Share on facebook Share on twitter شبكة ذي قـارالمحامي حسن بيان بعد خمسين يوماً من العدوان على غزة توقف إطلاق النار دون أن يكون مستنداً إلى اتفاق سياسي محدد. فالتوافق عبر المفاوضات غير المباشرة، أنتج هدنة مفتوحة وحلحلة لبعض المسائل، كفتح المعابر وعبور الأشخاص والسلع، والعمق البحري للصيد، وأبقى مسائل أخرى معلقة إلى مفاوضات لاحقة حول الميناء والمطار وأمن المعابر والإفراج عن المعتقلين.
ما أن تم الدخول في حيز الهدنة، حتى خرج الجميع إلى مسرح السياسية ومنابر الإعلام لتقويم النتائج، فحركة حماس اعتبرت أن نصراً مؤزراً قد تحقق وتماه معها خطاب إعلامي غلب عليه الطابع التعبوي كما شهدت بعض ميادين غزة، تظاهرات شعبية هتفت على وقع الخطاب السياسي لحركة حماس.
وفي الجانب الصهيوني، انقسم الرأي والموقف ما بين اعتبار ما حصل حقق النتائج المرجوة وما بين من اعتبره إخفاقاً.
فمن اعتبر أن الحرب على غزة حققت نتائجها المرجوة، استند إلى النتائج المادية لجهة حجم الدمار الهائل الذي ألحقته آلة الحرب الصهيونية بالمرافق الحيوية والحياتية والإحياء السكنية وعدد الذين سقطوا من الغزاويين ما بين شهيد وجريح، فضلاً عن التكلفة الكبيرة التي ستطلبها إعادة إعمار ما دمر، يضاف إليها تدمير الأنفاق، وهذا كله حصل دون صدور قرار دولي بإدانة "إسرائيل" على عدوانها ودون ردود فعل دولية أخرى وعربية كابحة لهذا العدوان.
أما من اعتبر أن الحرب على غزة أخفقت في تحقيق أهدافها، فاستند إلى اعتبار أن هذه الحرب لم تسفر عن تجريد المقاومة من سلاحها ، ولم تستطع ترسانة العدو الوقائية أن تحول وقوع مدن ومناطق واسعة في فلسطين المحتلة في مرمى نيران المقاومة، وأصحاب هذا المنطق يستحضرون في تقويمهم للوضع الراهن السوابق التي كانت نستطيع فيها "إسرائيل" إنهاء جولة الحرب بسرعة وفرض شروطها أو على الأقل جعلها مفتوحة على فرض الشروط. ان ما يهمنا، ليس تقويم "إسرائيل" لنتائج هذه الجولة التي استمرت ما يقارب الشهرين، لأن المجتمع الصهيوني مفتوح على نقاش سياسي ومساءلة عن النتائج أكثر بكثير مما هي مجتمعات المكونات الوطنية العربية، وهنا نلج إلى طرح السؤال، هل أفضت المواجهة في غزة إلى ربح أم إلى خسارة؟
إن تقويم الربح والخسارة من خلال محصلة الأرقام، يفضي إلى القول أن نتائج العدوان كانت خسارة موصوفة لغزة إذ أن عدد الشهداء من مقاتلين ومدنيين فاق الألفين، فيما خسائر العدو هي بالعشرات، ولو احصي عدد الجرحى لأفضى الأمر إلى النتيجة نفسها، إذ أن عدد الجرحى الفلسطينيين هم بالألاف بينما الجرحى الصهاينة هم بالعشرات. والأمر نفسه ينطبق على تدمير البنى والمرافق والمساكن والمزارع وكل ما له صلة بدورة الحياة اليومية.
أما وان المواجهة تأتي في سياق صراع مفتوح على الوجود والحقوق الوطنية والسياسية، فإن التقويم للنتائج يكون مرتبطاً بالناتج السياسي من خلال تحديد الأهداف السياسية لكل طرف من أطراف الصراع وعلى أهمية التوقف عند الجانب الإنساني لجهة الخسائر التي لحقت به.
فما هي أهداف العدو من عدوان على غزة؟
من خلال مقاربة ما أفصح عنه العدو بدا واضحاً أنه يريد الوصول إلى تحقيق هدفين: الأول، تدمير الأنفاق وشل القدرات العسكرية لحركة المقاومة وإبقاء غزة ضمن دائرة الحصار المحكم، والثاني: إبقاء حالة الانقسام السياسي قائمة في الساحة الفلسطينية، لتكريس مرجعيتين فلسطينيين محكومتين بعوامل الخصام السياسي أكثر من عوامل التوافق، وهو قد اعتبر أن توحيد المرجعية السياسية الفلسطينية إعلان حرب، ولهذا أعلن صراحة أنه ضد المصالحة الفلسطينية التي أسفرت عن تشكيل حكومة التوافق الوطني.
من هنا، تتم مقاربة النتائج، ومن خلال الرصد الأولي لها، فإن العدو الصهيوني وان استطاع أن يدمر العديد من الأنفاق ويستنزف جزءاً غير يسير من القدرات العسكرية للمقاومة بسبب عدم التكافؤ في موازين القوى، إلا أنه لم يستطع بفرض إبقاء غزة ضمن الحصار كما أنه لم يستطع أن يفرض شرطه بنزع سلاح المقاومة، وهذا يعتبر خسارة له وربحاً لغزة ومقاومتها لإن الإرادة صمدت في مواجهةالإبادة.
أما في المقلب الثاني، وهو حالة الانقسام السياسي الفلسطيني، فإن المناخ السياسي الذي خيم على العلاقات الفلسطينية بعد وقف العدوان وخاصة بين الأطراف الأساسية، لم يبشر خيراً، إذ عادت لغة التقاذف السلبي تخيم على المواقف، وعادت الساحة الفلسطينية لتعيش تحت وطأة انقسام أكثر حدة مما كان سائداً قبل العدوان وبما يؤدي إلى إجهاض كل النتائج الإيجابية التي ترتبت على توحيد المرجعية السلطوية لأداة شؤون الأراضي المحتلة خدماتياً وسياسياً.
هذا التكريس للإنقسام هو خطير جداً، لأنه فضلاً عن تأثيراته السلبية على الواقع الفلسطيني في داخل الأرض المحتلة وخارجها، فإنه يسقط كل نتائج التضحيات التي قدمت مؤخراً وعلى مدى تاريخ المواجهة، فعندما لا توظف التضحيات البشرية والمادية في سياقات سياسية نضالية، تصبح عندئذ خسارة موصوفة. والشعب الفلسطيني الذي ينشد إلى شعار الأداء المقاوم ينشد أيضاً إلى شعار الوحدة الوطنية. فإذا لم توظف تضحيات الفعل المقاوم في تفعيل مشروع الوحدة الوطنية، تكون الخسارة واقعة، ولا يعود معها مقبول القول أن انتصاراً تحقق على العدو في غزة وغيرها.
إن هذا يتطلب، أن تخرج القوى السياسية الأساسية في ساحة فلسطين من دائرة صراعها على السلطة على قاعدة الانقسام إلى دائرة تفعيل صراعها مع العدو على قاعدة الوحدة الوطنية، بحيث يجب على الجميع أن يعيد النظر في تموضعه السياسي في إطارات الهيئات التمثيلية الفلسطينية وقواعدها الشعبية، وعلى حماس أن تأخذ زمام المبادرة بالانضواء في إطار منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها تمثل الشرعية السياسية الوطنية التي هي نتاج تضحية جماهير فلسطين على مدى عقود والمسؤولية التاريخية هي حماية هذا الإنجاز الوطني وتفعيله على كافة الصعد والمستويات وحتى يبقى لشعب فلسطين تمثيل سياسي واحد في إطار إدارة شؤون الداخل وفي التعامل مع الخارج وعندها ستكون جماهير فلسطين أكثر ابتهاجاً وستنزل إلى الميادين في غزة وكل بقاع فلسطين بأعداد تفوق مراراً تلك التي نزلت إلى ميادين غزة بعد وقف إطلاق النار، إن الانتصار الحقيقي هو انتصار الوحدة على الانقسام ولا تحرير دون وحدة.