(جلعاد) فتش لك عن أب آخر
بقلم: أ. محمود الخطيب
ها هي الذكرى السنوية الرابعة تمر ولا جديد ؛ آه ما أطول غربتك وأشد وجعك ومرارتك ؛لكن غيبة أسرانا وظلمة أسرهم أعمق في التاريخ وأشد ظلمة ومرارة ؛فأسرانا منهم من أمضى الثلاثين ويزيد ومنهم المريض والكسيح والكفيف ؛ ومن الخيانة وأنت تنظر قضيتهم وتلحظ عيون أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم مجرد التفكير في التنازل عن أي اسم من أسمائهم فضلاً عن ممارسة ذلك وفعله .
إننا بإنسانيتنا نشعر بمعاناتك لكن معاناة أسرانا وأهليهم تفوق معاناتك بكل تأكيد، أعرف جيداً أن رمال غزة تعصف بك ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءً وأنت لا ترى النور ؛ ولا عقيدة لك في ثواب أو حساب ؛ إنما عقيدتك أن تخرج من غيابه الجب وبأي ثمن ؛ لكن أباك لا يرتضي أن يرتحل بالقافلة التي تحمل البضائع ليؤدي هذا الثمن .. إنه دائم الحديث فقط : أحضروه حياً أو ميتاً .
وللحق أن أباك يريدك ميتاً وميتاً فقط ونحن نريدك حياً وحياً فقط ؛ نريدك أن تعود لأهلك سالماً معافى وهو لا يريدك أن تعود إلا في التابوت ؛ نريدك أن يذكرك التاريخ بصفقة تاريخية ؛ وأبوك لا يريد إلا أن يذكر التاريخ ذلك الرجل الذي غاب أثره كـ(رون أراد)...وللعلم فإن الشعب الفلسطيني ولأنه عظيم لا يحب المساومة لأنه جرب بضاعة المساومة ولكننا اضطررنا لذلك
ولو لم تكن إلا الأسنة مركباً فما يسع المضطر إلا ركوبها
قال ربيع البرغوثي، والذي يقضي حكماً بالسجن مدته ثلاثون عاماً:
جلعاد ....من أرض مصر إلى الخليج إلى عدن
الكل صلى للإله لكي تعود
قل لي كم أمضيت في الأسر يا فتى
فرجالنا في الأسر قد أمضوا عقودا
أما أسرانا فلم يصل من أجلهم أحد ؛ ولم يسمع شكواهم أحد، إن الثمن الذي يدفع من أجلك ثمن باهظ، لقد حرقت غزة واستشهد وسجن المئات .ودمرت الشوارع والبيوت وحوصرت غزة حصار موت وجدنا بهذا جميعا من أجل بقائك حياً ولكنهم فعلوا كل ذلك في سبيل أن تموت ولم تمت إن شاء الله تبقى لتقضي أمراً عنده مفعولاً ؛ ولأن الأسرى آن لهم أن يستنشقوا عبير الحرية .
المعادلة في نظرنا سهلة ميسورة، وفي نظر أبيك معقدة عسرة، فالثمن المدعى لمن يملك الثمن سهل ميسور فالغني باستطاعته أن يشتري ما يشاء وكيف يشاء ومتى يشاء، والفقير ربما يسرق إذا لم يجد قوت عياله وقوت عيالنا نسرقه.
ذريني أنهب الأموال حتى أكف الأكرمين عن اللئام نسرقه من أجل نظرات جائعة من أعين أمهات وزوجات وأبناء الأسرى وأخرى واحر قلباه ....وأخرى وأخرى.
إن أهالي الأسرى يموتون ويحيون مع خبرك يا جلعاد أفلا يسمع أبوك ؟ أترى يا جلعاد بعد هذا تتركك غزة ترحل عن رمالها و غولها. لن ترحل حتى يدفع أبوك الثمن كاملا وبدون أقساط، لن ترحل إلا بدفع الثمن وأبوك يناقش ويلح إلى الآن ؛وينتظر أيام حكومته عساها تنجلي بدون توقيع على الصفقة، لن ترحل من غول غزة ورمالها حتى يصحو ضمير أبيك ....
إنك بالنسبة له ابن ولكن غير شرعي إن أباك القديم كان قاسي القلب حقاً ..لكن أباك هذا أحسبه بدون قلب، بل وبلا مبالاة وهو يتخبط خبط عشواء إنه بخل حتى بالكلام عنك فضلاً عن دفع الثمن ....
أما نحن فثقتنا بالله أولا وبعدالة مسألة الأسرى ثانياً ...وشرعية المطلب وعيوننا تنظر إلى الأبد وأبناؤنا الأسرى أبناء لنا شرعيون...ونحن نوائح ثكلى وأما أنت جلعاد فقد كتبت في الذكرى السنوية الثانية ما أقسى أباك يا شاليط ؛ واليوم أقول لك: جلعاد فتش لك عن أب آخر.
...