كسرت الزغاريد سكون القرية الهادئة, مشعلة فضول الأهالي في داك الصباح الصيفي الجميل.
تقاطرت بعض النسوة على مصدر الزغاريد ...انه منزل الحاج مسعود متحدية شخصية هذا الأخير , المتميزة بحدة الطبع , والمعروفة لدى المقربين بالغلظة والفضاضة في المعاملة مع الآخرين, الحاج علي له سجل غني وحافل يضم بين طياته معارك أشعلها لأتفه الأسباب.
كانت للحاج مسعود زوجة هادئة صبورة , استطاعت أن تمتص غضب زوجها بتباتها ورجاحة عقلها وصبرها على المحن وقناعتها .
منحته ثلاث فتيات, أحسنا تربيتهن ورعايتهن, فتيات كن حلم شباب القرية لما تميزن به من الحسن والجمال...وكم رحل منهم إلى المدينة بهدف إيجاد عمل يوفر لهم مهرا وعيشا كريما يسهل عليهم الطريق لولوج قلعة الحاج مسعود وخطبة إحداهن .
لم يمتلك يوما أي شاب الجرأة على مخاطبته , خوفا من بطشه وردات فعله.
عاشت البنات في عزلة تامة داخل سجن الأسرة الصغيرة الموحش .
هذا هو المشهد العام الذي كان يلوح للعامة , أما خفايا الأمور , فقد دست أشياء أخرى مجهولة.
في خلسة من الزمن بعيدا عن عيون الفضوليين, والألسن التي تلوك سير الناس طوال الوقت في الأوقات الفارغة, تولد قصة حب.
إنها قصة عجيبة , تشبه أسطورة المحبين الذين خلدهم التاريخ , روميو وجولييت, جميل وبثينة, عنترة وعبلة وغيرهم...
تمر الأيام كعادتها , جاثمة بروتينها على المجمع السكني المنبوذ في أقاصي الأحراش الصلدة , وجفاف انعكس على قلوب الناس مغيبا ما يسمى بالعواطف والحب....
في يوم من الأيام, وبينما كانت صفية , البنت البكر للحاج مسعود, تنشر الغسيل على السطح , لمحت ايوبا يمر من أمامها , وأيوب هذا كان من بين شباب القرية الطموحين , امتاز بأخلاقه واجتهاده , فقد استطاع من بين القلائل أن يلج مدرجات الجامعة في العاصمة , وهو يزور قريته في العطل والمناسبات, ويعد من الفئة المثقفة .
لمحت صفية ايوبا , وبسرعة البرق , رأت فيه الفارس الممتطي للجواد الأبيض .
شاهد أيوب صفية , فكانت النظرة كالسهم الذي اخترق قلب الاثنين.
نظرة جلبت معها الصبابة والجوى وارق الليالي والإحساس بمر البعاد.
دخلت الفتاة غرفتها , وألقت بجسمها النحيف على السرير وهي تلعب بأصابعها الرقيقة بخصلات شعرها الطويل , شاردة الدهن حالمة بعالم هو مطلب كل البنات في مثل سنها.
طرحت على نفسها عدة اسئلة لم تجد لها أجوبة , وفجأة ارتعدت فرائصها ....
كيف لها أن تحب وهي لبنة الحاج مسعود ؟ كيف سمحت لنفسها أن تنظر لشيء محرم؟؟
في الجانب الآخر , وصل أيوب إلى بيته ولم يعرف كيف وصل, حمل على بساط الأحلام بعيدا حتى بدا يكلم نفسه , وكم من تحية لم يردها , مما زاد استغراب من عهد فيه اللباقة وحسن الأخلاق والابتسامة الدائمة.
هناك في الأفق , كانت تتهيئا عاصفة كما هي العادة في كل مساءات الصيف الملتهبة , وغطت سحب سوداء سماء القرية الصغيرة , وسمع صوت قصف رعد يتردد صداه على جدران الجبال القريبة المحيطة بالمكان , وكان الطبيعة غاضبة من مستقبل مجهول المعالم.
ليلي طويل مؤرق , آهات تنبعث من بين الثنايا , ودموع ساخنة تلهب خدود صفية العذراء.
لا شك انه الحب......تساءلت الصغيرة.
هي الفتاة الطاهرة العفيفة التي تجهل كل أسرار الحب وقواعد عالمه المجهول , باستثناء ما كان يدور من حديث متوارث من الجدات وما لاكته السن الأخوات في لحظات صفاء على سبيل المزح.
انه إحساس طبيعي , بل أصبح مطلبا ملحا متزامنا مع نضج الأنوثة الكاملة.
لم تكشف صفية شيئا لأخواتها , وبدأت تستفرد بعالمها الجميل وأفكارها داخل غرفتها , بل بدأت تفكر في أشياء يقشعر لها البدن.
تكررت لقاءات الأعين والنظرات من بعيد, واستخدمت لغة الإشارات في ترجمة المشاعر ....
مع مرور الأيام, عرف العشق تطورات جديدة دفع بالاثنين إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة, وبدأت صفية تتسلل إلى السطوح, والناس نيام , وتنزل من مكان سهل لتجد نفسها وجها لوجه أمام أيوب الذي كان بدوره ينتظرها .
هناك عند كدخل القرية, في كوخ قديم متهاو , كانت تعقد اللقاءات المحرمة.
تتولى الأيام, وتتكرر اللقاءات , في غفلة من العيون الفضولية , لقاءات زادت من لوعة الحبيبين , ووسوس الشيطان لهما ليتبث مقولة : ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان.
بدافع العاطفة المجنونة والحب الجارف الأعمى, وانعدام التجربة , فرطت صفية في اعز ما تملكه الفتاة ...الشرف....بطيش طفولي غر...وتوقع الاثنان أن أبواب جهنم ستفتح أمامهما.
يا ويلي , ماذا فعلت؟؟؟
اطمئني صفية, سنجد مخرجا لا محالة.
كيف ذلك؟؟ لو علم أبي ستكون نهايتي ونهايتك...
لا تخافي , سأتقدم لخطبتك وننهي المشكلة.
عادت صفية إلى البيت تجر اديال الخيبة والعار والرذيلة , والندم يقطع أوصالها , لكن كلمات حبيبها هدأت بعض الشيء من روعها وتراءى لها أمل بعيد.
بدأت تعد الساعات والأيام مترقبة سماع دقات أيوب على الباب , شيء لم يقع أبدا.
ازدادت مخاوفها عندما أحست بثمرة خطيئتها تهز أحشاءها .
أصاب الشحوب محياها الجميل , وغادرت البسمة ثغرها ومالت أكثر إلى العزلة والبكاء .
شكت والدتها بالأمر , طبعا فالمرأة تفهم المرأة, خصوصا عندما ظهرت بوادر الوحم وانتفاخ طفيف للبطن.
تحت إلحاح الوالدة , وتوعدها ووعيدها, لم تجد صفية بدا من مصارحتها بالحقيقة المرة .....صيحة خرجت من أعماق الوالدة هزت أركان البيت وقلوب من بالبيت....
هب الجميع إلى غرفة صفية , ودب الخوف والهلع وارتقبت الفتاة النهاية المحتومة.
تحت النحيب والبكاء, بدأت صفية تحكي لوالدها كل ما حدث, كانت كل كلمة تتفوه بها, تزيد في دواخل الحاج مسعود شرارة الثار والانتقام وفي نفس الوقت الإحساس بالذل والمهانة .
أمر الجميع بمغادرة الغرفة, إلا صفية, التي استمرت في ذرف لدموع بلا انقطاع , الشيء الذي لم يشفع لها غلطتها,
اقفل الحاج الباب ثم عاد نحو ابنته بخطوات ثقيلة بطيئة وألف شيطان يسكن رأسه.
بدا يرقبها بعينين يتطاير منهما الشرر , هم بالكلام وقول شيء لكنه أحجم عن الكلام ,صمت قاتل يلف الغرفة....
مرت الدقائق كأنها السنين , وبدأت صفية تطلب في نفسها الخلاص والانتهاء من المسالة بأسرع وقت ممكن.
امسك الحاج مسعود برأس ابنته, وطبع قبلة طويلة على جبينها المبلل بعرق الخوف ودموع انفلتت غصبا من عيون الشيخ المصدوم.
قبض على رقبتها برقة وكأنه يداعبها , ثم بدأت يداه القويتان تضغط شيئا فشيئا على المكان الناعم, وسمعت أصابعه الغليظة تكسر كل ما يمد صفية بالحياة......
انتهى كل شيء .....
مدد جثثها على الأرض , ونادى أمها المرتعدة, ثم أمرها أن تزغرد ثلاث زغردات إيمانا منه انه غسل العار وثار للشرف.......