إيران.. البلد المرشح لاحتضان يهود إسرائيل
أمير سعيد
21/10/2013
إيران والكيان الصهيوني
في حين تدخلت دولة الكيان الصهيوني لمنع مصر من تنمية سيناء، وإقامة مشروع محور قناة السويس الاستراتيجي، وحالت دون تحقق الحلم بمشروع جسر يربط مصر بالخليج العربي؛ لاعتبار كل هذا مهددًا للأمن القومي الصهيوني؛ فإنها لم تُبْدِ مقاومة تذكر للإعلان عن التقارب الأمريكي الإيراني، والذي لم يكن مفاجئًا للمراقبين الموضوعيين بالمرة، كونه تتويجًا لعلاقة مستمرة ووثيقة في الخفاء، لم يطرأ عليها كثير تغيير سوى خروجها للعلن، على الرغم من كون هذا التقارب العلني يمهد لقنبلة نووية إيرانية ظلت دولة الكيان الصهيوني تحذر منها "علنًا" بصورة مستمرة.
لم يصدق متدينون كثيرون في العالم العربي أن صراعًا عسكريًّا يمكن أن يحصل بين الولايات المتحدة وإيران، ولا بين الكيان الصهيوني وإيران، على الرغم من كل تسريبات الصحف العبرية والبريطانية، وعلى الرغم من كل التصريحات الرسمية تجاه إيران، غير المستبعدة للحل العسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني.
وحدهم متابعو إعلام المارينز هم من توهموا أن الغرب يمكن أن يوجه سلاحه إلى إيران لوقف برنامج لا يصدق إلا السذج أنه لن يتوج بصنع قنبلة نووية إيرانية، وجميع الإجراءات الاحترازية الغربية يدرك العقلاء أنها لا ترقى إلى إيقاف برنامج لصنع أسلحة دمار شامل، فكيف إذا سارع أوباما إلى تخفيف العقوبات دونما ضمانات لوقف البرنامج ترقى إلى طمأنة "الخائفين" من القنبلة النووية الإيرانية.
لكن من هم "الخائفون" من تلك القنبلة؟! إنهم قادة أنظمة عربية وتركيا، وبعضهم يُدرك أنها لن تستهدفهم بشكل شخصي، وإنما يمكن استخدامها لصالحهم -أيضًا- في الإفادة من وجود "عدو خارجي" يبرر اتجاه العداء دومًا تجاه "الشرق"، والتذرع بأنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، مثلما كرر الرئيس السابق لمصر جمال عبد الناصر، وهو يتحرر من أي استحقاق داخلي.
"إسرائيل" من جهتها لم تكن يومًا منزعجة من برنامج إيران النووي، وإن أعلنت العكس، وغواصات دولفين التي ما فتأت تردد مواقع استخباراتها أنها استوردتها خصيصًا من ألمانيا لتنفيذ عمليات ضد إيران، مرت سنوات ولم تخرج من مرابضها.
الكيان الصهيوني ليس قلقًا في جوهر الأمر؛ بل ربما سعيد بتفوق إيران في الخليج العربي الاستراتيجي (بالمناسبة نحن وحدنا من نسميه عربيًّا؛ فالعالم كله يسميه فارسيًّا على الرغم من عروبته في كل شواطئه؛ لكنها الإرادة والانحياز الغربيين).
محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني اعترف منذ شهر بما سمي بالهولوكوست، قائلاً: إن إيران "لم تنكرها قط". لافتًا إلى أن الرجل (نجاد) الذي كان ينكر حدوثها "رحل" ولم يعد موجودًا، "عام سعيد للإسرائيليين واليهود"، وهكذا أنهى تغريدته.. غير أن من يعرف السياسة الإيرانية يدرك أنها تصنع في أروقة الحرس الثوري، وسراديب "نائب صاحب الزمان" خامنئي، وليس نجاد، الذي هو بالمناسبة أحد أصدقاء زعماء الطائفة اليهودية في إيران.
الاستراتيجية الإيرانية لا يحددها نجاد ولا ظريف، ولم يكن للصهاينة والأمريكيين والأوربيين أن يطمئنوا لمجرد تغريدة لوزير الخارجية الإيرانية، كما لم يكونوا مستعدين لضرب الذكر تسامحًا مع الإيرانيين لمجرد تعرض الولايات المتحدة لأزمة اقتصادية، ولا لكون واشنطن لا يمكنها أن تغضب موسكو وتتعدى على إحدى "مستعمراتها" في المنطقة؛ فكل هذه مماحكات يمكن تصديرها لتبرير مساندة الأمريكيين والصهاينة لنظام بشار الأسد، سليل عائلة تمتد جذورها ليهود أصفهان، شأنها شأن العديد من الأسر التي ينحدر منها كبار ساسة الكيان الصهيوني ذاته.
ويهود أصفهان هؤلاء لهم في حس الأصوليين الأمريكيين وعقيدة اليهود وكبار ملالي إيران - مكانة فريدة؛ فهم مأرز اليهود إن غادروا "أرض المعاد الغربية فلسطين"، وأرضهم الكبرى فارس هي الحاضنة لهم إن تمزق شملهم في فلسطين، مثلما كانت في عهد كورش حامي الهاربين من "جحيم بابل/ العراق" أول مرة، وعندما تدمر "دولتهم" (معركة قادمة يؤمنون بحصولها).. يؤمن كثير من اليهود بأن ملكهم سيأتي من فارس، تمامًا مثلما يؤمن كثير من الملالي الفرس بأن "المهدي" سيحكم بشريعة "داود"! وسيأتي أيضًا من فارس..
العقيدتان هنا متطابقتان؛ وبالنسبة إلى المسلمين فإن من سيأتي من فارس يقود يهودها هو المسيح الدجال ذاته؛ ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ"[1]، وفي الحديث الذي رواه أحمد وصححه ابن حجر: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، عَلَيْهِمُ التِّيجَانُ"[2]، ويهود أصفهان موجودون بالفعل حتى الآن، ويبلغ عددهم ما بين 30-70 ألفًا بحسب معطيات مختلفة، ولهم شأن مكين عند قادة الكيانين الإيراني والإسرائيلي على حد سواء، ويعتبر البعض منهم أن وجودهم أبقى كثيرًا من الكيان الصهيوني ذاته، وبأنهم الكتلة الحافظة لـ"مملكة الرب" القادمة –بظنهم- التي سيحكمها الملك داود في فلسطين المحتلة بآخر الزمان؛ وإذ ينشطر اليهود في العالم بين مؤمن بضرورة وجود "إسرائيل" من عدمها؛ فإنهم يتفقون على ضرورة بقاء اليهود بأصفهان، ولا يسمحون للهجرات المتعاقبة إلى فلسطين أن تخل بنفوذهم ولا ديموجرافية أصفهان، التي تحتضن الجالية اليهودية الأكبر في العالم بعد فلسطين المحتلة.
التقارب بين واشنطن وطهران بدا جليًّا بعد المكالمة الشهيرة بين رئيسي البلدين على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهو ما حاولت "إسرائيل" أن تظهر "منزعجة" منه؛ لكن أكان إعلان نتنياهو أنه "لا يرفض المسار الدبلوماسي بشكل كامل؛ لكنه يرى أنه يحب أن يستند إلى أفعال من جانب إيران وليس إلى أقوال فقط، ويجب أن تكون هناك أفعال تعطي المجتمع الدولي الثقة أنهم ينفذون تعهداتهم الدولية كاملة، وأنهم لن يكونوا في وضع يسمح لهم بالحصول على الأسلحة النووية"، دليلاً على هذا الانزعاج أم نقيضه تمامًا؟!
أكان تدخل "إسرائيل" لحد الإطاحة بنظم منتخبة في المنطقة لمجرد إطلاق مشاريع اقتصادية تراها مقلقة لها مكافئًا لتعاطيها الفاتر مع مشروع قنبلة نووية إيرانية؛ لو كانت ترى في هذه الأخيرة ما يهدد أمنها فعلاً؟! إنها قد ألقت حممها على مفاعل عراقي وليد قبل ثلاثين عامًا ونيف، لمجرد أنه يحمل نوايا جنينية لمشروع نووي يتحقق بعد سنين طويلة، وأسمت عمليتها "بابل" بالمناسبة نكاية في العراقيين أصحاب السبي البابلي لليهود، وهي لم تفعل معشار ذلك مع الإيرانيين مع يقينها بأن طهران إن لم تكن قد امتلكت قنبلتها النووية بالفعل الآن فإنها أوشكت.
المصدر: جريدة الصفوة