عزف منفرد .. يهودي يحمي اقتصاد العراق من الانهيار Tweet
شبكة ذي قـار سلام الشماع
عندما يقول لك العراقي : لا تحسقلها عليّ ، فإنه يعني : لا تتشدّد معي في الحساب وكن مرنًا.
ويعود أصل هذا القول إلى رجل يهودي كان أحد أعمدة بناء الدولة العراقية الحديثة في 1921، وتولى منصب وزير المالية فيها، وتضايق منه البريطانيون فوقفوا في وجه توليه منصبه، بعد حين، ومازال هذا الرجل يتربع على عرش “أشهر وأنزه وزير مالية عراقي في تاريخ الحكومات العراقية المتعاقبة”.
يقول عنه أمين الريحاني: إنه “الوزير الثابت في الوزارات العراقية، لأنه ليس في العراق من يضاهيه في علم الاقتصاد والتضلع في إدراك الشؤون المالية”.
ويقول الكاتب العراقي خالد القشطيني إن من أفكار ساسون حسقيل البارعة أنه اشترط على شركة النفط “أن تعطي العراق حصة من أسهمها، بما مكّن الدولة العراقية من رهن هذه الحصة بما أعطاها أموالاً كانت في أمسّ الحاجة إليها”.
وبفضل التشدد والبراعة الحسقيلية هذه لم يتعرّض الاقتصاد العراقي إلى هزات مميتة، وبقي الدينار العراقي قويًّا أمام العملات الأجنبية، ففي المفاوضات بين العراق وبين شركة النفط البريطانية، أصرّ حسقيل على البريطانيين أن يدفعوا حصة العراق بالذهب ( الشلن الذهبي ) بدلاً من ( الباون الإنكليزي الورقي ) ، فاستخف البريطانيون من طلبه، وقتها، فالباون الإنكليزي ( السترلنغ ) كان أقوى عملة في العالم، وسخروا منه وضحكوا عليه واتهموه بأنه رجل قديم الطراز! فهزَّ رأسه قائلاً: “نعم هكذا أنا.. سامحوني، رجل مُتحجر الفكر ومن بقايا العهد العثماني، رجاءً ادفعوا لنا بالذهب”. فطيبوا خاطر هذا الوزير ( المغفل ) بتوقيعهم له على الدفع بالذهب، لكن سرعان ما ثبت أن ساسون حسقيل كان أعلم منهم جميعًا، فبعد سنوات قليلة تدهور الباون الإسترليني بالنسبة للذهب، وشركة النفط لم تجد مفرًّا من الدفع للعراق! وكانت النتيجة أن ظل العراق يكسب ملايين إضافية بسبب تفوق الذهب على العملة الورقية الإنكليزية!
والحكايات عن ساسون حسقيل كثيرة، وهي أوسع من أن يضمها كتاب، ومنها أنه في وزارة عبدالمحسن السعدون تم تخصيص 300 دينار لترميم بناية مقر الحكومة ( القشلة ) فأنقص منها حسقيل مبلغ ( 45 ) دينارًا بعد مفاوضات مع المهندس البريطاني المسؤول عن عملية الترميم، وقال حسقيل كلمته المشهورة: إن الإهدار يجعل من المال ( سائبًا ) والمال السائب يعلم على السرقة.
إن استذكار ساسون حسقيل، اليهودي العراقي، يفرض نفسه مع بحث البرلمان العراقي، الشهر الماضي، عن نحو أربعمائة مليار دولار من مبيعات النفط في السنوات العشر الأخيرة، يُعتقد أنها هُرّبت إلى الخارج ضمن عمليات غسيل الأموال، ومع فراغ خزينة العراق بسبب الفساد الذي جعل العراق في مقدمة الدول التي ينتشر فيها الفساد المالي، ومع تأكيد عضو اللجنة المالية النيابية مسعود حيدر أن واردات العراق من بيع النفط منذ 2006 وحتى 2014، بلغت نحو 550 مليار دولار، وأن 60 % من ذلك المبلغ أي نحو 360 مليار دولار تم بيعها في مزاد العملة، الذي ينظمه البنك المركزي العراقي، وجرى تحويلها إلى خارج البلد عن طريق شركات أهلية ومكاتب صيرفة، لافتًا إلى ورود ذكر لشخص غير معروف بشراء العملة الصعبة من المزاد، وتحويل مبلغ 550 مليون دولار.
إن العراق يحتاج، الآن، إلى ساسون حسقيل جديد، وقبله يحتاج إلى نظام حكم يضمن حياة ساسون حسقيل الجديد عندما يعمل.
http://www.albiladpress.com/column4358-18667.html