الصوفية: عشاق الذات الالهية المتهمين بالكفر
نزار سيد أحمد
يرجع الصوفية أصل التصوف كسلوك وتعبد وزهد في الدنيا وإقبال على العبادات واجتناب المنهيات ومجاهدة للنفس وكثرة لذكر الله إلى
عهد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وعهد الصحابة، وأنه يستمد أصوله وفروعه من تعاليم الدين الإسلامي المستمدة من القرآن والسنة النبوية.
وكوجهة نظر أخرى، يرى بعض الناس أن أصل التصوف هو الرهبنة البوذية، والرهبنة المسيحية والشعوذة الهندية فقالوا: هناك تصوف بوذي وهندي ونصراني وفارسي. بينما يرفض الصوفية المسلمون تلك النسبة ويقولون بأن التصوف ما هو إلا التطبيق العملي للإسلام، وأنه ليس هناك إلا التصوف الإسلامي فحسب..
وكثرت الأقوال في معنى الصوفية فقيل إنها من الصوفة، لأن الصوفي مع الله كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله تعالى. وقيل من الصِّفة، إذ أن التصوف هو اتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات، وترك المذموم منها.وقيل من الصُفَّة، لأن صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة الذين هم الرعيل الأول من رجال التصوف (وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون في المسجد النبوي الشريف ويعطيهم رسول الله من الصدقات والزكاة طعامهم ولباسهم).
وقيل من الصف، فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله؛ وتسابقهم في سائر الطاعات.
وقيل من الصوف، لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف والاخشيشان. وقيل من الصفاء، فلفظة “صوفي” على وزن “عوفي”، أي: عافاه الله فعوفي، وقال أبو الفتح البستي:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا وظنه البعض مشتقاً من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غيرَ فتىً صفا فصوفي حتى سُمي الصوفي
وكرأي آخر، يقول الشيخ ابن الجوزي في محاولته التي اعتبرها علماء آخرون تقليلاً من شأن التصوف الإسلامي، ذكر في كتابه تلبيس ابليس: يُنسب الصوفيين إلى (صوفة بن مرة) والذي نذرت له والدته أن تعلقه بأستار الكعبة فأطلق اسم (صوفي) على كل من ينقطع عن الدنيا وينصرف إلى العبادة فقط.
وقد أرجع بعض الباحثين والمؤرخين المختصين بعلوم الديانات القديمة من غير المتصوفة، الكلمة إلى أصل يوناني، هو كلمة: (سوفيا)، ومعناها الحكمة. وأول من عرف بهذا الرأي: البيروني ووافقه الدكتور محمد جميل غازي، الذي قال: “الصوفية كما نعلم اسم يوناني قديم مأخوذ من الحكمة (صوفيا) وليس كما يقولون إنه مأخوذ من الصوف”..
وكان من أوائل من كتب في التصوف من العلماء:الحارث المحاسبي، المتوفى سنة 243 هـ، وأبو سعيد الخراز، المتوفى سنة 277 هـ، وأبو قاسم القشيري وأبو حامد الغزالي، المتوفى سنة 505 هـ، ومن كتبه: إحياء علوم الدين، الأربعين في أصول الدين، منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين، بداية الهداية، وغيرها الكثير. ويعد كتاب إحياء علوم الدين من أشهر كتب التصوف ومن أجمعها.
وشهدت الصوفية قفزة مع الإمام الغزالي خاصة كتابه إحياء علوم الدين الذي يعد محاولة لتأسيس العلوم الشرعية بصياغة تربوية، تلاه اعتماد الكثير من الفقهاء أبرزهم عبد القادر الجيلاني للصوفية كطريقة للتربية الإيمانية، ويبدو أن الجيلاني وتلاميذه الذين انتشروا في كافة بقاع المشرق العربي حافظوا على الجذور الإسلامية للتصوف بالتركيز على تعليم القرآن والحديث مقتدين بأشخاص مثل الحارث المحاسبي، والدليل على ذلك أن حتى ابن تيمية رغم الهجوم الضاري الذي يشنه على الصوفية في عصره، لا يرى بأساً في بعض أفكار التصوف ويمتدح أشخاصا مثل الجيلاني وأحمد الرفاعي.
وتختلف الطرق التي يتبعها مشايخ الطرق في تربية طلابهم ومريديهم باختلاف مشاربهم وأذواقهم الروحية، وباختلاف البيئة الاجتماعية التي يظهرون فيها. فقد يسلك بعض المشايخ طريق الشدة في تربية المريدين فيأخذونهم بالمجاهدات العنيفة ومنها كثرة الصيام والسهر وكثرة الخلوة والاعتزال عن الناس وكثرة الذكر والفكر.
وقد يسلك بعض المشايخ طريقة اللين في تربية المريدين فيأمرونهم بممارسة شيء من الصيام وقيام مقدار من الليل وكثرة الذكر، ولكن لا يلزمونهم بالخلوة والابتعاد عن الناس إلا قليلاً. ومن المشايخ من يتخذ طريقة وسطى بين الشدة واللين في تربية المريدين. وكل هذه الأساليب لا تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله، كما يقولون، بل هي من باب الاجتهاد. ولذلك يقولون: لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق.
وللطرق الصوفية شارات وبيارق وألوان يتميزون بها: فيتميز الرفاعية باللون الأسود. ويتميز القادرية باللون الأخضر. ويتميز الأحمدية باللون الأحمر. أما البرهانية فإنها لا تتميز بلون واحد كسائر الطرق بل تتميز بثلاث ألوان: الأبيض الذي تميز به إبراهيم الدسوقي، والأصفر الذي تميز به أبو الحسن الشاذلي ومنحه لابن أخته إبراهيم الدسوقي، والأخضر وهو كناية عن شرف الانتساب لأهل بيت رسول الإسلام محمد.
ومن أبرز آعلام الصوفية في التاريخ:
.الحلاج: حسين بن منصور الحلاج عاش في العصر العباسي, ولد في بلدة الطور قرب مدينة البيضاء في بلاد فارس سنة 857م، وصلب سنة 922م في عهد الخليفة المقتدر بالله..
. ابن عربي: يلقبه الصوفيون “بالشيخ الأكبر”، ولد سنة (560هـ/ 1165م)، وتوفي سنة (638هـ/ 1240م)، وصاحب مؤلفات عديدة أهمها: روح القدس
. أبو يزيد البسطامي المتوفى سنة 243هـ وقيل 261هـ وهو صاحب العبارة الشهيرة (خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله).