العامري يخطط لإلحاق ديالى بإيران والنجيفي والمطلك والجبوري يتفرجون محافظة ديالى تتعرض إلى حملة انتقامية لا مثيل لها، يقودها هادي العامري علانية ولا يخفي أغراضها الثأرية التي تتمثل في تهجير ثلاثة أرباع سكانها إلى خارجها. العرب
هارون محمد [نُشر في 02/10/2014، العدد: 9697، ص(
] لا أحد يعرف من عينَّ زعيم ميليشيا (بدر) الطائفية هادي العامري، قائدا لما يسمى بـ(جبهة ديالى) يحكم ويتحكم بهذه المحافظة العربية الأصيلة، ويشن حملات إبادة جماعية ضد السنة العرب فيها، وهم الأغلبية الساحقة من سكانها، فلم نسمع عن قرار رسمي صدر بتعيينه، ولا نعرف من سمح له باستخدام آليات وعجلات وجرافات وزارة النقل التي كان يشغلها في مطاردة مواطني المحافظة وقتلهم على الهوية والاسم والمنطقة والعشيرة، وتهديم بيوتهم وتجريف مزارعهم وبساتينهم، حتى وصل الأمر به إلى قطع مياه الشرب والسقي عن أكثر من مليون إنسان يعيشون في أقضية المقدادية وبعقوبة وبلدروز ومندلي ونواحي المنصورية والسعدية وكنعان وبهرز وعشرات القرى والقصبات. كل الذي عرفناه أن هذا الكائن المكروه ارتدى بدلة عسكرية مرقطة، وهو الهارب من الخدمة العسكرية كما تكشف ذلك سجلات دائرة تجنيد ناحية خان بني سعد التي كان ينتمي إلى إحدى قراها (جيزاني الجول) وراح يوزع ميليشياته التي لا تُحسن غير قنص الأبرياء في مراكز مدن المحافظة وطرقاتها الرئيسية .
ومن يعرف سيرة هادي العامري في العراق حتى هروبه إلى إيران عام 1980 فرارا من الخدمة العسكرية الوطنية، لا يجد فيها شيئا مثيرا أو متميزا، سواء في العمل الوظيفي أو الاجتماعي أو السياسي، فقد كان مجرد مستخدم في مديرية تربية الرصافة ببغداد، ولم يشمله نظام (تبعيث) التعليم في العراق الذي طبق عام 1978 لأنه كان بعثيا بدرجة (نصير) وقد اعترف بذلك في حديث لصحيفة عراقية كانت تصدر في دمشق عام 2009، واعترف أيضا أنه لم يُلاحَقْ أمنياً أو يعتقل في يوم من الأيام طيلة وجوده في العراق، وينقل عن لاجئين عراقيين أقاموا وعاشوا ونشطوا في إيران طيلة الثمانينات أن أغلب التنظيمات المعارضة تحسست من وصول هادي إلى طهران، ودارت الشكوك حول هذا الشاب الموظف في حكومة صدام (الطاغوتية) كما كان يسميها الإيرانيون، ولا يحتفظ بورقة أو وثيقة أو مستمسك يثبت أنه (مجاهد) شيعي، أو أنه من أتباع آل البيت أو أنه أوقف أو اعتقل في فترة من الفترات، ووصل الأمر بالسلطات الإيرانية إلى اتخاذ قرار باعتقاله والتحقيق معه، لولا تدخل أحد قياديي حزب الدعوة ممن كان هناك ويدعى الحاج مهدي عبد مهدي وهو محاسب سابق في بلدية قضاء الخالص التي تتبعه قرية هادي (جيزاني الجول)، ونجح في انتشاله من المصير الذي كان ينتظره وكفله، وعمد إلى إبعاده عن طهران حيث يكثر القيل والقال والنفاق و(الحرق) بين القيادات الشيعية، ونقله إلى أرومية المدينة الكردية التي تقع في الشمال الغربي الإيراني وكان فيها فصيل من حزب الدعوة يتجسس على قطعات الجيش العراقي المرابطة على الحدود مع إيران.
وحسب شهادات عدد من اللاجئين، فإن هادي العامري ظل مرتبطا بتنظيمات حزب الدعوة في إيران حتى نهاية عام 1988، عندما توقفت الحرب الإيرانية العدوانية على العراق واضطر الخميني إلى تجرع السم، وبدأ الحزب يشهد سلسلة من الانشقاقات كان أقطابها مهدي آصفي وكاظم حائري من جهة، وإبراهيم الجعفري ومحمد باقر الناصري والتحق، بهما لاحقا جواد المالكي (قبل أن يتحول إلى نوري) من جهة أخرى، وتوقف التمويل الإيراني، ولم يجد هادي مكانا لدى المنشقين وذهب إلى محمد باقر الحكيم يعرض خدماته عليه، فألحقه الأخير بتشكيلات فيلق (بدر) الجناح العسكري الإيراني للمجلس الأعلى، وهكذا تدرج حتى أصبح رئيسا له عام 2002 وهناك تفاصيل بهذا الشأن معززة بالوثائق والأرقام والتواريخ وشهادات الشهود نأتي عليها مستقبلا.
ولأن محافظة ديالى تجاور إيران، وتعدُّ أقرب المحافظات العراقية إلى العاصمة بغداد وذات أغلبية سنية عربية سكانية، وتضم أكثر من 550 ألف عسكري بين ضابط وجندي وشرطي من سكانها البالغ عددهم مليونا وستمائة وخمسين ألف نسمة حسب إحصاء وزارة التخطيط 1997، فإنها ظلت صامدة وخافت قوات الاحتلال الأميركي من التوجه إليها إلا بعد تقويض الدولة العراقية بالكامل وبعد أسبوع من 9 أبريل 2003، الأمر الذي جعلها هدفا مركزيا لإيران وميليشياتها الطائفية في ظل تغطية أميركية واضحة.
ورغم المساندة الأميركية والمساعدات الإيرانية للأحزاب الشيعية في افتتاح مقرات ونشر ميليشيات في المحافظة خلال الأعوام من (2003 - 2007) إلا أن ديالى بقيت ثابتة وأبية، وأنتجت حركة مقاومة وطنية باسلة، وصلت عام 2006 إلى إقامة استعراضات عسكرية لمقاتليها في بعقوبة والمقدادية وبهرز وهبهب والعظيم وحوض حمرين وحتى في الخالص التي تسكنها أقلية شيعية، وهو ما جعل حكومة نوري المالكي وهي في سنتها الأولى تعبئ جهودها الأمنية والعسكرية في محاربة أهل ديالى، وتشتري ذمم بعض شيوخ عشائر شيعية وأغلبهم صنعهم النظام السابق وأغدق عليهم وعدد منهم حملوا شارة “أصدقاء صدام” من كثرة الأنواط والأوسمة التي أعطيت لهم بلا وجه حق، وبدأت الفتنة الطائفية تسري في مدن ومناطق المحافظة وانتشرت عمليات المداهمات والاعتقالات والتهجير والعقوبات الجماعية، ورافقت تلك الإجراءات حملة واسعة لتعيين عناصر شيعية في مناصب حكومية عالية، وكانت النتيجة أن المحافظة التي تضم 22 دائرة حكومية (عسكرية وأمنية وإدارية وخدمية) تبوأ رئاسة 21 منها أشخاص انتموا حديثا إلى حزب الدعوة والمجلس الأعلى وتيار ابراهيم الجعفري وميليشيات (بدر)، ولم يبق من رؤساء الدوائر غير مدير زراعة المحافظة وهو شخصية سنية معروفة بالكفاءة والنزاهة والمهنية، فجاء وزير الزراعة (السني) عزالدين الدولة عام 2010 وأحاله على التقاعد، وعين أحد أتباع هادي العامري بدلا منه.
ورغم أساليب البطش والتقتيل والتهجير التي اعتمدتها سلطات المالكي طيلة أكثر من ثمانية أعوام لتركيع أهل ديالى ومحاولة تغيير بيئة وطبيعة المحافظة الوطنية والقومية، والسعي لتحويلها إلى ولاية شيعية طائفية، إلا أن سكانها سموا فوق جراحهم واستبسلوا في الدفاع عن أصالة محافظتهم، وحافظوا على سمعتها وتاريخها ومكانتها كمحافظة عراقية عربية عريقة في مواجهة الريح الصفراء القادمة من شرقها وتتصدى لهيمنة الميليشيات الوافدة عليها، وخلال عام واحد شهدت ديالى سلسلة من المجازر الوحشية، أبشعها ما حدث في جامع سارية ببعقوبة وبهرز والمخيسة والكاطون والكبة وشفتة والمقدادية ودلي عباس والندا وكنعان والسعدية والوجيهية وجلولاء ومسجد مصعب بن عمير في حمرين وقرى الخالص، حتى لم تبق بقعة من أرض المحافظة لم تجر فيها سواقي الدم العراقي البريء.
واليوم تتعرض محافظة ديالى إلى حملة انتقامية لا مثيل لها، يقودها هادي العامري علانية ولا يخفي أغراضه الثأرية لتي تتمثل في تهجير ثلاثة أرباع سكانها إلى خارجها، وهو يذهب إلى مركز المحافظة في بعقوبة يوميا ويجتمع مع القيادات العسكرية والأمنية والمليشياوية فيها، وينسق معها على إخلاء مناطق حوض حمرين وقضاء المقدادية ونواحي جلولاء والسعدية وقرتبة المجاورة لإيران، والعظيم وبهرز وهبهب والحديد وخان بني سعد المحاذية للعاصمة بغداد من سكانها، ولا يهمه إلى أين يذهبون ويتوجهون؟ المهم عنده إفراغ ديالى من أهلها الأصليين، وفي آخر زيارة له إلى بعقوبة حثه أحدهم على أن يتمسك بحقيبة وزارة الداخلية وعدم تخلي (بدر) عنها مهما حصل، فرد (أبو حسن) متعمدا رافعا صوته ليسمعه القريب والبعيد: والله لن أتنازل عن شيئين ما دمت حياً، الداخلية وتشييع ديالى، وضجت قاعات وباحات مديرية شرطة المحافظة التي عقد فيها الاجتماع بالهتاف على الطريقة إياها (علي وياك علي) في إساءة إلى الإمام العربي القرشي، علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه، البريء منهم إلى يوم الدين.
هادي العامري يسرح ويمرح في محافظة ديالى يخطط ويهجر ويقتل، وآخر جرائمه اغتيال 15 شابا في بعقوبة وتعليق جثثهم على أعمدة الكهرباء في شارع خريسان، ومنع الاقتراب منهم خشية تصويرهم، وفي زياراته إلى المحافظة يحف به بلا حرج أو خجل عدد من ضباط فيلق قدس الإيراني، يستمع إلى توجيهاتهم ويتبادل الآراء معهم باللغة الفارسية التي يتقنها حتى يخيل لمن يستمع إليه، أنه ربما يكون من سكان أصفهان أو همدان! إنه قائد جبهة ديالى- هكذا يصف نفسه- بلا قرار أو مرسوم، نصّب نفسه بالقوة ولا يستطيع أحد أن يفتح فمه.
بعد تشكيل حكومة حيدر العبادي الحالية والانتهاء من توزيع المناصب والمغانم، ذهب وفد من شيوخ ووجهاء ومثقفي ديالى إلى بغداد، وقابل نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وعرض الوفد عليهم جرائم وانتهاكات هادي العامري وميليشياته في المحافظة موثقة بالأحداث والوقائع، فكان جواب المسؤولين الثلاثة على الشكل التالي: قال لهم النجيفي: اصبروا، إن شاء الله يصير خير، واعتذر المطلك لهم وأبلغهم أن هادي العامري (غول) لا يستطيع مواجهته، أما سليم الجبوري (وهو للعلم من المقدادية المنكوبة بمليشيات العامري وعصائب الخزعلي) فقد دعا أعضاء الوفد إلى الهدوء والسكينة وتحمل الأذى وانتظار الفرج.
وبعد كل هذه المصائب والكوارث والنكبات ما زال بعض السُـــّنة العرب مخدوعين بالنجيفي والمطلك والجبوري، ويتوهم بأن هؤلاء الفرسان الثلاثة، وهم في مواقعهم ومناصبهم، قادرون على كف أذى مليشياوي عميل وأجير اسمه هادي العامري، وانظروا إلى صورته المنشورة على الـ(يوتيوب) وهو يقبل يد علي خامنئي الصفوي المجوسي بفرح وسعادة، رغم أنه وزير في بلد كان اسمه العراق.
كاتب سياسي عراقي