الإزدهار المستقبلي لشمال السعودية سيعتمد على الفوسفات وليس النفط
February 13, 2014
طريف (السعودية) – رويترز: تُبشّر لوحات إعلانية على طريق سريع عند بلدة طريف الصحراوية، الواقعة في أقصى شمال السعودية، بمستقبل مشرق فيه مبان بواجهات زجاجية وأحياء سكنية تظلل أشجار النخيل شوارعها .. مستقبل لن يعتمد على النفط السعودي.
في الأسبوع الماضي تجمع عدد من وزراء الحكومة في خيمة قرب تلك البلدة القاحلة، التي تبعد 1100 كيلومتر عن الرياض، لتوقيع عقود لإنشاء مُجَمَع صناعي حول منجم فوسفات وسكة حديد جديدة تصل إلى ميناء على الخليج بإستثمارات إجمالية تقدر بأكثر من تسعة مليارات دولار.
ويمثل مشروع ‘وعد الشمال’ جزءا من إستراتيجية عامة في السعودية، أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، لبناء صناعات تحويلية ودعم القطاع الخاص بدلا من الإكتفاء بتصدير المواد الخام.
ويأتي المشروع في أعقاب إنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، الواقعتين على ساحل الخليج وساحل البحر الأحمر، في الثمانينات مع نمو إنتاج البتروكيماويات في البلاد.
وتعمل الرياض أيضا على تطوير مدينة ‘الملك عبد الله الإقتصادية’ قرب جدة والتي تديرها شركة ‘إعمار المدينة الإقتصادية’ كمشروع للقطاع الخاص بأهداف مماثلة.
وقال بول غامبل، المدير في إدارة المخاطر السيادية في مؤسسة ‘فيتش’ للتصنيف الإئتماني ‘أعتقد أن هذا المنهج سيساعد على تنويع القاعدة الإقتصادية … وتنويع إيرادات التصدير، وسيكون له أثر على التوظيف وإن لم يكن كبيرا. الشيء الوحيد الذي لا يشمله هو تنويع إيرادات الميزانية’.
ولم يكن لجهود تنويع النشاط الإقتصادي من خلال الصناعة في الفترة الأخيرة أثر يذكر على البيانات الرسمية المتعلقة بحجم صناعة النفط مقارنة بالإقتصاد بأكمله، إذ إن نمو إيرادات النفط فاق نمو القطاعات غير النفطية.
وتظهر أحدث بيانات من البنك المركزي السعودي أن صناعة النفط والغاز شكلت 49.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012، إرتفاعا من 37.7 في المئة في 2002، وذلك بفضل تضاعف سعر خام برنت إلى نحو أربعة أمثاله في تلك الفترة.
لكن كثيرا من المحللين يتوقعون إنخفاض أسعار النفط في السنوات القليلة المقبلة، مع زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وهو ما سيسلط الضوء على فوائد تنويع الأنشطة الإقتصادية.
وقال وزير الإقتصاد السعودي محمد الجاسر للصحافيين في طريف ان السعودية بدأت بتصدير النفط الخام، ثم إنتقلت إلى التكرير، ثم جمع الغاز وإنشاء صناعة البتروكيماويات، وأعقب ذلك نشاط التعدين واسع النطاق. وأضاف أن صناعات كبرى ترتبط بنشاط التعدين.
وكان الجاسر يتحدث في موقع تحيط به الصحراء من كل الإتجاهات حتى تصل إلى الأفق، لكنه سيكون عند إكتمال المشروع منطقة رئيسية لإنتاج المنتجات الفوسفاتية، ومن بينها سماد الأمونيا والعلف الحيواني والبلاستيك والمنظفات.
وقد تتحول شركة التعدين العربية السعودية (معادن) التي تملك الدولة نصف أسهمها – وهي أكبر مساهم في المشروع – إلى لاعب كبير في صناعة المعادن العالمية، على غرار التحول الذي مرت به شركة ‘سابك’ التي بدأت من الصفر في الثمانينات وأصبحت اليوم من أكبر شركات الكيماويات الصناعية في العالم.
و’سابك’ ليست مصدرا سعوديا رئيسيا للصادرات غير النفطية فحسب، بل تزود العديد من المصانع في الجبيل وينبع بالمواد الخام.
وقال وزير المالية إبراهيم العساف إن المنطقة ستضم صناعات عديدة لها فوائد كثيرة من ناحية التوظيف.
ومع إهتمام السعودية بخلق فرص عمل من خلال مشروع ‘وعد الشمال’ تخطط المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لإنشاء معهد جديد في منطقة قريبة لتخريج 300 شخص سنويا للعمل في القطاعات الصناعية.
وتتزايد أعداد السعوديين العاملين في المجالات التقنية التي كانت ذات يوم حكرا على الوافدين، وهو إتجاه تعمل الحكومة على تشجيعه من خلال تعديل نظم العمل.
غير ان شركات كثيرة مازالت تقول انها تفضل توظيف العمالة الوافدة التي تقل تكاليفها مقارنة بالعمالة السعودية ولديها خبرة أكبر.
وكانت وزارة النفط السعودية تتجاهل إنتاج المعادن، وظل النشاط في هذا المجال على مدى عقود مقتصرا على إستخراج الذهب في نطاق ضيق. لكن الحكومة أنشأت شركة ‘معادن’ عام 1997، وفتحت القطاع للمستثمرين الأجانب والقطاع الخاص عام 2001.
وقال وزير البترول علي النعيمي للصحفيين ان الاستكشافات لم تكد تغطي السعودية، وان هناك فرصا كبيرة جدا لإكتشاف ثروات معدنية أضافية. وأضاف أن هناك نشاطا كبيرا واهتماما بالثروة المعدنية.
وخصخصت السعودية شركة ‘معادن’ جزئيا عام 2008، حين طرحت نصف أسهمها في البورصة السعودية. وإتجهت الشركة إلى مشروعات التعدين الضخمة مدعومة بالبنية التحتية التي تنفق عليها الدولة بسخاء.
وكان الدافع وراء إنشاء ‘معادن’ وغيرها من الشركات التي أقامتها الدولة ‘وعينها على الخصخصة لاحقا’ هو أن تكون وسيلة لتوزيع الثروة والإستفادة من خبرة القطاع الخاص في مشروعات التطوير.
وقال غامبل ‘لديهم كثير من الشركاء الأجانب في هذه المشروعات الكبرى وهذا يمنح مزيدا من الثقة في عملية الفحص الفني وبالتالي فرص النجاح’.
وقد بدأت شركة ‘معادن للفوسفات’ العمل في 2011 كأول مشروع في المنطقة بالشراكة مع ‘سابك’ بطاقة إنتاجية تبلغ 11.6 مليون طن سنويا من خام الفوسفات، في موقع حزم الجلاميد في منطقة الحدود الشمالية، لتغذية مصنع لسماد الفوسفات ثنائي الأمونيوم في رأس الخير على ساحل الخليج تبلغ طاقته الإنتاجية ثلاثة ملايين طن سنويا.
وفي العام الماضي دشنت ‘معادن’ ثاني مشروع كبير وهو مشروع مشترك للألومنيوم بقيمة 10.8 مليار دولار مع شركة ‘ألكوا’ الأمريكية، ويتألف من مصفاة للألومينا ومصهر ألومنيوم ومصنع درفلة في رأس الخير.
ويستورد المشروع المواد الخام حاليا لكنه في نهاية الأمر سيستخدم خام البوكسيت من منجم البعيثة قرب قبة في منطقة القصيم، الذي من المقرر أن يبدأ العمل هذا العام بإنتاج يبلغ أربعة ملايين طن سنويا.
وتربط شبكة سكك حديدية جديدة بين منجم الفوسفات في الجلاميد ومنجم البوكسيت في القصيم والمجمعات الصناعية في رأس الخير. وقد أنشأتها الشركة السعودية للخطوط الحديدية المملوكة للدولة، وسيجري مدها إلى مدينة ‘وعد الشمال’.
وأنشأت الحكومة الميناء الواقع في رأس الخير وبعض المنشآت الاُخرى، بينما شيدت ‘معادن’ محطة للكهرباء وتحلية المياه هناك لتغذية مشروعات الألومنيوم والفوسفات.
وسيضيف مشروع ‘وعد الشمال’ المشترك مع ‘سابك’ و’موزاييك’ الأمريكية إلى تلك المشروعات السابقة منجما في أم وعال قرب بلدة طريف وتسع منشآت صناعية ضخمة.
وقالت ‘معادن’ في ديسمبر/كانون الأول إنها حصلت على تعهدات تمويلية من البنوك بقيمة 4.2 مليار دولار، وستقدم مؤسسات حكومية ثلاثة مليارات دولار. ومن المتوقع بدء الإنتاج عام 2016. وستمول المؤسسات الحكومية أيضا توسعة شبكة السكك الحديدية والميناء.
وإنتهى المشروع من ترسية عقود الهندسة والتوريدات والبناء للمنشآت الرئيسية. وكانت أكبر العقود من نصيب ‘دايليم’ الكورية الجنوبية و’إنتكسا’ الإسبانية و’إس.إن.سي لافالين’ الكندية و’سينوبك للهندسة’ الصينية و’هانوا’ الكورية الجنوبية.
وحصلت شركة ‘فلور كورب’ على عقد الإستشارات الهندسية وتولت شركة ‘بكتل’ إدارة المشروع.
وقد أصبحت السعودية بالفعل مصدرا رئيسيا لليوريا والأمونيا – وهما من أكثر أنواع الأسمدة الصناعية إستخداما – من خلال شركة ‘سافكو’ التابعة لـ’سابك’.
وقال جون سفاكياناكيس كبير خبراء الإستثمار لدى شركة محمد السبيعي وأولاده للإستثمار (ماسك) السعودية ‘الأمر يتعلق بإستخدام مواردهم وإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة، بدلا من تصديرها كمواد خام. وحول هذه الفكرة بدأت إستراتيجية إقامة تجمعات صناعية على أمل خلق فرص عمل وصناعات لم تكن في البلاد من قبل’.