تضاريس الوجه المتعب
قراءة في ديوان الراحل الياس جريس
بقلم : الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
في احتفالية شديدة الحميمية أقامت رابطة الكتاب الأردنيين ـ فرع الزرقاء ، ومن ضمن فعاليات الزرقاء مدينة الثقافة الأردنية ، حفلا تكريميا للشاعر الراحل الياس جريس ، عضو الرابطة حتى وفاته ، وواحد من 50 مؤسسا من مؤسسي الرابطة ، والذي عاش من 1946 ــ 1998 ، أي عاش نحو 52 عاما أمضى نحو عشر سنين مصابا بالشلل ، وذلك بسبب جلطة دماغية ، وهي المرض الأشهر بين المفكرين ، (الله حارم التيوس من ها لنعمة)...!!!
على غير عادتها الرابطة والتي شأنها شأن كل ابداع ، تفتقر للحضور اكتظت الرابطة وامتلأت كل مقاعدها وبحضور كثيف من اسرة الشاعر الراحل ، وكان المتحدث الرسمي الأستاذ زياد عوده رئيس فرع الرابطة ، وتحدث الدكتور عيسى حداد ، الأخ الأصغر للشاعر الراحل ، وادارت الندوة الشاعرة منى خليل ، دينامو الرابطة ...!!!
ابتدأ زياد عوده الذي قدم ملخصا لسيرة ومسيرة عمر بينه وبين الراحل ، ولم ينته حتى ابتل صوته وترقرق في الدموع ، وشهق بالبكاء ، وكأن المشهد حيا ، والشاعر مسجى أمامهم ..!!
ولم يتمالك شقيق الشاعر نفسه هو الآخر فاحتاج لوقت حتى ابتلع دمعته وتحدث عن سيرة ذهبية لشاعر مبدع ، كان احد شهودها المقربين كل عمر الشاعر ..!!!
وبعدها قاموا بتوزيع نسخ من ديوانه ، والذي تم جمعه ونشره بعد رحيله بخمس سنوات ، ضم بعضا من قصائده ، وبعضا من مقالات أصدقاء وزملاء الشاعر ، وما يعنينا هنا هو الحديث عن الديوان ، وليس عن الأحتفالية ، فالديوان يقع في 106 صفحات من القطع المتوسط ، ويضم بين دفتيه (21 ) قصيدة ، و (
مقالات ومقدمة بقلم الدكتورة هند ابو الشعر ، وهذه القصائد هي :
1 ـ السقوط فوق العشب الأخضر ، مهداة للشهيدة الخالدة لينا النابلسي ، والقصيدة مغناة .
2 ـ أوراق من مفكرة المطان كبوجي ، والعنوان يدل على فحوى سيرة المطران المناضل الوطنية المشرفة .
3 ـ ليلة خمر من أمرئ القيس .
4 ـ الوقوف أمام المستحيلات السبعة .
5 ـ أشواك في حقول أليزا ، واليزا تعني الحقول الواسعة .
6 ـ تضاريس الوجه المتعب، وهي تحمل عنوان الديوان ، ولعلها من أجمل ما حوى بين دفتيه.
7 ـ قراءات عرافه على طريق النرفانا ، والنرفانا تعني الخلاص في المفهوم البوذي .
8 ـ الرحيل .
9 ـ احتفالات خاصة جدا .
10 ـ الريح والظل الممتد .
11 ـ مادونا ، ومادونا هي السيدة العذراء .
12 ـ الغناء بصوت مرتفع .
13 ـ نداء في زمن القهر .
14 ـ حكاية السأم .
15 ـ السقوط في لعبة الشطرنج ، ومهداة للرئيس أنور السادات ، أول من دق مسمارا في نعش العروبة ، وكأن العملية برمتها ليست أكثر من لعبة شطرنج خسرناها ..!!!
16 ـ بطاقة اعتذار الى الله عز وجل .
17 ـ البشارة .
18 ـ البطاقة الأولى الى أمي .
19 ـ رسالة الى الأحباء في مدينة الصحراء .
20 ـ أشياء خاصة جدا .
21 ـ الكتابة على الصخر .
ومجموعة من المقالات ، لعل أكثرها قربا من الشاعر وامتزاجا بشخصه والتصاقا بصحبته هو الأستاذ زياد عوده ، وكانت كلمته هي الرقم الأول ، والمقالات لكل من :
1 ـ وأخيرا توقف القلب عن النبض / زياد عوده .
2 ـ الشاعر الراحل الياس جريس ، ولقاء المحطة الأخيرة / الشاعر علي البتيري .
3 ـ سامحني يا الياس / الصحفي سمير الحياري .
4 ـ الشاعر الياس جريس مضى بصمت كما عاش ـ عصام قضماني .
5 ـ لينا ، الحق والرمز في شعر المرحوم الياس جريس / الدكتور عيسى حداد ، الشقيق الأصغر للشاعر الراحل ، تحدث عن ولادة تلك القصيدة العصماء المغناة .
6 ـ في وداع الشاعر الياس جريس / أحمد المصلح .
7 ـ الليلة الأخيرة / الدكتور عيسى حداد .
8 ـ غربة / قصيدة للشاعر محمد ناجي عمايرة .
مجموعة القصائد لا تساوي شيئا من رصيد شاعر ، منذ كان في الصف الثاني الأعدادي كان محررا ومشرفا ثقافيا في جريدة عمان المساء وبرعاية من الصحفي الكبير عرفات حجازي ، وكان حاضرا كل سنين عمره في المشهد الثقافي ، فأين ذهب مخزونه الكبير من الشعر ؟؟
أحسست وانا أقرأ شعر الياس جريس أنني أمام شاعر كبير غير عادي ، ولكن اهماله لهذا الكنز الأدبي ان لم يضعه حقا فقد أضاعه ،واستغرب من كثير من الشعراء والأدباء كيف يهون عليه اهمالهم لرصيد حياتهم ، سيما القصائد والأنتاج الأبداعي جزء من نفسه ، مثل أولاده..!!
الياس جريس الذي رأينا أشارة صغيرة الى ابداعه لا تساوي شيئا من مخزونه الأبداعي ومسيرة عمره الطويلة ، القى نصف ديوان تضاريس الوجه المتعب عليها شعاع ضوء ، أما النصف الثاني من الديوان فهو كلمات روتينية يقولها الأصدقاء في المناسبات ، وقد كان الرابط المشترك بينها هو المجاملات والأعتراف بالتقصير تجاه الآخرين وخصوصا وقت المحنة ..!!
هي كلمات أضاءت جوانب شخصية من جوانب حياتهم معه ، وما عدا ما كتبه زياد عوده الذي كان مشاركا للشاعر الراحل في جوانب كثيرة من حياته ، والذي لا زال يبكيه عندما يتحدث عنه ، حتى بعد 12 عاما من رحيله ، وأظن لو اتيح له ذلك بعد 50 عاما انه سيبكيه ايضا ، لم اجد الحب والغيرة والصدق في كلمة اخرى مهما بلغت من بلاغة ...!!!
رحم الله الشاعر ، فهو ليس الوحيد الذي تخلى عنه الناس اثناء المحنة ، وأي فينا عندما تصيبه محنة سيجد نفس الشعور ، فهي طبيعة بشرية ليس لنا فيها اي جريرة ، الا باختلاف مشارب الناس ....!!!
الياس جريس ، مع أني لا أعرفه شخصيا ولم ألتقيه قط ، الا انني أحسست به روح ونبض وحياة ، ولهذا أنا قلق على ابداعه الشعري من الضياع ، وهذه القضية يتحملها شخصيا الشاعر الراحل ، ولا نستطيع لوم الآخرين عليها ..!!!