قصة قصيرة : زاهية بنت البحر
------------------------
[size=48][size=48]عندما[/size][/size] أقتنع بشيء ما في الحياة، فمن الصعب أن أغير قناعتي به حتى لو بلغت التحديات ذروتها. الإنسان في نظري موقفٌ وقرار وعليه أن يكون بحجم موقفه وقراره، وإلا فليخلع عنه صفة إنسان راشد، وليختر اسماً آخر مما يناسب شخصيته، فما مواقفنا في هذا العمر سوى عنوان لنا، ولكن هناك أمور قد لانستطيع تجاوزها بسهولة لشأنٍ ما، ونضطَّرغالباً للمجاملة دون قناعة منا، وقد تسلبنا شيئاً من سمات شخصيَّتنا بحجم التنازلات التي قدَّمناها، والمواجهات عموماً كثيرة مادمنا في هذه الحياة، نصيب تارة ونخطيء تارة أخرى
رغم اعتقادي بأنّ عمليات التجميل هي مخالفة للشرع إن كانت بدون داعٍ صحي، فإنّ والدتي ظلت تطاردني بمطالبتها لي بمرافقتها إلى عيادة الدكتور عبد الباري الذي عاد مؤخراً من بريطانيا برفقةِ أعلى الشهادات الطبية المتخصصة بالجراحة التجميلية. حاولت الهروب من ملاحقتها لي، وإلحاحها الذي أصبح في الآونة الأخيرة مزعجاً لكل من في البيت، ولكنَّ لم يحالفني الحظ بإقناعها خاصة، وأنني قد أصبحت في سن الزواج، وتخطيت الثانية والعشرين، وهي تخاف علي من كابوسَ العنوسة الذي يجثم فوق صدور الكثيرات من بنات جنسي، وأمَّهاتهن، ويرعبهن أكثر من أي شيء حولنا، فقالت لي ذات يوم:
- لويُرفع أنفك إلى الأعلى قليلاً لأصبح فرنسي الطابع، ولزاد جمال وجهكِ، ولحظيت بعريس أفضل منه لوأنَّه جاءكِ وأنتِ بهذا الوضع الأنفي الذي يدعو للنفور منك. سامحها الله كم كانت قاسية. منطق أعوج، أرفضه جملة وتفصيلا، ولكنَّني أضعف من أن أقاوم تيار غضب والدتي المشحون بالتأنيب من قبل والدي الذي أستطاعت التأثير عليه عاطفياً، وبشيء من دموعها الغالية، وذكر أسماء عدة فتيات من معارفنا تزوَّجن بعد أن أجرين بعض التعديلات على وجوههن وأجسادهن، أمرني أبي بمرافقة أمي غداً إلى عيادة التجميل.
في هذه الليلة أصابني الأرق مصحوباً بقلق عجيب لم أحسه يوماً من قبل، ورغم مداعبة النعاس لي، فإنَّ السهر صاحبني إلى أن سمعت المؤذن ينادي لصلاة الصبح، وأنا أقلـِّب الأمر من كل جوانبه فما استطعت تقبله، وأخيراً غططت في نوم عميق ربما قبل الشروق بوقت قصير واكتسبت إثم التخلف عن صلاة الفجر فأيُّ أنف هذا سأرفعه يوم القيامة؟!!
وجاء يوم جديد، فتنهض أمي من فراشها نشيطة على غير عادتها، والفرحة تتمايل في عينيها، وكأنَّها في عرس أحد أبنائها، بينما كنت أنا في وضع نفسي يسر أعدائي. لأول مرة أحس بالغيظ من أبي رغم حبي الكبير له، بقي في البيت لمرافقتنا إلى دكتور التجميل هذا الذي سبب لي دون قصد منه الكآبة والضيق، أظن الدكتور عبد الباري جميلا مادام يصنع الجمال للآخرين ولن يبخل على نفسه به. وصلنا عيادته في الساعة الحادية عشرة والنصف، نظرت في وجه أمي، فرأيته يزداد جمالا، خفت عليها الحسدَ خاصة وقد تخطَّت الخمسين، بينما تدنَّى جمال من هنَّ في مثل عمرها، لاحظت أمي انبهاري بوجهها، فابتسمت بسعادة وكأنها علمت بما في نفسي.. اقتربت مني بهدوء وهمست في أذني: ستصبحين أجمل من أمك يا بثينة عندما تـُجرى العملية لأنفك الكريه هذا.
شعرت بانقباض في صدري، وهي تلفظ كلماتها التي رشَّتني بها بعنف الأعداء المحاربين، أشحت بوجهي عنها، والدموع ملء عينيَّ المهزومتين بحنانها المدفعي . لم تلاحظ ما أصابني من ألم فقد شُغلتْ بالحديث الذي كان يدور بين بعض المراجعين من الموجودين في غرفة الإنتظار.
اتساع المكان أضفى على العيادة جمالاً ملفتاً كموقعها الاستراتيجي وسط العاصمة ببناء حديث، ود يكور فخم ومفروشات مبهرة، عيادة نموذجية يحلم بها الأطباء عندما ينهون دراستهم. تفحَّصت ُالحاضرين نساءً ورجالا ،كاد زمام نفسي يفلت مني فأضحك من بعضهم لا استهزاء بخلق الله والعياذ به، وإنَّما من تدافعهم من أجل الدور ومن سيسبق منهم بالدخول إلى الطبيب الذي تأخر بالوصول بحجة انشغاله بإحدى العمليات في المستشفى، وعندما وصل أسرعتْ الممرضة إليه بأسماء المراجعين، وراحوا يدخلون غرفة المعاينة تباعاً.
شيء ما لفت انتباهي في أنف الممرضة إنَّه ليس فرنسياً كما تحب أمي وأراهن بأنَّ أنفي أجمل من أنفها، ومع ذلك فهي لم تجرِ له عملية تجميل، ولو أنَّها فعلت لزاد عدد المراجعين عندما يعلمون أن الطبيب هذا قد جعلها أجمل من سابق عهدها بالمقارنة بين صورة لما كان عليه من قبل وما هو فيه بعد الجراحة ، ولكن كما يبدو هناك حكاية منعتها من تغيير شكلها، فابتهلتُ إلى الله أن يكشفها لي فأُعْلِمُ والدتي بها عسى أن تمتنع عن قص أنفي تجميلياً.
مازالت أمي تنصت باهتمام أشد إلى المتحاورين وكان المتحدث رجلاً ربَّما تجاوز الأربعين من العمر، أحسستُ بالنفور من النَّظر في وجهه، فقد ذكَّرني بذاك المجرم الذي كانت أمي تروي لنا بعضاً من جرائمه، وكيف كان يقتل الأطفال ويمتصُّ دماءهم ، وجه الرجل ليس قبيحاً ، ولكنَّه غير مريح، أطرقت أرضًا، وأنا أسمع مع الحاضرين ما يقول : كما ترون أيُّها السادة لقد تبدَّل وجهي بآخر أكثر جمالاً مما كان عليه، انظروا إلى صورتي أتصدقون بأن من فيها هو أنا؟ أيها السادة لقد ولدت كما يولد الأطفال، ولكنَّني لم أكن جميلاً مثلهم، عشت بذاك الوجه أربعين سنة ملؤها العذاب والعقد، عندما كنت أسير في الشارع كنت أضع يدي فوق أنفي وفمي خشية أن ألقي الرعب في قلوب المارة إن فاجأتهم بوجهي، لقد بلغ أنفي من البشاعة حداً أورثني الوحدة، وفمي بشفتيه الضخمتين جعلني أعيش سجين الصمت عدة عقود كنت فيها محط سخرية الكثيرين من رفاقي في المدرسة والحارة، وحتى من بعض الأهل والأقارب الذين كانوا يؤلِّفون النكات حول أنفي وشفتيَّ، هل تصدقون أن أحد المستهزئين بي قال لي ذات يوم :أبعد أنفك عن طريقي أريدُ أنْ أمرَّ، فوضعت سبابتي على أنفي أدفعه إلى الجهة اليسرى قائلاً للسَّائل: تفضل الطريق سالك.
عشت خجولاً.. معقداً، ولمَّا أصبحت في سن الزواج لم تقبل بي فتاة ولا امرأة تمتلك ولو جزء بسيطاً من الجمال، فوقعت فريسة بقبضة العنوسة، وأصبت بمرض نفسي كاد يودي بي إلى مصحٍ للأمراض العقلية لولا أن جاء من ينصحني بإجراء عملية تجميل أتخلص بها من الدمامة المقيتة. بداية ترددت في اتخاذ قرارٍ حاسمٍ في هذا الأمر، والإقدام على تجربة خطيرة قد تنجح أو تفشل، ولكن الدكتور عبد الباري بينَّ لي بوضوح كل ما يمكن أن ينجم من إيجابيات وسلبيات من جرَّاء هذه العملية، وما سمعته من إيجابيات أعمى قلبي عن السلبيات، ودخلت غرفة الجراحة قبيح الوجه، وخرجت منها كما ترون، وعندما عدت إلى الحياة الاجتماعية بدأت أحس بأنَّني قد ولدت وأنا في الأربعين من العمر وأن( أنا)السابق بسنيه كلها قد مات واندثر ولم يعد أحد يعرفه بي، وغيرت مدينتي هربًا من أسئلة الفضوليين، فذقت من الحيرة والعذاب أكثر مما تجرَّعته بوجهي السابق، رغم أنَّي قد تزوجت وامرأتي حامل، ولكنَّها عندما وقعت صورة لي بين يديها نفدت من التلف الذي لحق بكل صورِي السابقة للعملية، علمت بحكايتي وطار صوابها وطلبت مني الطلاق وتريد أن تجهض الجنين خشية أن يكون قد حمل مورثات مني خاصة شكليْ أنفي وفمي .
وقعت بمحض إرادتي في شرك الجمال المصطنع، ونسيت أن المورِّثات باقية، وأن النفس عالقة بالماضي وإن تخفـَّتْ بوجه جديد. وقد ترتكب زوجتي جريمة بقتل الجنين كما هددتني، فهل سأسامح نفسي إن هي فعلت؟ لا أظن ذلك أبدًا. جئت اليوم إلى الطبيب كي أستعيد وجهي الحقيقي الذي خلقت به، كرهت الحاضر لأنَّه سلب مني الماضي وإن كان أليما، هل يستطيع الدكتور عبد الباري إعادتي كما خـُلقت؟ سأتوسل إليه وليأخذ ما يشاء من النقود، أخشى أن يعجزه الأمر، ولا أدري حينئذ ماذا سأفعل، قد ارتكب جريمة إنْ قتلت زوجتي طفلي القادم وإن كان شبيها بسابق وجهي، وقد أسبب ضرراً للطَّبيب. إن هو فشل في المهمة التي جئت إليه من أجلها.
كانت أمي تصغي باهتمام لكلِّ كلمة تفوَّه بها هذا الرجل المقهور بقطع أنفه، ومسخ شفتيه، بينما راح والدي يرشقها بنظرات الغيرة المتتالية دون أن يحظى منها بقبول، جلس المتألم صامتا متعباً وكأنه قد وصل تواً من ساحة معركة، وجميع الحاضرين يرثون لحاله غير أنَّي جعلته الملومَ لانصياعه لنصيحة أصدقائه الذين ربَّما أرادو له الخير فوقع فريسة للألم، ومن يدري فقد يصبح مجرماً إذا ما تفاقمت أزمته مع زوجته الحامل .
قطع حبل تفكيري صوتُ امرأة، نظرت إلى المتكلمة التي كانت تجلس مقابل أمي قرب فتاة شابة وسالتْها: كم تقدرين عمري؟
لم تتلقَ جواباً من أحد، فقالت موجهة الخطاب لوالدتي: كم تقدرين عمري ياسيدتي؟
فسألتها أم :
اتسألينني أنا؟!
أجابتها المرأة:
نعم أنت؟
أربكها السؤال فالتفتت إلى والدي الذي كان يفور غيظاً مما يجري حوله ثم ردَّت قائلة:
أظنك في الثلاثين .
ضحكت المرأة وهي تقول:
بل فوق الأربعين بسنوات .
قالت والدتي بعجب:
وجهك لا يوحي لمن يراك بهذه السِّن.
علا صوت المرأة بحدة وهي تقول:
وهنا تكمن المشكلة.
سألتها والدتي:
أي مشكلة ؟
أجابت: تلك التي أعيش فيها منذ أن أجريت عملية التجميل وشدَّ وجهي، وشفط الدهون من بطني وشد..
فسألتها والدتي بفضول متجاهلة نظرات أبي التي راح يتطاير منها الشرر:
وماذا يضايقك مادمت بهذا الجمال؟
أجابت:
هو الذي يضايقني وينغص عيشي.
سألتها والدتي:
من هو ؟
أجابت:
الجمال الذي استجديته من عيادة الدكتورعبد الباري.
ضحكت أمي بصوت عال جعل أبي يشدها إليه، ويهمس في إذنها كلاماً أحرجني قبل أن تعي أمي ما وراءه من غضب ألَّم بوالدي. التزمت الصمت بينما راحت المرأة تكمل حديثها قائلة: ليس بيننا غريب، أنتم في مقام إخوتي وأخواتي والكبار منكم في مقام والدي.
عشت حياة هادئة مع زوجي المرحوم محسن، ظلت السعادة ترافقنا عشرين عاماً أزعجت الأعداء وأسعدت المحبين، وفجأة دون سابق إنذار اختطف الموت محسن وغيَّبه عني.. أحسست بالحرمان لفراقه، ولكنني قمت بواجبي في تربية ابنتنا حنان خير تربية، وعندما أنهت دراستها الجامعية تزوجها ابن عمها صادق، وسافر بها إلى إحدى دول الخليج .
وجدت نفسي وحيدة بين أربعة جدران، واستطاعت الوحدة أن تنسج في خبايا هذه النفس المتعبة هواجس الخوف من المستقبل، خاصة عندما كنت أنظر في المرآة، فأرى خطوط وتجاعيد الشيخوخة قد بدأت تأخذ لها متَّكأ فوق وجهي. كنت أسمع كثيراً عن المطربة فلانة، والممثلة علاّنة، وتلك الراقصة كيف استطعنَ إعادة الشباب إلى وجوههنَّ بعد أن فتكت بهنَّ الشيخوخة، فزرت عيادة الدكتور عبد الباري بعد أن قرأت إعلاناً له في إحدى الجرائد. دفعت مالاً كثيراً واشتريت به شباب وجه ونضارة بشرة، في بداية الأمر أحسست بالسعادة، وعدت بثقة أكبر إلى لقاء صديقاتي اللواتي مالبثن أن رحن يبتعدن عني بأعذار مختلقة، وكلما كنت ألتقي إحداهن وأسألها عن سلمى، أو رحاب، أو، أو، كانت ترتبك في رد الجواب، ثم ما تلبث أن تخبرني بأنَّهن بدأن يخشين على أزواجهنَّ مني .
شعرت بالغرور يغزوني ويدعوني للشموخ برأسي، فأنا مازلت شابة بينما أدركت الشيخوخة صديقاتي، فبدأت نفسي تتمرد علي، وتطلب مني رفيقاً لها في الحياة لتأخذ حظها من سعادة أوفر. تقدم لخطبتي أكثر من أرمل متقدِّم في السن، ولكنني رفضت بشدة، فأنا أريد زوجاً شاباً في الثلاثين لامن هو على حافة قبره، فأكون له ممرضة أكثر مني زوجة. ذات يوم جاءت لزيارتي بشيرة المختار زوجة عم صهري حسين الراعي، وحدثتني بشأن ابن عمها أحمد، شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، ويطلب الزواج مني، وأمطرتني بالثناء عليه.. أخلاقه عالية.. تدينه رفيع المستوى، ولا يشكو إلا من ضيق ذات اليد. هذا الأمر رأيته تافها أمام ما ذكرت من شباب وجمال، وكمال.
تم زواجنا خلال شهر، ومنذ الليلة الأولى أفرغتُ في أذنيه أسرار حياتي كلها، وبعد يومين من الدُّخلة بدأ زوجي المصون يرفع الستار عن مكنونات نفسه، فراح يلمح بفارق السن بيننا، وينتقد ملابسي، وألوانها الزاهية، وموضتها، ومكياجي، رغم أنني كنتُ أرى كل ما أنكره علي يناسب جمال وجهي، وتناسق جسدي إلا أنه ظلَّ يضايقني باتهامي بالتصابي، وتقليد الصغيرات، ويوماً بعد آخر بدأ يساومني مادياً، ويطلب راتباً شهرياً مقابل بقائه زوجاً لي، تعرضت للضرب منه ذات يوم، عندما رفضت إعطاءه مبلغاً كبيراً من المال، وعندما هدَّدني بالطلاق أعطيته المبلغ خشية الفضيحة، وكلام الناس الذي لم أحسب له في البداية أدنى حساب. علمت بعد ذلك بخطوبته من فتاة في السابعة والعشرين من العمر وعندما واجهته بالأمر، لم ينكر الخبر، بل صارحني بوقاحتة المعهودة بأنَّه لم يتزوجني إلا لأجل المال، وبأنه لا يراني إلا ختيارة متصابية، ويجب عليَّ أن أفهم ذلك جيداً، وألَّا أظنَّ بأنه سيدفن شبابه برفقتي، فأخبرت ابنتي بما وصلت إليه حياتي مع هذا الرجل الأجوف، فحاولت لمَّ شتات نفسي المعذبة، ودعتني للسَّفر إليها، ومنذ ذلك اليوم وأنا أكره وجهي المزيَّف، ولم أعد قادرة على البقاء أسيرة لشباب كاذب وهبتني إياه أنامل الدكتور عبد الباري، فقالت لها أمي في محاولة لامتصاص غضبها: ولكنك جميلة ياسيدتي فتقبَّلي الواقع الذي أنت فيه اليوم ، ولو طلِّقتِ من زوجك هذا فقد يرزقك الله برجل يقدرك ويحترمك.
نهضت المرأة ويداها ترتجفان، فخفت منها على أمي، بينما تهيَّأ أبي للدِّفاع عنها إن أطبقت كفا المرأة الثَّائرة برقبتها، وقد صرخت بصوت غاضب: لقد طلقته ولاأريد هذا الجمال.. إنه سبب ما أعانيه من آلام.. لم يعد باستطاعتي التأقلم نفسياً مع جسدي المزيف، كلما نظرت في المرأة رأيت امرأة شابة تخالفني فكراً وعاطفة هي تطلب مالا يرضيني.. صرتُ أخافها، لقد حطَّمتُ المرآة يوم أمس، وبتُّ أخشى الجنون، صدِّقيني أنا لستُ أنا، فهذه المرأة التي هي أمامك بحاجة لنفس شابة، وقد تخطَِّيتُ أنا مرحلة الشباب منذ زمنٍ طويل، أمَّا أنا الحقيقية فبحاجة للوقار والهدوء، والراحة ..إنها غلطتي يوم أن سايرت ضعفي، واستسلمت لأوهام الشَّيطان، فلعب بي، وجعلني مهزلة لنفسي ولمن حولي.
اقترب والدي من أمي وأمسك بيدها وسحبها من الغرفة، فتبعتُهما وصوت المرأة يعلو وهي تقول : أريد وجهي الحقيقي أدخليني إلى الدكتور أرجوك ياابنتي، ولمَّا وصلنا إلى الباب الخارجي للعيادة قال أبي لأمي بغضب: إيَّاك أن تعودي للحديث مرَّة أخرى بشأن أنف ابنتنا، لن أطاوع امرأة ولا شيطاناً ولا أحداً في معصية الله ولو طلَّقتك ياامرأة.
نظرت أمي إلي َّ قائلة: انظر إلى أنف ابنتنا إنه أجمل أنف في العالم وعندما يأتي الّنصيب، سيراها الزَّوُج كما أراها أنا حلوة، لطيفة، أنيسة، فالجمال الحقيقي هو جمال النَّفس والرُّوح، وليس الأنف المرفوع ولا الجسد المشفوط والمشدود.
[rtl]زاهية بنت البحر: مريم يمق - سوريه[/rtl]