الأضحى في غزة يتيم وحزين والشوارع تعج ببيوت العزاءأشرف الهور
October 4, 2014
غزة – «
القدس العربي»: بمأساة أكبر وهموم أثقل، استقبل سكان قطاع
غزة الساحلي وعددهم أكثر من 1.8 مليون نسمة، عيد الأضحى، بعدما أفقدتهم بهجة العيد ذكريات وآلام الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي انتهت قبل شهر، حاملة معها أسوأ الأيام واللحظات التي عاشها السكان منذ بداية الصراع مع الاحتلال.
فلا فرحة في الشارع كما كانت العادة حتى في سنوات انتفاضة الأقصى الأولى، ولا بهجة رسمت على وجوه الأطفال وذويهم، فالحرب الإسرائيلية الأخيرة الأشد عنفا، خلفت أكثر من ألفي شهيد، و11 ألف مصاب، وقضت بشكل كامل على أكثر من 60 أسرة، وشطبتها من السجلات المدنية، بعدما حولتها صواريخ المقاتلات الحربية إلى أشلاء تحت ركام المنازل.
العدد المرتفع في أعداد الضحايا والمصابين يشير إلى أي من العوائل الغزية من شمال القطاع إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه، أصيب أو قتل أحد أفرادها على الأقل في الحرب، في ظل وجود أسر كثيرة لم يتبق فيها سوى أحد الأفراد، وبالعادة كان إما طفلا صغيرا- والمشهد تكرر في سيناريوهات القتل الإسرائيلية المتعمدة للسكان أكثر من مرة- أو رب الأسرة الذي بقي يتحسر من مرارة الفراق، وقد وضع بيديه تحت الثرى أطفاله وزوجته.
فعدد الأرامل واليتامى لم يسبق له مثيل، وحجم الخراب لم يشاهد من قبل، فآلة الحرب الإسرائيلية دمرت 40 ألف وحدة سكنية، علاوة على دور العبادة والمشافي والمدارس.
ففي المناطق الشرقية لقطاع غزة، وتحديدا في حي الشجاعية والمناطق الواقعة شرق مدينة خانيونس جنوبا، وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون شمالا، داست آلة الحرب الإسرائيلية كل ما قابلها، وحولت مساحات شاسعة من المباني إلى ركام، وخربت أراض زراعية مثمرة بشكل متعمد، وعاثت هناك خرابا وفسادا.
الكثيرون ممن قدر لهم الحياة بعد الحرب، تضررت منازلهم وباتت أثرا بعد عين، والبقية من سكان القطاع يتألمون على ما ألم بهم وبمحيطهم من مآس لم يسبق لها مثيل، فالمقابر من شدة تلك الحرب لم يعد فيها متسع للضحايا.
كل ذلك وما تبعه من آثار خطيرة خلفتها حرب إسرائيل، وأهمها التدهور الاقتصادي المرشح للتفاقم في الأشهر المقبلة، جعل عيد الأضحى «يتيما وحزينا».
فلم تشهد الأسواق قوة شرائية كالتي كانت في الأعوام الماضية، وهو ما يعني خسارة جديدة للتجار الذين تكدست بضائعهم منذ العيد السابق «الفطر» الذي حل خلال فترة الحرب، وهو عيد لم تسمح إسرائيل خلاله للسكان بالحصول على «هدنة إنسانية» فضربت الطائرات الحربية عدة أهداف، وقتلت أطفالا خرجوا لتوهم للإحتفال في أحد شوارع مخيم الشاطئ للاجئين غرب غزة.
الكثير من الأطفال قضوا عيدهم بملابس قديمة، وعدد آخر منهم في «مراكز إيواء» لا تزال قائمة في العديد من مدارس «الأونروا» بسبب هدم منازلهم خلال الحرب، وكانوا رغم ذلك أفضل حالا من مئات الذين قضوا عيدهم تحت التراب، من نيران الحرب الإسرائيلية التي مزقتهم بدون أي رحمة، وهو ما جدد أحزان السكان مرة أخرى في يوم العيد.
ففي اليوم الأول للعيد عملت العائلات الثكلى ما لم تتمكن من فعله خلال الحرب، فأقامت بيوت عزاء من جديد استقبلت فيه الأقارب والجيران، وهي عادة يتبعها سكان غزة عند حلول العيد الأول على ميتهم، والمعروف أن السكان في القطاع لم يتمكنوا من فتح بيوت عزاء خلال الحرب خشية من القصف الذي طال العديد من جنازات الضحايا في المقابر.
من حي الشجاعية المنكوب الذي قدم أكثر من مئتي شهيد، عبر الغالبية منهم عن صعوبة أجواء العيد، خلال جولة تفقدت فيها «
القدس العربي» آثار الخراب التي لا تزال قائمة في هذا الحي.
فلا تزال تلال الركام على حالها، وقد نصب بجانب المنازل المدمرة سكانها خياما بدائية يرقبون من خلالها المكان، ويأملون بمستقبل أفضل، ويخشون رغم ذلك من بقاء حالهم على ما هو عليه.
أحد الرجال المسنين لم يخف دموعه حين تحدث عن أسرة شقيقه التي قضت تحت الركام في يوم «مجزرة الشجاعية» وهو اليوم الذي قصفت به قوات الاحتلال بلا رحمة الحي بالطائرات والمدافع.
أبرز ما كان غائبا أيضا هو «خروف العيد» فالقليل من السكان بسبب تدهور الوضع الاقتصادي أقبل على ذبح الأضاحي، رغم إنخفاض أسعارها عن الأعوام الماضية، فتجار المواشي يؤكدون أن الموسم الحالي لم يعهد من قبل.
وفي العيد لا يزال الجرح الذي خلفه حادث غرق مئات المهاجرين من سكان القطاع أثناء الرحلة غير الشرعية لأوروبا ينزف، فعشرات العوائل الغزية لم تعرف بعد مصير أبنائها الغرقى، لعدم انتشال جثثهم حتى اللحظة، وهو ما يزيد الحزن.
فالأسابيع الماضية شهدت عدة حوادث غرق لمراكب صغيرة مخصصة للصيد، خلال إبحارها إلى أوروبا من شواطئ مدينتي الإسكندرية وليبيا، وعلى متنها مئات من الشبان وعدد كبير من الأسر الغزية، التي هربت من الحرب والوضع الاقتصادي الذي خلفه حصار إسرائيل، وأحد هذه المراكب جرى إغراقه عمدا من قبل المهربين. ورغم صرخات استغاثة الأهل إلا أن مصير هؤلاء الذين تأكد موت غالبيتهم لم يلاق بعد آذانا صاغية من دول أوروبا للبحث عن جثثهم وإعادتها إلى غزة.
أسر هؤلاء الضحايا وبينهم أطفال ومسنون، لم تفتح حتى اللحظة بيوت عزاء، وتطلب بإعادة الجثث، وهو صعب التنفيذ، حيث كما يبدو أن الضحايا الذين قضوا غرقا أصبحوا وليمة لأسماك البحر.
أشرف الهور