دول فاشلة في اتحاد عربي!
محمد بوعبد الله
7/3/2010
تبدو فكرة إنشاء اتحاد عربي مسألة جديرة بالسعي لتحقيقها، ليس تقليدا للآخرين أو رفعا لشعار جديد أو طرحا لاسم جذاب يسُرّ السامعين، ولكن كخطوة لتطوير آليات العمل العربي المشترك في ظل جملة التحديات والمشاكل التي يواجهها العرب، غير أن ثمة العديد من العقبات التي تعيق بلوغ اتحادٍ حقيقي بين الدول العربية، على غرار تكتلِ الأوروبيين الذي أصبح نموذجا يُحتذى به شرقا وجنوبًا، بالرُغم من المصاعب المالية التي طفت على السطح في الآونة الأخيرة، والتي تمثل تحديا كبيرا أمام صمود العملة الأوروبية الموحدة إحدى ثمار العمل الوحدوي.
في نظرة سريعة وشاملة إلى خارطة أوروبا المُوحَدَة وخارطة الدول العربية المجتمِعَة، يتجلى لنا أمر في غاية الأهمية هو حجرُ الزاوية في أي بناء وحدوي، ولا يمكن الحديث دونه عن فكرة اتحادٍ قابلةٍ للتجسيد الفعلي على أرض الواقع، وهو أن عامل الاستقرار السياسي في أوروبا قد مكَّن دولَها من المضي قدما، وعلى مراحلٍ، نحو تكتل اقتصادي موسع. وعلى العكس من ذلك، فإن عددا من الدول العربية، ليس بالقليل مقارنة بمجموع تلك الدول، تجد فيه السلطة في كلٍ منها (مؤقتة أو دائمة) صعوباتٍ حقيقية في فرض النظام وبسط السيطرة على جميع أقاليمها.
يشير آخر تصنيف سنوي للدول الفاشلة إلى تواجد ثلاث دول عربية ضمن الدول السبعة الأكثر فشلا في العالم، وترتفع إلى أربع دولٍ إذا نظرنا إلى أكثرِ خمسَ عشرة دولة فاشلة حسب الدليل الذي نشرته مؤخرا مجلةforeign policy (السياسة الخارجية) الأمريكية، والتي تقوم برصد مؤشراته بالاشتراك مع المنظمة البحثية المستقلة the fund for peace (صندوق السلام)، وهذه الـــــــدولُ العربية الفاشلة، وفقا للتصنيف المشارِ إليه، هي كل من الصومال والسودان والعراق واليمن حسب ترتيب قائمة دول العالم، والــــتي تعـــتمد المؤسســـتان في إعدادها على مقاييس سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية...
لا يحتاج المرء إلى الاستناد بالضرورة على هذه الدراسة التي دخلت عامها السادس على التوالي، وتُبَيِّنُ مدى هشاشة أنظمة الحكم في مختلف دول العالم، حتى يدرك ما لهذه الدولِ العربية الأربعة من مشاكلَ أمنية وصعوبات اقتصادية وأزمات سياسية، تجعل أخبارَها في أبرز عناوين وسائل الإعلام العربية والعالمية، فهي غيرُ قادرة عمليا على تحقيق حد أدنى من الأمن والاستقرارِ لمواطنيها، في ظلِّ تصاعدِ أعمالِ العنف وتدهورِ الوضع الإنساني وضعف أنظمتها السياسية المشكوك في شرعيتها من قبل المعارضة (أو التمرد غالبا). وتجدرُ الإشارة إلى أن هذه الدولَ الأربعة كلَها مهددةٌ في وَحدتها الترابية (دولة أرض الصومال غيرِ المعترفِ بها مثلا)، كما يشكل التقسيمُ أحدَ السيناريوهات الممكنة فيها (العراق واليمن) أو المطروحة بقوة في الأمدِ القريب (السودان).
من المفارقاتِ أن تكون بلجيكا (المرتبة 162 ووضعُها مستقرٌ حسب تصنيف العام ألفين وعشر)، أحدُ الأعضاء المؤسسين لنواة الاتحاد الأوروبي، مهددةً بالانقسام إلى دولتين بين الفرنكوفونيين والفلامانك، في تناقضٍ صارخٍ مع أهدافِ تكتلِها الإقليمي الذي يجمع الاختلافَ والتنوعَ تحت مظلةٍ واحدة، وإن كان من السابقِ لأوانِه التنبؤُ بحدوث انقسام للبلد، ويكونَ المقابلُ لنموذج هذا التناقض في العالم العربي دولة فاشلة نسبيا (المرتبة 15 ووضعها خطير)، حيث بادرت اليمنُ بإطلاق فكرةِ اتحادٍ عربي تبنت قمةُ سرت الليبية الأخيرة مسألة البحث فيها مستقبلا، بالرُغم من أنها لم تلقَ اهتماما لدى رؤساء وملوك الدول العربية الأعضاء في الجامعة إلا قليلا، والتي بدورها لم تعُد في مستوى طموح الشعوب التي تفصلها حدودٌ لم يعد لها أثرٌ في علاقة الأوروبيين بعضِهم ببعض.
وعموما، فإن ثمة سؤالا جديرا بالطرح أمام رغبةِ البعض في تجسيد فكرة الاتحاد وتحمسِهِم لها، وهو: هل يمكن أن نرى اتحادا لدولةِ رفاهٍ واستقرارٍ نسبي مثل الإمارات أو السعودية مع دولةِ فقرٍ وافتقارٍ إلى الاستقرار مثل الصومال أو اليمن أو السودان؟ ثمة معضلةٌ أخرى هي احتلالُ أمريكا للعراق، وما يعنيه ذلك من عدمِ اكتمالِ سيادة البلد وغيابِ استقلالية قرارِه عن إرادة المحتل مهما قيل من كلام يفند هذه الحقيقة، ومِثلُهُ وجودُ عملية سياسية طائفية لا يُجدي نفعًا وصفُها بالديمقراطية، في ظلِّ انسداد أفقِ تشكيلِ الحكومة الجديدة التي طال انتظارُها، والأكيدُ أن الاتحاداتِ الطموحة لا تتأسس على كياناتٍ يرزحُ بعضها تحت نيرِ الاحتلالِ كما هو حالُ العراق، ولا يمكنُ لفكرةِ الاتحاد، إن تم تبنيها فعلا، أن تتجاوزَ رمزية الاسمِ الذي يُطلق على التكتلِ الإقليمي، حتى أنه سيكونُ أشبهَ بالجسدِ خاليا من روحٍ تُحركُه.
لسنا ضِدَّ فكرة الاتحادِ بل نحن من دعاتها لأنَّ في الاتحادِ والتوحد والوَحدة قوة، ولكن لا بدَّ من توفرِ إرادةٍ سياسية حقيقيةٍ وتكاملٍ اقتصادي فعلي، والأهم من هذا وذاك أن يكون عبر مراحلَ تخضع لقانونِ التدرجِ الذي يراعي شروطَ الانضمامِ للتكتل، وليست العبرةُ بعدد أعضاء الاتحاد بقدر ما تكون هناك نواةٌ من دولٍ قليلة تجمع أكبر قدرٍ ممكنٍ من شروط التكتل، ولا بأس بأن تتوسع في ما بعدُ وفقا لمعايير الانضمامِ إلى تلك النواة، تماما مثل النواةِ الأوروبية التي تطورت عبر عقودٍ لتُشكلَ اتحادا لسبع وعشرين دولة لا تجمعهم لغة واحدة بل ألسن متعددة. ولا يمكن للاتحاد أن يكون ناجحا وناجعا، ما لم يكن له منطلقاتٌ صحيحة وأهدافٌ واضحة، تبتعد عن مجردِ التقليدِ واستلهامِ المسمياتِ من تجارب الآخرين...
' كاتب صحافي جزائري
bouabdmed@yahoo.com