبتمبر/أيلول الماضي.
لكن الفجوة إتسعت مجددا في الأشهر القليلة الماضية لتصل إلى نحو 40 قرشا. ورغم أنها أصغر منها في عهد مرسي – حين بلغت نحو 90 قرشا -لكنها كبيرة بما يكفي لتعكس إختلالا كبيرا في التوازن بين العرض والطلب.
ورغم إستقرار ميزان المدفوعات في مصر بفضل المساعدات الخليجية – حيث جرى التعهد بتقديم 12 مليار دولار في يوليو/تموز ومن المتوقع قدوم المزيد في الأشهر القليلة المقبلة – إلا أنها لم تؤد حتى الآن إلى إنتعاش في قطاع السياحة أو عودة قوية لتدفق الإستثمارات المباشرة إلى البلاد.
ويعني هذا أن الوضع التجاري الخارجي للبلاد لا يزال معرضا للخطر، ولا يزال البنك المركزي عاجزا عن ضخ ما يكفي من الدولارات في سوق العملة الرسمية لتهميش السوق السوداء.
وقال أبو باشا ‘لا تستقبل السوق جميع المساعدات. فبعضها يدخر في البنك المركزي لإعادة ملء الإحتياطيات أو سداد ديون خارجية أو ثمن واردات.’
وشهدت مصر عجزا كبيرا في ميزان تجارة السلع والخدمات بلغ 24.9 مليار دولار في السنة التي إنتهت في يونيو/حزيران الماضي، بينما يبلغ صافي الإستثمارات المباشرة التي تضخ في البلاد نحو أربعة مليارات دولار سنويا، إنخفاضا من نحو ثمانية مليارات دولار قبل ثورة يونيو عام 2011.
ويؤدي ذلك إلى إستمرار الضغط على إحتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي. فحتى مع المساعدات الخليجية إرتفعت الإحتياطيات إلى نحو 17 مليار دولار فقط، من 13.4 مليار دولار في مارس/آذار 2013، لكنها تقل كثيرا عن مستواها قبل 2011 حين وصلت إلى حوالي 36 مليار دولار.
وزاد الوضع تعقيدا بسبب التوتر بين مصر وقطر. وفي حين سعدت السعودية والإمارات والكويت بسقوط مرسي وقدمت مساعدات لمصر بعد عزله، تقلص – بل توقف – الدعم المالي الذي كانت تقدمه قطر القريبة من مرسي.
وقال مصدر في البنك المركزي المصري ان مصر ردت ودائع قطرية بقيمة ثلاثة مليارات دولار منذ سبتمبر/أيلول، وتعتزم رد ثلاثة مليارات اُخرى حين يحل أجل سندات مع حلول نهاية العام الحالي.
وقال تاجر عملة في بنك تجاري في القاهرة ‘كان هدف البنك المركزي القضاء على السوق السوداء من خلال طرح عدة عطاءات خاصة’، مضيفا أنه ثبتت أستحالة ذلك نظرا لرد الودائع القطرية.
ورأى أبو باشا أن من المرجح أن يستمر نقص الدولار ما دامت مصر تعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات الأجنبية لدعم ميزان المدفوعات. وأضاف ‘في ظل مثل هذا الوضع الذي يشهده ميزان المدفوعات لن تختفي السوق السوداء قريبا’.